شكوك عديدة أُثيرت حول الرواية الرسمية السعودية بشأن مقتل حارس الملك سلمان الشخصي اللواء عبدالعزيز بن بداح الفغم، وبالفعل قالت مصادر سعودية مطلعة لـ "عربي بوست" إن مقتل الفغم مرتبط صراعات على السلطة بين الأمير محمد بن سلمان وأجنحة منافسة في الأسرة الحاكمة السعودية.
وكانت الرواية الرسمية حول مقتل الفغم قد أعادت للأذهان الأجواءَ الأولى لجريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، حيث نفى الأمير محمد شخصياً اختفاء خاشقجي بالقنصلية، ثم عادت المملكة واعترفت بتورط مسؤوليين سعوديين في الجريمة، وإن نفت مسؤولية الأمير محمد.
ثغرات في رواية مقتل الفغم
وكان حساب مجتهد، المهتم بالشؤون السعودية، والذي صدقت معلوماته في كثير من المواقف قد كذب الرواية الرسمية بشأن مقتل الفغم، وهي الرواية التي تقول إنه قتل بسلاح ناري إثر مشادة له مع صديق ينتمي للحرس الملكي.
ووفقاً لـ "مجتهد"، فإن الفغم قُتل في اشتباكات دارت في القصر الملكي بجدة، وليس في منزل صديقه، كما ذكرت الرواية الرسمية، وإن "الفغم وممدوح آل علي (الذي زعموا أنه القاتل) قُـتلا معاً من قبل مجموعة أخرى، والحادث حدث في مختصر القصر، وسُمع إطلاق النار".
وقال "مجتهد" إن "بن سلمان كان يعتبر الفغم من الحرس القديم الذي يوالي آل سعود عموماً، ولا يثق بإخلاصه له شخصياً"، وردد عدة مرات رغبته في إبعاده.
وبالفعل، الرواية الرسمية تبدو غير منطقية ومتراكبة، حسب وصف عدة مصادر خاصة رفيعة تحدثت لـ "عربي بوست"، مستبعدة الرواية الرسمية التي تحدثت عن قتل اللواء الفغم في منزل صديقه فيصل السبتي، على يد ممدوح مشعل آل علي، وهو صديقه في الحرس الملكي.
الأمير السعودي المعارض خالد بن فرحان آل سعود، فنَّد الرواية الرسمية التي أكدت أنّ ممدوح بن مشعل هو مَن أطلق النار على صديقه الفغم.
إذ يقول لـ "عربي بوست" إن عناصر الحرس الملكي تتلقَّى تدريبات نفسية عالية المستوى في ضبط النفس وكيفية التصرف.
ويتساءل بن فرحان في الوقت نفسه بالقول: "كيف لعنصر في الحرس الملكي كممدوح أن يطلق النار على زميله الفغم، ومن ثمّ يبادر بإطلاق النار على رجال الأمن ويشتبك معهم بطريقة عشوائية، رغم تلقيه العديد من الدورات في الخارج على كيفية ضبط النفس".
وقال إنّ السلطات السعودية أجبرت عائلة اللواء عبدالعزيز الفغم على تبني الرواية الرسمية، وعدم مخالفة الرواية الرسمية التي تمّ تناقلها في وسائل الإعلام الرسمية وعبر الحسابات المحسوبة عليها في مواقع التواصل الاجتماعي.
والأمير بن فرحان كشف عن أن لديه معلومات بأن الأمير محمد سلمان هو من يقف وراء اغتيال الفغم، شارحاً أسباب قيامه بذلك، وكيف تم التخلص من حارس الملك سلمان الشخصي.
لماذا تم التخلص من الفغم؟
كان الفغم يمثل مشكلة في وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وذلك بسبب علاقته القوية مع الأمراء المناهضين لسياسات محمد بن سلمان، حسبما قالت مصادر سعودية مطلعة لـ "عربي بوست".
هذا ما دفع الأمير للتخلص من اللواء عبدالعزيز بن بداح الفغم، الذي يعدّ الحارس الشخصي للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وقائد قوة الحرس الخاص بالحرس الملكي السعودي، وفقاً لروايات عدد من المصادر، منها الأمير خالد بن فرحان، المشهور بمواقفه المناهضة للحكومة السعودية، خاصة في ظل حكم الأمير محمد بن سلمان.
وفي هذا السياق يقول الأمير خالد بن فرحان آل سعود، لـ "عربي بوست"، إنّ حادثة قتل الحارس الشخصي للملك سلمان هي من تدبير وتخطيط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي كان يعتبره حجر عثرة في وجهه.
وأضاف "لم يكن هناك رضا ولا قبول عن الفغم، باعتباره من الحرس القديم الذي لا يتبع منظومة محمد بن سلمان وجناحه المؤيد له، وهذا يعود إلى أنَّ والده بداح الفغم كان قد خدم مع العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله أكثر من 30 سنة.
الأمر الذي يجعل من ولائه لمحمد بن سلمان مسألة مشكوكاً بها؛ لأنه محسوب على أبناء الملك عبدالله، بحكم خدمته هو ووالده مع الملك عبدالله، وبعد وفاته ظلَّ على الوفاء لأبناء الملك عبدالله، وعلى رأسهم الأمير متعب، الذي كان يتولى منصب وزير الحرس الوطني السعودي سابقاً.
علماً أن الحرس الملكي الذي ينتمي إليه الفغم كان جزءاً من الحرس الوطني، قبل أن يتم فصله عنه بعد تولي الأمير محمد السلطة.
لقد سبق تحذير الفغم، ولكن الملك كان يدعمه
يقول بن فرحان إنّ أوامر وتحذيرات مسبقة كانت قد صدرت للفغم، باحتمالية قتله أو استبعاده بأي طريقة، مشيراً إلى أنّ الملك سلمان كان أكبر داعم له في منصبه، إلا أنّه لم يعد قادراً على مجابهة سطوة نجله محمد، الأمر الذي دفعه للتغاضي عن سياسة ابنه وأفعاله، باعتبار أنّ نجله الشاب يدرك تحالفات المنطقة ومتغيراتها، وأنّ السلطة الفعلية والحقيقية للسياسة الداخلية والخارجية بيده.
وفي سياق متصل فإنّ مصادر خاصة رفيعة أكدت لـ "عربي بوست، أنّ الأمير محمد بن سلمان كان قد طلب أكثر من مرة من الفغم الابتعاد عن الساحة وتقديم استقالته للحرس الملكي، إلا أنَّ إصرار والده الملك سلمان على إبقائه جعل الفغم يستمر داخل القصر.
ولكن هذا الوضع حفَّز محمد بن سلمان على التفكير بأي طريقة ممكنة لاستبعاده أو تصفيته، بعد أن فشلت كل المساعي السلمية في إبعاده من محيط الأسرة الحاكمة والقصر الملكي، حسبما تقول هذه المصادر.
كيف تم قتله؟.. بالاستعانة بمرتزقة شركة البلاك ووتر لتصفيته!
استعان الأمير محمد بن سلمان بعناصر "بلاك ووتر" لتصفية الفغم، حسبما يقول الأمير بن فرحان.
وجاء استخدام هؤلاء المرتزقة بعد أن فقد الأمير محمد الثقة في أقرب الناس حوله، وقام باستبدال حراسه الشخصيين التابعين للحرس الملكي بمقاتلين من "بلاك ووتر".
تجدر الإشارة إلى أن هذه العناصر أشرفت على حملة الاعتقالات التي أمر بها محمد بن سلمان، والتي استهدفت أمراء ومسؤولين، وهذا ما أكدته صحيفة "الديلي ميل" البريطانية، التي كشفت في وقت سابق أنّ مرتزقة "بلاك ووتر" هم من يتولّون التحقيق مع هؤلاء المعتقلين داخل فندق "الريتز-كارلتون".
ويقول الأمير خالد بن فرحان: أصبح الأمير محمد يستأجر مرتزقة بلاك ووتر لحمايته، عوضاً عن الحرس الملكي، الذي كان يتبع في وقت سابق وزارة الحرس الوطني، والتي كان يرأسها الأمير متعب بن عبدالله، قبل أن يصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بإعفائه.
وكان هدف عزل الأمير متعب أن يُنهي الملك سلمان ونجله محمد سطوة أبناء الملك عبدالله، وعلى رأسهم متعب، على الحرس الوطني، الذي لطالما كان محسوباً على الجناح المناهض لسلمان ونجله.
رغم التغييرات الكبيرة مازال الأمير محمد لا يثق في الحرس الملكي
يقول خالد بن فرحان: وبطبيعة الحال فإنّ محمد بن سلمان يدرك جيداً طبيعة التحالفات داخل العائلة الحاكمة في السعودية، ومنها أن الحرس الملكي وقيادته، الذي كان جزءاً من الحرس الوطني، كان محسوباً على الملك عبدالله وابنه متعب.
ولذلك مازال الأمير محمد لا يثق في الحرس الملكي، حسب بن فرحان، بعد نقل اللواء الخاص من الحرس الوطني المكلف بحراسة الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد، ودمجه بالحرس الملكي، وتمّ فصل الحرس الملكي عن وزارة الدفاع، وأصبح قطاعاً مستقلاً، وبميزانية مستقلة، وتمّ توحيد اللباس والتجهيزات، وأصبح رئيس الحرس الملكي مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالملك.
ومع ذلك، فإنّه وبحسب تأكيدات الأمير خالد بن فرحان، فإنّ الحرس الملكي وقيادته ظلت محسوبة في ولائها وتبعيتها لأبناء الملك الراحل عبدالله، فإنّ كل ذلك دفع بمحمد بن سلمان إلى عدم الثقة بهذا الجهاز وقياداته، ومنهم الفغم، الذي كان حارساً شخصياً للملك عبدالله، ووالده بداح الفغم الذي خدم معه أكثر من 30 عاماً.
لماذا تجاهل الملك شكوك نجله في ولاء الحرس الملكي؟
الملك سلمان رغم معرفته بالولاء المحتمل لجهاز "الحرس الملكي" لجناح الأمير متعب بن عبدالله، والأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية السابق، إلا أنّه يتبع سياسة "الاحتواء" ومبدأ "التوازن والثقل" بين القبائل.
ونظراً لأنّ الفغم ينتمي إلى قبيلة "المطيري"، التي تعتبر أحد أكبر القبائل في الجزيرة العربية، والتي تستوطن مناطق نجد والحجاز، فإنّ هذا دفعه إلى اتباع سياسة الإبقاء على الحرس القديم، والتعامل معهم وفق أسلوب الاسترضاء والاستمالة لهم وللقبائل التي ينتمون إليها، أكثر من تركيزه على قضية "الولاء"، وهذا كان ينطبق على الفغم الذي ينتمي إلى قبيلة المطيري.
إلا أنّ نجله محمد لا يضع مثل هذه المعايير في الحسبان، فهو يتبع في سياسته مبدأ الإقصاء والتهميش لكل من يخالفه أو يعارضه في قراراته، أو كل من يجده حجر عثرة في تنفيذ سياساته.
لماذا كان يخشى ولي العهد السعودي الفغم تحديداً؟
الفغم كان خطراً من وجهة نظر محمد بن سلمان؛ نظراً للعلاقة التي كانت تربطه مع كثير من الأمراء الكبار، ومنهم الأمير متعب بن عبدالله، والأمير أحمد بن عبدالعزيز، حيث وردت معلومات إلى الديوان الملكي ومستشاري محمد بن سلمان، عن أنّ اللواء الفغم كان قد اجتمع مع الأمير أحمد عدة مرات، وتربطه علاقات جيدة معه، وهذ ما أثار حفيظة وحنق محمد بن سلمان ضده.
إذ يمثل الأمير أحمد مصدر قلق وتهديد لحكم محمد بن سلمان، ومدى قدرته على تثبيت نفسه كملك في المرحلة المقبلة، في حال رحيل والده الملك سلمان، وهذا ما أكدته فعلاً مصادر خاصة رفيعة المستوى لـ "عربي بوست".
هذه المخاوف من الحرس القديم من الأمراء وعلاقة الفغم دفعت محمد بن سلمان إلى الاستعانة بمرتزقة بشركة "بلاك ووتر" الأمنية الأمريكية، سيئة الصيت، لحمايته، بعد أن فقد الثقة بالحرس الملكي.
ويبدو أن دورهم تخطَّى الحماية إلى التخلص من الخصوم المحتملين.
وهنا تؤكدّ مصادر سعودية خاصة أخرى لـ "عربي بوست"، ما ذكره الأمير بن فرحان بأنّ الأمير محمد بن سلمان وراء مقتل اللواء عبدالعزيز الفغم، الحارس الشخصي للعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز.