منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول قبل 18 عاماً، شنت الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب حول العالم مستهدفة تنظيم القاعدة ومن بعده داعش، فهل حققت واشنطن النصر في تلك الحرب وما هي الأضرار الجانبية لها وكيف وظفها النظام المصري والسعودي محلياً؟
موقع لوب لوغ الأمريكي نشر تقريراً مطولاً بعنوان: "كشف حساب لحرب أمريكا على الإرهاب في الشرق الأوسط"، أعده تشارلز دان زميل غير مقيم بالمركز العربي بواشنطن العاصمة، ألقى فيه الضوء على ما أنجزته تلك الحرب وما لم تنجزه.
كيف بدأت وأين وصلت؟
بعد مرور 18 عاماً على الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول 2001، لا تزال الولايات المتحدة منخرطة في حرب متعددة الجبهات ضد التهديدات الإرهابية متعددة الأوجه ينبع معظمها من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى الرغم من اختفاء مصطلح "الحرب العالمية ضد الإرهاب" الذي استخدمته إدارة جورج بوش الابن، وتخلت عنه إدارة باراك أوباما في مدته الأولى (من 2008 إلى 2012)، يظل الاختلاف مجرد تغيير في الألفاظ، حيث إن الإدارات الثلاث (بوش وأوباما ودونالد ترامب) تتبع استراتيجيات متشابهة تضع "مكافحة الإرهاب" على قمة أجندتها.
صحيح أنه تم تحقيق انتصارات كبرى في تلك الحرب، حيث تم تفتيت القاعدة وهزيمة دولة الخلافة أو تنظيم داعش بعد أن عانى التنظيمان من خسائر فادحة على مستوى القادة وعلى مستوى القدرات العملية، ولكن حرب أمريكا على الإرهاب -بغض النظر عن المسمى- لا تزال أبعد ما تكون عن نقطة النهاية.
بقايا القاعدة وداعش لا تزال تمثل تهديداً خطيراً على مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط كما تمثل تهديداً أخطر على شعوب المنطقة نفسها، وفرص عودة تلك التنظيمات للواجهة تظل قائمة بقوة في ضوء وجود أنظمة ضعيفة في سوريا واليمن والقرن الإفريقي، لكن القلق الأكبر يكمن في التكلفة البشرية العالية لتلك الحرب بين صفوف المدنيين.
تغاضي أمريكي عن انتهاكات حقوق الإنسان
في هذا السياق يأتي تغاضي الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن توظيف بعض الأنظمة في المنطقة لشعار الحرب على الإرهاب لتحقيق أهداف أبعد ما تكون عن أهداف تلك الحرب، وبالتحديد ملاحقة وقمع أي أصوات معارضة ووصمها بالإرهاب.
السياسات الأمريكية الداعمة دون شروط للأنظمة السلطوية بتغاضي واشنطن عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي ترتكبها تلك الأنظمة تحت شعار "قوانين مكافحة الإرهاب"، تلك الممارسات تخلق بيئة مثالية لتجنيد المزيد من الشباب تحت مظلة التنظيمات الإرهابية، بحسب التقرير.
فالانتهاكات التي يرتكبها حلفاء واشنطن والتي تحظى بعطاء سياسي أمريكي لا تتسبب فقط في مخاطر اعتبار واشنطن كشريك في تلك الانتهاكات -بما فيها ارتكاب جرائم حرب مثلما يحدث في اليمن- لكنها تضر أيضاً بالهدف الأساسي لحرب أمريكا على الإرهاب وذلك من خلال تغذية أسباب التطرف والعنف في المقام الأول.
الاعتماد على مصر والسعودية لمكافحة الإرهاب
إن تفويض الولايات المتحدة لحلفائها السلطويين في منطقة الشرق الأوسط ليتولوا بأنفسهم تنفيذ سياستها في الحرب على الإرهاب يمثل أبرز أسباب القلق والشك في أن تحقق تلك الحرب أهدافها الحقيقية.
دافعت الولايات المتحدة عن الحرب التي شنتها السعودية والتحالف الذي شكلته ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، على أساس أن الحوثيين متحالفون مع إيران ولكن الأهم هو أن واشنطن ترى السعودية طرفاً رئيسياً (أو على الأقل طرفاً يدفع الأموال) في حربها الممتدة ضد القاعدة في اليمن أو ما يعرف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكن تلك الحرب السعودية في اليمن تحولت إلى مستنقع تسبب في أكبر كارثة إنسانية ولا تبدو له نهاية حتى اللحظة.
ساندت إدارة أوباما التدخل السعودي في اليمن في البداية كي تحرم القاعدة في اليمن من توسيع نفوذها عن طريق قيادة المعركة ضد الحوثيين، لكن إدارة ترامب خلطت بين دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية وبين المعركة ضد القاعدة مما أدى لنتائج كارثية على كل المستويات، وتم اتهام واشنطن من جانب الأمم المتحدة بالتواطؤ في جرائم الحرب التي ترتكبها قوات التحالف، كما أن دعم إدارة ترامب لوحدات مكافحة الإرهاب اليمنية المتهمة بالفساد وارتكاب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان تسبب في اختفاء معدات عسكرية قيمتها أكثر من 500 مليون دولار لا أحد يعرف أين ذهبت.
كما تعرضت الإدارة الأمريكية لاتهامات بأنها تغاضت عن عمد عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات اليمنية وقوات التحالف السعودي، وبسبب تلك السياسات زاد الإقبال بين صفوف اليمنيين على الانضمام لصفوف القاعدة.
تفصيل قوانين تستهدف المعارضة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب
أما مصر، وهي حليف أمريكي آخر، فهي تقوم بحربها الخاصة على الإرهاب ضد أحد أفرع تنظيم داعش وهو ولاية سيناء منذ عام 2011، ولأن العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المصرية محاطة بسياج من السرية بسبب قرارات الحظر الإعلامي التي تفرضها السلطات، إلا أن تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الصادر في مايو/أيار الماضي رصد تورط القوات المصرية في أنشطة "إخفاء قسري وتعذيب وقتل خارج نطاق القانون وعقاب جماعي وتهجير قسري"، إضافة لضربات جوية أوقعت أعداداً كبيرة بين صفوف المدنيين، وقد أدان التقرير نفسه ممارسات التنظيمات الإسلامية ضد المدنيين أيضاً.
لكن الممارسات الوحشية لا تتوقف عند حدود سيناء، فالاتهامات الموجهة للسلطات الأمنية المصرية تشمل أيضاً قتلاً خارج القانون في العاصمة القاهرة ومدن أخرى، وكلها تتم تحت شعار "مكافحة الإرهاب".
وقد نشرت رويترز تقريراً استقصائياً وثقت فيه 465 حالة قتل "لمتهمين بالإرهاب" في مئات الحالات على مدى فترة ثلاث سنوات ونصف، ووقعت حالات القتل دون محاكمة وفي ظروف يشوبها الشك بصورة عميقة، بحسب أهالي الضحايا وخبراء أدلة جنائية مستقلين، وكثير ممن أعلنت السلطات عن مقتلهم كانوا مختفين بشكل قسري قبل أشهر، على الأرجح على أيدي قوات الأمن، ثم يتم الإعلان عن مقتلهم في حوادث يعتقد الكثيرون أنها "مدبرة".
اللافت أن وزارة الخارجية الأمريكية اعترفت في تقريرها لحقوق الإنسان العام الماضي أن قوات الأمن المصرية متورطة في عدد كبير من الانتهاكات تشمل التعذيب "والقتل التعسفي أو خارج القانون"، ورغم ذلك وفي نفس العام وافق وزير الخارجية مايك بومبيو على دفع 195 مليون دولار مساعدات عسكرية للنظام المصري، وكانت ذريعته التي قدمها للكونغرس أن "مصر حليف مهم في الحرب على الإرهاب"، رغم أن تلك المعونة العسكرية كانت مجمدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي.
موافقة ضمنية على انتهاكات حقوق الإنسان
إن الخلط بين مشكلة الدعم المطلق للنظام وسياسة الولايات المتحدة ينبع من حقيقة تجاهل الولايات المتحدة بشكل كبير لإلغاء الحدود بين قوانين "مكافحة الإرهاب" وقوانين مكافحة الاحتجاج ضد سياسات النظام، وبالتالي توظيف تلك القوانين لقمع أي معارضة سياسية أو اجتماعية.
استغل نظام الرئيس السيسي الحرب على الإرهاب بتطبيق تعريفات فضفاضة للإرهاب لتشمل أمور مثل "إهانة المسؤولين الحكوميين أو انتقاد السياسات الرسمية"، وقد تم تطبيق تلك القوانين بصورة صارمة في مصر والسعودية والأردن وبلاد أخرى حليفة لإدارة ترامب، حيث يتم حبس النشطاء والمدونين والمتظاهرين السلميين، ونادراً أو حتى لا يحدث أبداً أن تناقش الإدارات الأمريكية تلك القوانين أو الممارسات، مما يعني القبول ضمناً بأنها جزء من استراتيجية مكافحة الإرهاب.