كان اكتشاف أول قمر خارج مجموعتنا الشمسية حدثاً هاماً في دنيا الفلك والفضاء الخارجي، ولكن مؤخراً بدأت تُظهر أبحاث أن ما تم تصنيفه على أنه قمر ربما لا يكون كذلك، فما هي القصة؟
صحيفة ذا كونفرسيشن الأسترالية ألقت الضوء على قصة "كيبلر" في تقرير كتبه برادلي هانسن أستاذ الفيزياء والفلك بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، بعنوان: "ما تكشفه أقمار مجموعات شمسية أخرى عن كواكب مثل نبتون والمشتري".
رقصة كونية
ما الفارق بين نظامٍ يجمع بين كوكبٍ وتابعه، كما يجمعنا أرضنا بالقمر، وبين كوكب ثنائي: كوكبَان يدور بعضهما حول البعض في رقصة "دوسيدو" كونية؟
أنا عالم فلك مهتم بالكواكب الدائرة حول النجوم القريبة، وعمالقة الغاز -المشتري وزحل وأورانوس ونبتون في مجموعتنا الشمسية- هي أكبر الكواكب وأسهلها في تبيُّنها. والضغط الساحق داخل أغلفتها الجوية يعني عدم أرجحية أن تحتوي على حياة. لكن الأقمار الصخرية الدائرة حول كواكب كهذه قد تملك ظروفاً أكثر ترحيباً. في العام الماضي، اكتشف علماء فلكٍ قمراً بحجم الكواكب يدور حول كوكبٍ من عمالقة الغاز الآخرين خارج مجموعتنا الشمسية.
وفي ورقة بحثية جديدة، أطرح أن هذا القمر هو في الحقيقة ما يُسمَّى بكوكبٍ أسيرٍ.
هل أول "قمر خارج مجموعتنا الشمسية" نعثر عليه قمر حقاً؟
من الصعب للغاية تبيُّن نظائر كوكب الأرض الحقيقية، الدائرة حول نجومٍ شبيهةٍ بشمسنا، حتى بتلسكوبات كيك الكبيرة. وتكون المهمة أسهل إن كان النجم المضيف أقل ضخامةً. لكن حتى في تلك الحال، على الكوكب أن يكون أقرب إلى النجوم ليكون دافئاً بما يكفي، وموجات جاذبية النجم قد تحبس الكوكب في حالةٍ ما يملك فيها جانباً ساخناً على الدوام وجانباً بارداً على الدوام. ويقلِّل هذا من احتمال كون هذه الكواكب مواقع تحتوي على حياة. وحين تملك عمالقة الغاز الدائرة حول نجومٍ شبيهةٍ بشمسنا أقماراً صخريةً، فقد تزيد أرجحية العثور على حياةٍ في هذه الأماكن.
في 2018، أبلغ عالما فلكٍ من جامعة كولومبيا عن أول مشاهدةٍ مبدئيةٍ لقمرٍ خارج مجموعتنا الشمسية: تابع يدور حول كوكب يدور هو الآخر حول نجمٍ آخر. ومن الملامح المثيرة للفضول أن هذا القمر المسمَّى "كيبلر" أكبر ضخامةً بكثير عن أي قمر موجود في مجموعتنا الشمسية، وله كتلة شبيهة بنبتون ويدور حول كوكب مماثل للمشتري في حجمه.
يتوقع علماء الفلك أقمار كواكب مثل المشتري وزحل أن تبلغ كتلتها نسبةً مئويةً ضئيلةً من كتلة الأرض. لكن كان هذا القمر الجديد أكبر بآلاف الأضعاف عن الأجسام نظيرته بمجموعتنا الشمسية، أقمار مثل غانيميد وتيتان اللذين يدوران حول المشتري وزحل على التوالي. ومن الصعب للغاية تفسير كيفية تكوُّن تابعٍ بهذا الحجم باستخدام النماذج الحالية لتكوُّن الأقمار.
كيف يتشكل القمر هائل الحجم؟
وفي نموذج جديد طوَّرته أنا، أناقش كيف يتشكَّل قمر هائل إلى ذلك الحد من خلال عملية مختلفة، حيث يكون في الحقيقة كوكباً أسيراً.
جميع الكواكب، صغيرةً كانت أم كبيرةً، تبدأ بتجمُّع أجسامٍ بحجم الكويكبات لتكوين نواة صخرية. وفي هذه المرحلة المبكرة من تطور النظام الشمسي، ما زالت النويات الصخرية محاطةً بقرص غازي خلَّفه تكوُّن نجمٍ أمٍّ. وإن أمكن للنواة النمو بالسرعة الكافية لبلوغ كتلةٍ مساويةٍ لعشرة أضعاف كتلة الأرض، فستملك حينئذٍ قوة جاذبية كافيةً لسحب الغاز من الفضاء المحيط والنمو إلى الحجم الهائل للمشتري وزحل. لكن هذا التراكم الغازي قصير العمر، إذ يفرِّغ النجم معظم الغاز في القرص والغبار والغاز المحيط بنجمٍ حديث النشأة.
وإذا وُجدت نواتان تنموان على مسافة قريبة، فقد تتنافسان في تجميع الصخور والغاز. وإذا كبرت نواةٌ قليلاً عن الأخرى، اكتسبت أفضليةً واستطاعت جمع النسبة العظمى من الغاز المحيط لنفسها. ويترك هذا الجسم الثاني بلا مزيدٍ من الغاز ليجمعه. ومن ثمَّ، فزيادة قوة جاذبية جاره تسحب الجسم الأصغر نحو تأدية دور التابع، وإن كان تابعاً كبيراً جداً. ويصير الكوكب السابق قمراً فائق الحجم يدور حول الكوكب الذي تغلَّب عليه في سباق جمع الغاز.
نظرة نحو التاريخ من خلال نواة متبقية
بالنظر إليه في هذا السياق، نجد أن الكوكب الأسير من المستبعَد أن يصلح لأن تسكنه حياة. فالنويات الكوكبية المتنامية لها أغلفة غازية تجعلها أشبه بأورانوس ونبتون؛ أي مزيج من الصخور والجليد والغاز كان ليصبح مثيلاً للمشتري لولا أن قاطعه جاره الأكبر الوقح.
إلا أن هناك دلالاتٍ أخرى تكاد تكون مثيرةً للاهتمام بالدرجة ذاتها. من الصعب للغاية دراسة نويات الكواكب العملاقة، لأنها مدفونة تحت كتلةٍ تساوي مئات كتلة الأرض من الهيدروجين والهيليوم. وحالياً، تحاول بعثة جونو فعل هذا مع زحل. لكن دراسة خصائص هذا القمر الواقع خارج مجموعتنا الشمسية قد تمكِّن علماء الفلك من رؤية النواة المجرَّدة لكوكب غازي عملاق حين يُجرَّد من غلافه الغازي. وقد يوفِّر هذا فكرةً عما قد بدا عليه زحل قبل نموِّه إلى حجمه الحالي العظيم.
ويقع نظام هذا القمر Kepler-1625b-i على حافَّة ما يُمكن تبيُّنه باستخدام التكنولوجيا الحالية. وقد توجد أجسامٌ أخرى كهذه يمكن الكشف عنها مع التحسينات المستقبلية لقدرات التلسكوبات. ومع استمرار زيادة إحصاء علماء الفلك للكواكب خارج مجموعتنا الشمسية، تُبرز أنظمةٌ مثل ذلك القمر ومضيفه مشكلةً ستزيد أهميتها مستقبلاً. إذ يوضِّح ذلك القمر أن خصائص كوكبٍ ما ليست مجرَّد نتيجةٍ لكتلته وموقعه، بل قد تتوقف على تاريخه والبيئة التي تكوَّن فيها.