هرم فاشل تبرأ منه الفراعنة وآخر تعلموا منه.. جولة بالجانب المغمور للسياحة المصرية

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/02 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/02 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
هرم سنفرو الأول نموذج بدائي للأهرامات/رويترز

"هذا التابوت على هيئة طائر مصنوع من الفضة، كان يُفترض أن يوضع فيه صقر كي يصيد لصاحبه في الحياة الأخرى"، هكذا همست المرشدة السياحية أميمة، في أذن تيم بوزي، عندما لفتت هذه القطعة الفاتنة نظره وسط معمل حفظ المعادن في المتحف المصري الكبير في الجيزة.

لم يُفتتح بعد المتحف الذي طال انتظاره، على الرغم من أن حجر الأساس وُضع عام 2002 وكان مُقرراً أن يُفتتح في أواخر العام الماضي، لكن افتتاحه في العام القادم سيكون قد استحق كل هذا الانتظار؛ فسوف يكون هذا المبنى ومساحته 650 ألف قدم مربعة، أكبر المتاحف الأثرية في العالم، وسيضم أكثر من 100 ألف قطعة، كثير منها لم يُعرض من قبل قط. وتقدر بعض التقديرات قيمته بأكثر من مليار دولار.

وإدراكاً من القائمين عليه لمدى الترقب المحيط بالمشروع، أطلق المتحف عدداً محدوداً من الجولات وراء الكواليس هذا العام، وسمح لما يصل إلى 50 سائحاً بإلقاء نظرة خاطفة على بعض تلك الكنوز القديمة، بينما لا تزال قيد أعمال الترميم، قبل أن تُعرض في الافتتاح الكبير.

وكان تيم بوزي وهو كاتب مستقل واحداً من هؤلاء السياح المحظوظي،ن حيث روى مقال في صحيفة The Times البريطانية تفاصيل رحلته السياحية لمصر ضمن برنامج لإحدى الشركات البريطانية، والتي شملت أماكن لا يقصدها السياح عادة، ولكنه وجدها أكثر متعة من الأماكن الشهيرة.

يقول تيم "كنت محظوظاً بما يكفي لأكون واحداً من بين هؤلاء السياح الذين زاروا المتحف المصري قبل افتتاحه الرسمي".

 ويضيف: "رأينا المناضد ذات الحوامل ووسائل المراقبة والقارورات والصواني والخزائن، بينما التقنيون الذين ارتدوا المعاطف البيضاء يعملون بحرص في صقل ومسح وتوسيم وتصنيف العملات والمرايا ودبابيس الشعر وقطع الخرز المنحوتة بتفصيل رائع في شكل أسماك وعصافير".

المتحف المصري الجديد سيكون الأكبر عالمياً

سُمح لنا في جولتنا بزيارة ثلاثة من معامل المتحف الـ17 المُخصصة لترميم القطع وصيانتها، وكلها في حالة مستمرة من التبدل. قالت أميمة "في كل مرة آتي إلى هنا أجد شيئاً مختلفاً".

يشمل ذلك سراويل توت عنخ آمون، وحوالي 5,400 قطعة أخرى من مقبرة الملك الصبي، مثل سريره وقلادته ونعليه. وللأسف، لم نر الثياب الرقيقة والكتان الأسطوري في ذلك الصباح. ولكن عندما يُفتتح المتحف، سوف تُعرض كنوز توت عنخ آمون كلها في مكان واحد للمرة الأولى، ويضم المتحف المصري في القاهرة حالياً حوالي ثلث القطع التي عُثر عليها. 

ممنوع الدخول لهذا المكان

بينما كنا نقطع ردهة طويلة، سُمح لنا بالنظر عبر الأبواب إلى معمل صيانة الخشب. وفي داخله، كانت هناك تشكيلة مذهلة من تماثيل البشر والحيوانات والعروش والعربات، مُغطاة بالذهب المتلألئ. لكن رجل الأمن العابس الذي رافقنا، ومعه مرشد من المتحف، قالا إنه ليس في وسعنا الدخول إليه. 

ووجدنا أنفسنا عوضاً عن ذلك داخل معمل صيانة الأحجار الثقيلة -الأشبه بمخزن في الحقيقة- حيث وُضعت تماثيل وقطع من الصخور المكتوب عليها بالهيروغليفية على صناديق خشبية، أو رُفعت على شاحنات رافعة. وفي الزاوية وقف تمثال لأبو الهول، ارتفاعه متر ونصف، من الغرانيت الأسود، وأذناه وأضلعه ومخالبه منحوتة بشكل جميل، ومن المُقرر أن يوضع (مع 86 قطعة ضخمة أخرى) لتزيين السلم في مدخل المتحف. وعند قدمي، كان هناك ناووس أبيض ضخم وُضع من دون ترتيب، كما لو أنه جرةٌ ذات شكل غير اعتيادي في منتصف حديقة.

تمثال ضخم لرمسيس الثاني

نُقل تمثال ضخم لرمسيس الثاني، عمره 3200 عام، وطوله 9 أمتار، ووزنه 83 طناً، من محطة القطار الرئيسية في القاهرة إلى البهو الفسيح أمام المتحف. كنا ننظر بعين الرهبة إلى هذا المشهد الذي يترأسه هذا التمثال الضخم، وكنا نرتدي الخوذات والسترات الصفراء، وهناك مئات العمال المشغولين وسط ضباب من الغبار، وتلمع ستراتهم من ضوء الشمس الذي يتخلل السقف الشبكي الذي يرتفع 20 متراً فوق 83 شخصاً منا، مشهد يبدو كما لو أنه مخبأٌ للأشرار في أحد أفلام جيمس بوند.

كان اليوم يأخذ منعطفاً أكثر خيالية عندما توجهنا بالسيارات خارج القاهرة إلى سقارة، ومررنا على رجال يركبون الحمير، وحقول من النخيل، مليئة بالبرتقال الناضج والفاكهة الحمراء، قاصدين مقبرة ميحو، التي اكتُشفت في عام 1940، لكنها لم تُفتح للعامة إلا في العام الماضي فقط. 

تمثال رمسيس الثاني داخل المتحف المصري الكبير

وبينما نحن نسير في وسط مجمع المعبد إلى الساحة الكبيرة، لاحظت أربعة رجال ينقلون أكواماً من الصخور في درجة حرارة 35 درجة مئوية. فسألت ألا يأخذون قيلولة؟ فأجابت أميمة: "سيأخذون ساعة فقط من أجل الغداء"، ثم بدأت في شرح الجوانب المختلفة للمقبرة، التي تضم تماثيل ضخمة، وملوكاً عراة يصارعون الثيران، وهرمي أوناس وتتي.

ثم ظهر رجل مسن يرتدي جلباباً باللونين الأرجواني والأبيض، فاصطحبنا إلى طريق منحدر نحو باب حديدي مغلق بقفل، وسط حائط من الصخور الصفراء.

وفي الدقائق التالية، بينما كانت أميمة تعرض لنا الجداريات المذهلة وراء المدخل، كل ما أمكنني التفكير فيه كان: "بالتأكيد هذا ما شعر به هوارد كارتر عندما نقَّب في مقبرة توت عنخ آمون واكتشفها لأول مرة". 

كيف أمكن أن يكون لدينا كل هذه النقوش ذات الألوان الزاهية التي تغطي الممرات والغرف من الأرض حتى السقف، وكلها لأنفسنا؟ كانت المشاهد التي تصورها هي مشاهد من الحياة اليومية، مثل حلب الأبقار، وصناعة الأواني، والرقص، والصراع مع سمكة ضخمة. كان هناك رجل في رسمتي المفضلة ينقذ عجلاً عالقاً من النيل.

أهرامات الهواة التي علَّمت هؤلاء البنَّائين العظام

لا يمكن أن يكون بناء الأهرامات في الصحراء الحارقة أمراً سهلاً، أو أنه كانت هناك دروس هندسة يمكن تعلمها. وفي الصباح التالي، سافرنا حوالي 50 كيلومتراً جنوب القاهرة إلى هرم سنفرو المائل في دهشور، وهو ما يذكرنا أنهم كانوا في البداية هواة بالتأكيد.

بدأ حم إيونو، وهو المهندس الذي بناه ونفس الوزير الذي بنى أهرامات الجيزة، نصب الهرم بزاوية 54 درجة من القاعدة، ثم غيَّرها إلى 43 درجة في منتصف البناء تقريباً. وكانت النتيجة بناءً مختلاً، مثل ما يحدث في الأعمال الأثرية الرديئة، ربما لا يمكن لأي أثر منافسته سوى برج بيزا المائل.

كان لهذا الهرم سحر كبير، وذلك لأسباب ليس أقلها أنه يجتذب زواراً قليلين (في ظل افتتاحه في شهر يوليو/تموز بعد إغلاقه لمدة 42 عاماً). كانت واجهة الحجر الجيري الملساء لهذا الهرم، التي كان من المفترض لها أن تلمع لتبهر عين الناظر من بعيد، هي الواجهة التي احتفظت بحالتها أكثر من أي هرم آخر. ولكن في جزء ما، انهار أحد الأجزاء المنخفضة، وخلق هذا منطقة ظليلة تسمح بما يكفي لحارس المقبرة أن يركن دراجته النارية. ما زال المكان حتى الآن هادئاً.

ولكن الفرعون لم يحبه وطلب بناء الهرم الأحمر

لكن سنفرو، وهو الفرعون الذي بُني من أجله هرم سنفرو المائل، لم يكن متحمساً لهذا الهرم المائل عند بنائه، وطلب من المهندس بناءً آخر يرشده إلى الحياة الأخرى. وهذه المرة نجح حم إيونو، وكانت النتيجة هي الهرم الأحمر الذي يقع على بعد كيلومتر واحد تقريباً.

قد لا يكون هذا الهرم بطوله الذي يبلغ 104 أمتار بنفس طول الهرم الأكبر في الجيزة الذي يبلغ طوله 145 متراً. ولكن إذا سنحت لك الفرصة أن تسير حوله بمفردك دون أي شخص في المحيط، مثلما فعلت أنا وأميمة بينما كنا نستمتع بالتكييف في سيارتنا، ستجده أكثر إبهاراً بكثير. إنه منعش للغاية.

الهرم الأحمر/Wikipedia

قالت لي أميمة: "هذه هي حافة الصحراء" وأضافت: "إنها هادئة تماماً. أراد الفراعنة أن تُبنى أهرامهم هنا حتى يتمكنوا من التمتع بهذا الهدوء في الحياة الأخرى". فهذا هو جزء من السحر الموجود في هرم سنفرو المائل والهرم الأحمر، لأنك يمكنك -حتى الآن- أن تكون بالقرب منه في صمت تام، وتتذوق جمال الصحراء.

صخب ومساومة في أهرامات الجيزة؟

الآن بات هذا الهدوء أمراً صعب التحقق في مجمع الأهرامات في الجيزة، وسط السياح الكُثُر والباعة الجائلين الذين يلوحون بأيديهم ويهتفون باسم مو صلاح "أفضل لاعب كرة قدم في العالم!". ومما أثار دهشتي، أنني وجدت نفسي أوافق على ركوب الجمل، فقد كانت أميمة تعرف مالك جمال لم يكن يحاول أن ينهبني.

انطلق جملي، تشارلي براون، بقوة وسط الرمال في سلسلة من الترنحات المخيفة نوعاً ما. لا أعلم إذا كان لورانس العرب قد زار هذه الأماكن من قبل، ولكن للحظات قليلة وأنا أحملق في الأهرامات الثلاثة خوفو وخفرع ومنقرع وهي مرصوصة في الأفق، وعلى الحافلات والحشد خلف هذا المشهد، استطعت أن أتخيل نفسي مكانه.

ثم توقف تشارلي براون. وعلى مسافة طويلة ومفاجئة في الأسفل، كان أبو عبدالله، الفتى الذي يقود الجمل، ينظر إليَّ بتجهم وقال لي: "حسناً سيدي، يجب أن تعطيني المزيد من الأموال الآن".

بعد ذلك بوقت قصير، وجدت نفسي أحملق في تمثال أبوالهول، كان أصغر قليلاً مما تصورت، فيقف برزانة يواجه حشود الناظرين المتحمسين. لقد حلمت بهذه اللحظة طوال حياتي، لكن على الرغم من أنها كانت رائعة ومدهشة، يجب أن أقول إنني كنت راضياً أكثر بالسكون المحيط بالهرم المائل والهرم الأحمر.

لكن هذه الظروف المحيطة بالهرمين لن تستمر على الأغلب، لذا أنصحك أن تذهب لزيارته الآن إذا استطعت هذا.

تحميل المزيد