ترامب تخلَّى عن السعودية في وقت مهم، خوفاً من استغلال إيران لنقطة ضعفه الوحيدة

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/03 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/03 الساعة 17:49 بتوقيت غرينتش
بعد سلسلة من الهجمات الغامضة، السعودية تنضم لتحالف دولي لحماية الملاحة/ رويترز

على مدار الأسابيع الماضية تكرر الحديث عن رغبة ونية أمريكية ومن بعض دول الخليج، في شن عملية عسكرية ضد إيران بسبب "ممارساتها" لكن الأمر على ما يبدو أنتهي رغم تصعيد طهران على حلفاء واشنطن، بحسب تقرير لموقع The Hill الأمريكي. 

وقال الموقع الأمريكي، هل حملة "الضغط الأقصى" التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد إيران تقود الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الحرب أم المفاوضات؟ يبدو أنَّ ترامب قد هدَّأ أزمة الهجوم على منشآتٍ نفطية سعودية بصواريخ وطائرات بدون طيار إيرانية مؤقتاً، بالاكتفاء بتعزيز الدفاعات الجوية السعودية وإرسال بضع مئات من القوات الأمريكية إلى الأراضي السعودية.

ترامب تجاهل الهجوم

وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يشر ترامب على الإطلاق إلى الهجوم الأخير، ولم يُدلِ بأي تصريحاتٍ تنتقد سلوك إيران العدواني بوجهٍ عام، لكنَّه تعهد بأنَّ العقوبات الاقتصادية والمالية الأمريكية "لن تُرفَع، بل ستُشدَّد". وقد فشلت الجهود التي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لترتيب اجتماعٍ في اللحظات الأخيرة بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحانية أثناء وجودهما معاً في نيويورك، لأنَّ إيران ما زالت مصرة على رفع العقوبات أولاً، حسبما ذكرت بعض التقارير. وبعبارةٍ أخرى، رفض الجانبان اتخاذ المسار الدبلوماسي والابتعاد عن مسار المواجهة التي تلوح في الأفق بينهما.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز

وهذا يترك تساؤلاً بلا إجابة عمَّا سيفعله ترامب، حين تشن إيران التي تجرَّات بفضل استعراض قوتها عسكرية هجوماً آخر. وحينئذٍ، يبدو أنَّ إيران من المرجّح للغاية أن تضع ترامب في مأزق مرةً أخرى، بشكل مباشر أو غير مباشر عبر وكلائها، قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في العام المقبل 2020. فكيف سيأتي هذا الهجوم ومتى؟ سنعرف بمرور الوقت. 

مشكلة ترامب ومحمد بن سلمان

وفي هذه الأثناء، يواجه ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، مشكلةً مشتركة كبرى يجب حلُّها: وهي تعرُّضهما للإحراج في ظل ظهورهما بمظهر حاكمين عاجزين عن حماية منشآتهما الأكثر حيوية من إيران. وكما أشار نائب الرئيس مايك بِنس في اجتماعٍ مع أحد قياديِّ الحزب الجمهوري، في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، فهناك حاجةٌ ملحة إلى "استعادة الرادع"، لمنع المزيد من الهجمات الإيرانية، وهو مُحِقٌّ في ذلك.

وصحيحٌ أنَّ الولايات المتحدة لم تُبرِم معاهدة دفاع مشترك مع المملكة العربية السعودية قط، ومن ثَمَّ، فليس لديها أي التزام قانوني بالردِّ على ما وصفه وزير الخارجية مايك بومبيو بأنَّه "عمل حربي" إيراني، لكنَّها باعت أسلحةً بمليارات الدولارات للمملكة، بما في ذلك نظام دفاع جوي نُشِر على مستوى البلاد مزوَّد بأحدث صواريخ من طراز PAC-3، تفتخر شركة لوكهيد مارتن التي صنَّعتها بأنَّها "فعالةٌ للغاية" ضد صواريخ كروز.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس أمريكا دونالد ترامب – رويترز

وكذلك يُثير الهجوم الإيراني تساؤلاتٍ مقلقة، حول ما إذا كانت الأصول البرية والبحرية الأمريكية في الخليج معرضة أيضاً لصواريخ كروز الإيرانية، أو هجماتٍ إرهابية برية قد يشنها وكلاؤها على 5000 جندي أمريكي متركزين في العراق و2000 جندي متركزين في سوريا.

فالأسطول الخامس الأمريكي، الذي يضم 20 سفينة وأكثر من 100 طائرة هجومية و20 ألف جندي وفردٍ من أفراد الطواقم البحرية، يتمركز في البحرين قبالة ساحل المملكة العربية السعودية. ومن الواضح أن البنتاغون أدرك التهديد الصاروخي الذي تُشكِّله الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز الإيرانية؛ ففي يونيو/حزيران الماضي، أرسل مجموعة حاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس أبراهام لينكولن إلى الخليج، لكنَّها ظلَّت متمركزة بحذرٍ في خليج عمان المجاور. وحتى الآن، تجنَّبت إيران مهاجمة الجنود والقواعد والسفن الأمريكية، لكنها أسقطت طائرة استطلاع أمريكية بقيمة 130 مليون دولار في يونيو/حزيران، بداعي أنَّها كانت تحلق فوق المياه الإيرانية. وقد امتنع ترامب آنذاك عن الرد بالمثل على إيران، محتجاً بذريعة غير معقولة، وهي أنَّه أراد تجنُّب وقوع ضحايا إيرانيين.

لا يجد مبرراً

وها هو يُقرِّر الآن أنَّ الهجوم الذي وقع على حليفته العربية الرئيسية في الخليج، برعاية إيران، ليس كافياً لتبرير اتخاذ رد فعل عسكري أمريكي، مع أنَّه قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنَّ "جميع الدول يجب أن ترد" على السلوك العدواني الإيراني. ويبدو أنَّ ذلك يساعده في التملُّص من مسؤوليته عن إثارة الأزمة الحالية مع إيران، بالانسحاب في العام الماضي من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما مع إيران، وشنِّ حملة "الضغط الأقصى" المتمثلة في عقوبات متصاعدة باستمرار.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز

ومن ثَمَّ، يبدو أنَّ ترامب ما زال بعيداً عن معرفة كيفية "استعادة الرادع". ومن الواضح أنَّ النجاح المفاجئ للهجوم الخاطف الذي وقع على أبرز المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية قد غيَّر بصورةٍ كبيرة التصورات المأخوذة عن قدرة إيران على اللجوء إلى خطوةٍ جريئة كهذه، قد تعُرِّضها لخطر الانتقام الأمريكي بشدة، بل واستعدادها لتلك الخطوة. إذ نظَّمت إيران عملية إطلاق متزامن لـ18 طائرة بدون طيار و7 صواريخ كروز نجحت جميعها، ما عدا ثلاث، في ضرب أهدافها بدقةٍ مُدمِّرة. ولم تستطع الرادارات السعودية أو الأمريكية إسقاط أيٍّ منها، أو اكتشافها حتى، رغم الانتشار الأمريكي الهائل براً وبحراً طول الجانب العربي من الخليج.

وبحسب الموقع الأمريكي، لا نعرف حتى الآن لماذا لم تتمكن المملكة العربية السعودية من حماية محطة التكرير التي تعد أهم منشآتها النفطية، والتي تبلغ طاقتها الإنتاجية سبعة ملايين برميل يومياً، أي ما يقرب من ثلاثة أرباع إنتاج المملكة الحالي. فهل كان السبب هو عدم وجود أيٍّ من بطاريات صواريخ باتريوت، أم فشل البطاريات المُستخدَمة بالفعل في التعامل مع الهجوم؟ وبغض النظر عن السبب، فمن الواضح أنَّ الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في حاجةٍ ماسَّة إلى استخدام نظام دفاع جوي جدير بالاعتماد عليه، لحماية المنشآت الحيوية في المملكة، بما في ذلك محطات تحلية المياه المُعرَّضة للخطر بشدة. ومن ثَمَّ، يتضح أنَّ قادة الدولتين بحاجةٍ إلى رادعٍ جديد، رادع مرئي. والأهم من ذلك، فهذه الواقعة تُجبر محمد بن سلمان على إعادة النظر في إيمانه بترامب، ومدى إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة في المواجهة السعودية مع إيران.

تحميل المزيد