صحيح أن الحكومة المصرية نجحت في قمع الاحتجاجات التي اندلعت بالعاصمة ومدن أخرى والمنددة بسياسات الرئيس عبدالفتاح السيسي والمطالبة برحيله، تظل هناك رسائل واضحة أظهرتها تلك الحركة الاحتجاجية، فهل يستفيد النظام من تلك الدروس أم سيظل الاحتقان مؤجَّلاً؟
معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي طرح مجموعة من التساؤلات أجاب عنها المدير المساعد للمعهد ديدييه بييون، ونُشر التقرير بعنوان: "الدروس المستقاة من حركة الاحتجاجات في مصر".
المجتمع منقسم بشدة
كشفت احتجاجات سبتمبر/أيلول في مصر عن وجه من البلاد مُعارض بشدة للرئيس عبدالفتاح السيسي. إنَّ قمع السلطة الشديد للمتظاهرين أسهم في انقسام المجتمع، المنقسم بالفعل بسبب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. في هذا السياق، يطرح المدير المساعد لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، ديدييه بييون، تساؤلاً حول مستقبل مصر في ظل حكم السيسي.
ما الدروس المُستقاة من المظاهرات التي قمعتها السلطة الحاكمة في مصر؟ هل تُشكل الشخصيات التي ظهرت خلال هذه المظاهرات، على غرار رجل الأعمال المصري محمد علي المقيم بإسبانيا، معارضة ذات مصداقية وواعدة لتغيير النظام؟
حقيقة وجود مظاهرات في عدة مدن بالبلاد يوم 20 سبتمبر/أيلول بعد دعوة محمد علي للتظاهر، يجب ألا تؤثر في تحليل الموقف. مما لا شك فيه أن هناك تفاقماً بالغاً لحالة الاستياء من السلطة في مصر، وحقيقة أن دعوة رجل الأعمال إلى التظاهر لاقت صدى لدى آلاف الأشخاص الذين نزلوا إلى الشارع، تدل على التوترات السائدة في البلاد. ومع ذلك، فرجُل واحد يعيش في إسبانيا ولا يمتلك قاعدة اجتماعية ويكتفي بإدانة الفساد، لا يملُك فرصة لتمثيل معارضة ذات مصداقية وقادرة على الصمود أمام سلطة السيسي. هذا هو السبب في أننا يجب أن نكون حريصين على عدم المبالغة في تفسير أهمية هذا الرجل حتى لو قوبلت دعوته إلى التظاهر بصدىً حقيقي لدى بعض المواطنين. فضلاً عن أن دعوته الجديدة إلى التظاهر، هذه المرة، في 27 سبتمبر/أيلول، في مسيرة مليونية، لم تلقَ سوى مشاركة محدودة للغاية. بكل تأكيد كان القمع الوحشي الذي مارسه النظام في الفترة ما بين 20 و27 سبتمبر/أيلول، والذي ربما أسفر عن اعتقال نحو ألفي شخص، وحالة الهياج التي انتابت الشرطة في 27 سبتمبر/أيلول، والتي أدت على سبيل المثال إلى إغلاق الشرطة لميدان التحرير الذي يُعتبر رمزاً للثورة وكذلك الشوارع الرئيسية المؤدية إليه، رادعين للغاية. ومع ذلك، لن ينجح رجل واحد من دون حزب أو قاعدة عسكرية في إعادة تعبئة المواطنين المصريين باستخدام شعارات وموضوعات نوعية.
قمع جماعة الإخوان
وفي الواقع، فإن قوة المعارضة الوحيدة التي لا تزال قائمة، على الرغم من القمع الذي طالها منذ عام 2013، هي جماعة الإخوان المسلمين. وتظل منظمة لها أفرع في جميع طبقات المجتمع. ويقبع نحو 40 ألف من أعضائها بالسجن حالياً، ومُصنفة بوصفها "منظمةً إرهابيةً" منذ ديسمبر/كانون الأول 2013.
ومن ثم، فالجماعة غير قادرة حالياً على حشد احتجاجات. ومع ذلك، فهي تُعتبر قوة المعارضة الوحيدة المحتملة التي تستحق أن تحمل هذا الاسم. أما الليبراليون والديمقراطيون، الذين ينتقدون السلطة ويتعرضون أيضاً للقمع، فهم منقسمون بشدة ويفتقرون إلى قاعدة اجتماعية.
ستشهد حركات المعارضة عملية إعادة تشكيل وتنظيم على نحوٍ لا يمكن لأحد التنبؤ به، خاصة في ظل هذه المرحلة. لكن، في الوقت الحالي، لا يظل هناك سوى الفراغ السياسي مع عدم وجود قوة معارضة موثوقة وفعالة يمكنها تحدي السلطة واقتراح بديل آخر.
هل الجيش يدين بالولاء الكامل لسيسي؟
في الوقت الحالي يدين الجيش بالولاء للسيسي. والسيسي من المؤسسة العسكرية مثل كل من سبقوه ممن حكموا مصر باستثناء الرئيس الراحل محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، وهو أول رئيس مصري انتُخب في ظروف ديمقراطية، لكن أطاحته المؤسسة العسكرية في انقلاب عام 2013.
ويعتبر الجيش في الوقت الراهن داعماً قوياً للرئيس؛ نظراً إلى أنه رجل المرحلة القادر على إصدار أوامر للدفاع عن المصالح الاقتصادية للمؤسسة. وتتمثل إحدى خصائص المؤسسة العسكرية المصرية في الاندماج الكامل بالنسيج الاقتصادي، مع تمتُّع بعض أعضائها الحاليين أو السابقين من أركان الجيش وكبار الضباط بمصالح مادية قوية. ومن ثم فهم يستفيدون إلى حد كبير من الوضع القائم اليوم. لذا فدعم السيسي يعني الدفاع عن امتيازاتهم التي حصلوا عليها.
فضلاً عن ذلك، فهؤلاء العسكريون لا يثقون بالليبرالية الاقتصادية وانفتاح السوق المصري أمام رأس المال الأجنبي، ويتخذ قرارات تتماشى مع تطلعاتهم. قد يؤدي هذا الموقف في النهاية إلى زيادة التوترات بين المؤسسة العسكرية والمقاولين من القطاع الخاص الذين يعتبرون أنهم يحرمون بطريقة منهجية من الوجود في الأسواق المحلية. وهذا يعني أن هؤلاء المقاولين يميلون إلى سحب رؤوس أموالهم من السوق المصري، لاستثمارها في الخارج أو لوضعها في ملاذات آمنة مثل العقارات.
ومن المحتمل أن تكون هناك تصدعات داخل الجيش، لكن بمصر، مثلما هو الحال في عديد من البلدان الأخرى، لا يُحرك الجيش ساكناً ومن الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، معرفة أي تباينات قد تكون موجودة داخله. إضافة إلى ذلك، فقد أعاد السيسي تنظيم الأجهزة الأمنية المرتبطة بالجيش قبل عامين. واليوم تُعتبر من الداعمين الأقوياء للسلطة الحاكمة.
هل تفيد مشروعات السيسي في زيادة شعبيته وإنعاش الاقتصاد؟
هذه المشروعات الكبيرة لا تتوافق بالضرورة مع الاحتياجات الحقيقية للاقتصاد المصري في الوقت الراهن. أراد السيسي مضاعفة حجم قناة السويس عندما تراجعت حركة العبور، وقرر أيضاً بناء عاصمة إدارية ثانية على بُعد بضعة كيلومترات من القاهرة التاريخية، المُكتظة بالسكان البالغ عددهم نحو 20 مليون نسمة والذين يحتاجونها بالتأكيد، لكن لا يبدو من المؤكد أنهم من ضمن أولوياته.
اليوم، يحتاج الاقتصاد المصري تنويعاً وخلق نمو شامل لا يزال غير موجود. فالاقتصاد يواجه تحديات هيكلية، تتعلق بالفساد، فضلاً عن افتقاره إلى التنويع، ووقوعه تحت قبضة المؤسسة العسكرية، ويخضع أيضاً لتوترات وتناقضات شديدة القوة. وكان على البلاد اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي في عام 2016 -12 مليار دولار على مدى 3 سنوات- وهو ما اضطر الدولة إلى اتخاذ تدابير جذرية في المقابل: فرض ضريبة القيمة المضافة، وخفض الدعم على السلع، وخفض قيمة العملة بنحو 50%؛ وهو ما تسبب في استياء شعبي شديد. إضافة إلى ذلك، يقع ثًلث سكان مصر تحت خط الفقر. ويُقدر بعض الاقتصاديين وزن القطاع غير الرسمي بنحو 50% من إجمالي الناتج المحلي.
وفي ضوء فقر المجتمع المصري، باستثناء البرجوازية والمؤسسة العسكرية، يجب أن نخشى من أن تشهد الدولة المصرية ربما خلال أشهر أو عدة سنوات -لا أحد يمكنه التنبؤ- اندلاع ثورات جديدة.