مع الإعلان عن انطلاق الحملات الدعائية للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية بين المترشحين قيس سعيد ونبيل القروي، بدأت تتضح بعض من التوجهات السياسية وحملات الدعم للأحزاب التي سيكون لها الدور المؤثر في تحديد رئيس تونس القادم.
وتشير خريطة التوازنات السياسية إلى التقدم الكبير والمريح للمترشح المستقل قيس سعيد، بعد أعلنت عدد من الأحزاب والأطياف السياسية مساندته ودعمه في الدور الثاني، في ظل الوضعية القانونية غير الجيدة لمنافسه نبيل القروي الذي يقبع في السجن بسبب اتهامه بالتورط في قضايا فساد وتبييض أموال.
حركة النهضة القوة الأبرز مع سعيد
وأعلنت حركة النهضة، أكثر الأحزاب فاعلية في المشهد السياسي ما بعد الثورة، اصطفافها مبكراً وراء المرشح المستقل وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، قبل أن تسير على نهجها أحزاب أخرى.
وبحسب تصريحات كبار قيادات الحركة، وخاصة الشيخ راشد الغنوشي، فإن الهدف المعلن لدعم قيس سعيد في الدور الثاني هو "الانتصار والدعم للثورة على حساب النظام القديم"، في إشارة إلى المترشح الثاني نبيل القروي.
لكن الأهداف الحقيقية لا يمكن أن تخفي برغماتية حركة النهضة، التي تحاول كسب أكثر عدد من الأصوات من خزان أستاذ القانون الدستوري الانتخابي، لتقارع بها حزب "قلب تونس" الذي يترأسه القروي، وهو الحزب الذي يتصدر نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية.
وإلى جانب حركة النهضة، أعلن حزب التيار الديمقراطي الذي غادر مرشحه محمد عبو سباق الانتخابات الرئاسية، دعمه لقيس سعيد، وكذلك حزب التحرير ذو المرجعية الإسلامية، بالإضافة إلى حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي.
أحزاب تدعم قيس بدون إعلان
واختارت عدد من الأحزاب الأخرى عدم المساندة العلنية لأي من المترشحين للدور الثاني، على غرار الجبهة الشعبية ونداء تونس وتحيا تونس، لأسباب مختلفة.
لكن تشير توجهات الرأي العام إلى أن القاعدة الانتخابية لهذه الأحزاب ستصوت لصالح أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بسبب المصداقية والشعبية الكبيرة التي يتمتع بها، ولأن قواعد هذه الأحزاب لن تلتزم بالدعوة للتصويت للقروي نظراً لما تعلق بهذا الرجل من ملفات فساد.
دعم "غير معلن" لنبيل القروي من الدولة العميقة
أما المترشح الثاني في الانتخابات الرئاسية نبيل القروي، فلم تتجاوز المساندة المعلنة التي حظي بها سوى بعض السياسيين بشكل منفرد، على غرار وزير التنمية والتعاون الدولي السابق الفاضل عبدالكافي.
ورغم عدم إعلان أي حزب دعم القروي في الدور الثاني، أشارت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست"، إلى أن القروي يحظى بمساندة من أنصار وزير الدفاع السابق عبدالكريم الزبيدي، ودعم ما اصطلح على تسميتها بـ"الدولة العميقة".
وذكرت المصادر أن الاتحاد العام التونسي للشغل أيضاً يتجه ضمنياً لدعم نبيل القروي.
ورغم أنه لم يعلن موقفه من المترشحين، إلا أن المقربين من دوائر صنع القرار فيه أكدوا أن قيادات الاتحاد ستوجه قياداتها للتصويت لنبيل القروي بسبب تخوفها من الحزام الداعم للمترشح قيس سعيد، وخاصة روابط حماية الثورة التي اعتدت سابقاً على مقر المنظمة العمالية.
الرئاسة في اتجاه قيس سعيد
أشار الكاتب الصحفي صالح العطوي إلى أن الرئاسة بهذه المعطيات، تسير في اتجاه قيس سعيد، لسببين اثنين، أولهما نسبة الأصوات التي تحصل عليها في الدور الأول، بالإضافة إلى أصوات المقربين منه ابتداء بالشق الثوري، والأصوات التي ذهبت في الدور الأول بين متنافسين يشاركونه نفس التوجهات.
وأضاف العطوي أن السبب الثاني هو "ضبابية مصير القروي"، باعتباره شخصاً صار مشبوهاً في نظر عدد كبير من الناخبين خاصة بعد فضيحة التسريبات.
وأشار إلى أن موقف حركة النهضة الداعم لسعيد وقياس حجم الأصوات التي تحصل عليها كل مترشح في الدور الأول ودعوة عدد من المترشحين للتصويت لسعيد إلى جانب غياب دعم حزبي للطرف المنافس، هو توجه عام يصب في مصلحة أستاذ القانون الدستوري.
اتهامات القروي للنهضة غير مقنعة
وضعية رئيس قلب تونس المعقدة قانونياً، تشير إلى أن نبيل القروي لن يغادر السجن على الأقل قبل إجراء الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، بعد رفض طلب الإفراج عنه لثلاث مرات متتالية.
هذه الوضعية حمل فيها القروي وقيادات حزبه حركة النهضة المسؤولية عنها بسبب ما وصفوه خشيتها من سيطرة حزب قلب تونس على البرلمان وعلى رئاسة الجمهورية.
وفي هذا السياق يشير المحلل السياسي عبداللطيف دربالة في حديثه لـ"عرب بوست" إلى أن اتهامات القروي وقيادات حزبه للنهضة بالعمل على تركه في السجن فاقدة للمصداقية.
وأشار إلى أن رئيس حزب "قلب تونس" وزوجته وقيادات حزبه كانوا يتهمون قبل أسبوع رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالزج به في السجن، قبل أن يغيروا هوية المتهم إلى حركة النهضة، وهو أمر مبرر ومفهوم وفق تعبيره بما أنها المنافس الحقيقي لقلب تونس في الانتخابات التشريعية.
وأضاف دربالة أن اتهام حزب القروي للنهضة بسجنه عن غير وجه حق، هو رسالة لمخاطبة الرأي العام الداخلي والخارجي المتوجس من صعود الإسلاميين.
وشدد على أن اتهام حزب القروي لحركة النهضة بالوقوف وراء الاغتيالات السياسية، بعد بث قناة العربية فيلماً وثائقياً يتهم النهضة وما يعرف بجهازها السري بالتخطيط لاغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، هو "محاولة للركوب على الأحداث وتسجيل نقاط سياسية وانتخابية على حساب الطرف المنافس في الانتخابات التشريعية".