تحدي كبير سببته سوريا بالنسبة إلى الدبابة ليوبارد 2 الألمانية التي تشتهر بأنها واحدة من أفضل الدبابات في العالم، وتتنافس على هذا اللقب مع طرازات أخرى أثبتت كفاءتها مثل الأمريكية أبرامز M1 والبريطانية تشالنجر 1.
لكن هذه السمعة التي اكتسبتها بأنها لا تُقهر تقريباً واجهت انتكاسات في ساحات القتال في سوريا، ووضعت برلين في نزاع محرج لا مثيل له على الصعيد الوطني مع تركيا، زميلتها في حلف الناتو.
فما هي قصة هذه الدبابة التي تعتبر الأقوى عالمياً، ولماذا أصبحت محل جدل بين ألمانيا وتركيا؟
تقرير لمجلّة The National Interest الأمريكية عرض العيوب الخطيرة لهذه الدبابات التي ظهرت خلال القتال في سوريا، والمساومات الألمانية مع تركيا بشأن حصول أنقرة على الجيل الأكثر تقدماً من الدبابة أو تحديثها.
قطبا الدبابات الغربية التي تستطيع سحق الدبابات الروسية
كثيراً ما تُقَارن دبابات ليوبارد 2 بدبابات أبرامز M1، المعاصرة لها تقريباً، وفي الواقع يتشابه النوعان في خصائص كثيرة، تشمل وزن الدروع المركبة المتقدمة الضخم، الذي يبلغ أكثر من 60 طناً، والمحرك الذي تبلغ قوته 1500 حصان، والذي يعني أن سرعة هذه الدبابات تفوق 64 كم في الساعة، ويتشارك النوعان أيضاً في بعض الطرازات، المدفع الرئيسي نفسه عيار 120 ملم الذي يبلغ قطره الداخلي 44 بوصة، وتنتجه شركة Rheinmetall.
بوسع كلا النوعين تدمير معظم الدبابات روسية الصنع في المدى المتوسط والطويل بسهولة.
ولكن من المستبعد أن يخترقهما إطلاق النار المضاد من المدافع العادية عيار 125 ملم في هذا المدى.
علاوة على ذلك، يتمتع الطرازان بمنظومة رؤية أكثر تطوراً، تعمل بالتصوير الحراري الفائق والتكبير، ما يجعلهما أكثر قدرة على الكشف عن العدو وضربه أولاً، وهو ما يعد، تاريخياً، عاملاً أكبر من القوة النارية الهائلة في تحديد المنتصر في حرب المدرعات.
وتوصلت تجربة يونانية أنه بإمكان دبابتي ليوبارد 2 وأبرامز متحركتين إصابة هدف على بعد 2.3 متر 19 و20 مرة من أصل عشرين، على التوالي، فيما سجلت دبابة T-80 السوفيتية 11 ضربة فقط.
ما الفارق بين الأمريكية والألمانية؟
أما الفروق البسيطة بين الدبابتين الغربيتين فتكشفان فلسفتين وطنيتين مختلفتين. إذ إن محرك دبابة أبرامز المزعج الذي تبلغ قوته 1500 حصان ويستهلك الكثير من الوقود، يبدأ العمل بشكل أسرع، أما محرك الديزل في دبابة ليوبارد 2 فيمنحها وقتاً أطول قبل الحاجة للتزود بالوقود أي أنها أقل توفيراً للوقود.
حققت دبابة أبرامز بعض قدراتها الهجومية والدفاعية غير العادية، بفضل استخدامها ذخيرة اليورانيوم المنضب وحزم الدروع، وهي تقنيات غير مقبولة سياسياً للألمان.
لذلك، تُزود الطرازات الجديدة من دبابة ليوبارد 2A6 الآن بمدفع أسرع يبلغ قطره الداخلي 55 بوصة لتعويض الفرق في قوة الاختراق، في حين زودت دبابة ليوبارد 2A5 بدرع أكثر تباعداً على البرج لصد نيران العدو بشكل أفضل.
ألمانيا رفضت عرضاً مغرياً لتصديرها للسعودية
تطال المبادئ الألمانية الصارمة صادرات الأسلحة أيضاً، إذ تفرض برلين قيوداً مشددة على البلدان التي ترغب أن تبيع الأسلحة إليها، على الأقل مقارنة بفرنسا أو الولايات المتحدة أو روسيا.
وفيما دخلت دبابة ليوبارد 2 في الخدمة في ثماني عشرة دولة، من بينها العديد من أعضاء حلف الناتو، رفضت برلين عرضاً سعودياً مربحاً لشراء ما يتراوح بين 400 و800 دبابة ليوبارد 2 بسبب سجلات حقوق الإنسان للدولة الشرق أوسطية، وحربها الدموية في اليمن على وجه الخصوص. ولجأ السعوديون بدلاً من ذلك إلى طلب دبابات أبرامز إضافية، لضمها لأسطولهم الذي يضم حوالي 400 دبابة.
ولكنها باعتها إلى تركيا
يقودنا هذا إلى تركيا، وهي دولة عضو في حلف الناتو وتربطها ببرلين روابط تاريخية واقتصادية مهمة، ولكنها خضعت أيضاً للحكم العسكري في بعض الأوقات، وشنت حملة مثيرة للجدل على الانفصاليين المتمردين الأكراد لعقود.
وفي أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة، في ظل مناخ سياسي أكثر استقراراً، باعت برلين 354 دبابة من دباباتها القديمة من طراز ليوبارد 2A4 إلى أنقرة.
وكانت هذه الدبابات تمثل تطوراً كبيراً بالنسبة للجيش التركي، مقارمة بالدبابات باتون إم 60 الأمريكية، التي كان يمتلكها، وتتمتع بدرجة أقل من الحماية، وتشكل الجزء الأكبر من القوات المدرعة التركية.
ومع ذلك، انتشرت شائعات لفترة طويلة تقول إن برلين وافقت على البيع شريطة عدم استخدام دباباتها في عمليات مواجهة التمرد التي تشنها تركيا على الأكراد.
ورغم أن صحة هذه الشائعة من عدمها كانت مثار جدل، تظل الحقيقة هي أن دبابات ليوبارد 2 كانت بعيدة عن الصراع الكردي، ونُشرت في شمالي تركيا، مقابل روسيا.
لماذا اضطرت أنقره لإدخالها إلى سوريا؟
ولكن، في خريف عام 2016، انتشرت دبابات ليوبارد 2 التي تملكها تركيا في اللواء المدرع الثاني أخيراً على الحدود السورية، لدعم عملية درع الفرات، التي شنتها تركيا على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
قبل وصول دبابات ليوبارد، دمر تنظيم داعش والصواريخ الكردية حوالي 12 دبابة باتون تركية.
وأعرب المعلقون على الشؤون الدفاعية الأتراك عن أملهم في أن تحقق دبابات ليوبارد نتائج أفضل.
كان طراز 2A4 هو آخر طراز من دبابات ليوبارد 2 في فترة الحرب الباردة، وقد صُمم للقتال في وحدات مركّزة نسبياً في حرب دفاعية سريعة الوتيرة ضد صفوف الدبابات السوفيتية، وليس لتفادي العبوات الناسفة والقذائف التي يطلقها المتمردون الذين ينصبون كمائن في حملات مواجهة التمرد طويلة الأمد، التي كانت كل خسارة فيها تعني مشكلة سياسية حتى لو كانت خسارة بسيطة.
يضم طراز 2A4 من الدبابة ليوبارد المتواجد لدى تركيا برجاً قديماً يشبه الصندوق، وهو يوفر حماية أقل من الصواريخ المضادة للدبابات الحديثة، وخاصةً للدروع الخلفية والجانبية الضعيفة بشكل عام، التي تمثل مشكلة أكبر في مواجهات التمرد، التي قد يأتي الهجوم فيها من أي اتجاه.
وضح ذلك بصورة صادمة في ديسمبر/كانون الأول عام 2016، حين ظهرت أدلة على أن العديد من دبابات ليوبارد 2 قد دُمرت في قتال عنيف في مدينة الباب، التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وهي معركة وصفها قادة الجيش التركي بأنها "صدمة"، وفقاً لموقع Der Spiegel. وجاء في وثيقة نشرت على الإنترنت أن تنظيم داعش دمر على ما يبدو 10 دبابات ليوبارد 2 التي من المفترض أنها لا تقهر، وذكرت التقارير أن خمساً من هذه الدبابات دُمرت بصواريخ مضادة للدبابات، واثنتين بالألغام أو العبوات الناسفة، وواحدة بالصواريخ أو بقذائف الهاون، فيما دُمرت الاثنتان الأخيرتان لأسباب غامضة.
وتشير صور نشرت إلى تدمير ما لا يقل عن ثماني دبابات، إذ تُظهر إحداها أن هجوماً انتحارياً بسيّارة مفخخة قد دمر على ما يبدو إحدى الدبابات من طراز ليوبارد 2، بعد أن استهدفتها شاحنة مدرعة محمّلة بالمتفجرات، وأُطيح برج دبابة ثانية، وكان يتسنّى كذلك رؤية حطام ثلاث دبابات ليوبارد حول المستشفى نفسه بالقرب من مدينة الباب، إلى جانب العديد من العربات المدرعة الأخرى.
ويبدو أن الضربات التي شُنت بعبوات ناسفة وصواريخ من طراز AT-7 Metis، وAT-5 كونكورس المضادة للدبابات قد أضرّت في الغالب بمناطق بطن الدبابات وجانبها الأقل حماية.
وعلى الأرجح فإنَّ ظروف المعركة وطريقة استخدام هذه الدبابات بها قد أسهمت في وقوع تلك الخسائر.
إذ صممت هذه الدبابات في الأصل لتكون ضمن قوة سلاح مشتركة إلى جانب فرق مشاة، كي يدعموا بعضهم بعضاً، في ظل معارك مفتوحة مع جيوش تقليدية.
ولكن في هذه المعركة نُشِرت الدبابات في عمق الجبهات القتالية على أنها أسلحة طويلة المدى لدعم إطلاق النيران، بينما تولّت الميليشيات السورية المتحالفة مع تركيا إلى جانب القوات التركية الخاصة قيادة الهجمات.
ولما كانت معزولة في مواقع إطلاق النار المكشوفة دون فرق مشاة قريبة بما يكفي لتشكيل محيط دفاعي جيد، كانت دبابات الليوبارد التركية صيداً سهلاً، وأسفرت نفس التكتيكات عن فقدان العديد من دبابات أبرامز السعودية في اليمن، كما ترون في هذا الفيديو.
دبابات ليوبارد الأحداث تصمد في أفغانستان
وعلى النقيض من ذلك، شهدت دبابات ليوبارد 2 الأحدث قدراً كبيراً من الحركة في أفغانستان إبان محاربة متمردي طالبان، وذلك عند نشر دبابات ليوبارد الكندية من طراز 2A6M -المزوّدة بحماية معززة ضد الألغام وحتى "مقاعد طفو آمنة"- إلى جانب دبابات ليوبارد الدنماركية من طراز 2A5s. وعلى الرغم من أن الألغام ألحقت أضراراً بعدد قليل من تلك الدبابات، فقد أعيدت جميعها إلى الخدمة، رغم إصابة أحد أفراد طاقم ليوبارد 2 الدنماركية بجروح مميتة في هجوم بالعبوات الناسفة في عام 2008.
وفي المقابل، امتدح القادة الميدانيون الدبابات بسبب قدراتها التنقّلية وإتاحتها لدعم يتّسم بالدقّة ويأتي في وقته المناسب بمهام إطلاق النار خلال العمليات القتالية الرئيسية في جنوبي أفغانستان.
ألمانيا تقدم طرازاً جديداً مصمماً لمكافحة التمرد، وهاهي تركيا تريده
وفي عام 2017، بدأت ألمانيا تعيد بناء أسطولها من الدبابات، لاسيّما ببناء نموذج أشدّ بأساً من طراز الدبابة ليوبارد 2A7V لتزداد فرص نجاته في بيئة مكافحة التمرد.
والآن تضغط أنقرة على برلين لتحديث مستوى الدفاع في دبابات ليوبارد 2، خاصة مع التأخر المتكرر في نشر الدبابات المقاتلة التركية محلّية الصنع من طراز ألتاي.
ولا يرغب الجيش التركي فحسب في دروع مصفّحة إضافية تحمي بطن الدبابات ضد العبوات الناسفة، بل يريد أيضاً إضافة نظام حماية نشط (APS) يمكنه اكتشاف الصواريخ القادمة ونقطة انطلاقها، والتشويش عليها أو حتى إسقاطها.
وقد أذن الجيش الأمريكي مؤخراً بتطبيق نظام الحماية النشط الإسرائيلي Trophy في لواء من دبابات أبرامز M1، وهو نوع أثبت فاعليته في القتال. وفي غضون ذلك، كشفت شركة راينميتال المصنّعة لدبابات ليوبارد 2 عن نظام الحماية النشط الخاص بها باسم ADATS APS، الذي يُفترض أنه يُشكّل خطراً أقل فيما يتعلّق بالإضرار بالقوات الصديقة باستخدام صواريخه الدفاعية المضادة.
ومع ذلك، تدهورت العلاقات الألمانية التركية بشكل حاد، خاصّة بعدما بدأ أردوغان حملة مطوّلة استهدف خلالها الآلاف من المتآمرين بعد محاولة انقلاب عسكرية فاشلة، في أغسطس/آب 2016.
وفي فبراير/شباط 2017، اعتقلت السلطات التركية دنيز يوسيل، وهو مواطن يحمل الجنسيتين الألمانية والتركية، ويعمل مراسلاً لصحيفة Die Welt الألمانية، واتّهمته بأنه جاسوس موال للأكراد، وتسبب اعتقاله في حالة غضب في ألمانيا.
وقد أشارت أنقرة بكل وضوح إلى أنه في حالة السماح بتحديث دبابات ليوبارد 2، فإنها قد تعيد يوسيل إلى ألمانيا.
وعلى الرغم من إصرار برلين علانية على عدم الموافقة على مثل تلك المقايضة أبداً، بدأ وزير الخارجية السابق زيغمار غابرييل بهدوء في المضيّ قدماً نحو السماح بتطوير القطعة الحربية، مُحاولاً تحسين العلاقات، وأشار غابرييل إلى الصفقة بوصفها إجراء لحماية حياة الجنود الأتراك من تنظيم داعش.
ولكن أنقره استخدمتهم ضد المتمردين الأكراد بعدما هددوا أمنها
ومع ذلك، في منتصف يناير/كانون الثاني 2018، شنت تركيا هجوماً على المناطق الداخلية من عفرين ومنبج، الواقعتين شمال غربي سوريا. وكان ما عجَّل هذا الهجوم عموماً نواقيس الخطر التي دقتها المخاوف التركية من أن تؤدي سيطرة الأكراد الفعالة على الحدود السورية إلى وضع بحكم الواقع، يمكن أن تتسع إلى داخل عمق الأراضي التركية، وأيضاً نتيجة لإعلان وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تقريباً أنها تجند الأكراد من أجل تكوين "قوّة أمنية حدودية"، بغرض مواصلة القتال ضد داعش.
وسرعان ما ظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تبيّن أن دبابات ليوبارد 2 كانت تستخدم في عمليات تفجير المواقع الكردية في عفرين.
وعلاوة على ذلك، نشرت وحدات حماية الشعب الكردية فيديو على موقع يوتيوب في 21 يناير/كانون الثاني، تبدو فيه الدبابة التركية ليوبارد 2 وقد ضربتها صواريخ كونكورس المضادة للدبابات.
ومع ذلك، لا يتسنّى معرفة ما إذا كانت الدبابة قد دُمّرت، وربما يكون الصاروخ قد ضرب الدرع الأمامي المصفّح من الدبابة ليوبارد 2، الذي تشير التقديرات أن سُمكه يبلغ 590 إلى 690 ملليمتراً من هيكل الدروع المتجانسة المُركّبة في الدبابات من طراز 2A4، وفي حين أن هذين النوعين من صواريخ كونكورس يمكنهما اختراق الدروع المتجانسة التي يبلغ سُمكها 600 أو 8000 ملليمتر.
وعلى أي حال، ردَّ البرلمانيون من الأحزاب اليسارية الألمانية وحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي اليميني الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، على حدٍّ سواء، بغضبٍ، إذ وصف أحدهم الهجوم التركي بأنه انتهاك للقانون الدولي، (متناسين ما يمثله المقاتلون الأكراد المتحالفون مع حزب العمل الكردستاني المصنف إرهابياً في ألمانيا من خطر على وحدة الدولة التركية، وتعاونهم مع النظام السوري وسيطرتهم على أماكن ذات أغلبية عربية).
وفي 25 يناير/كانون الثاني، أُجبرت إدارة ميركل على الإعلان عن رفض تحديث الدبابات من طراز ليوبارد 2، على الأقل في الوقت الحالي.
أمّا أنقرة، فتنظر من جانبها إلى الصفقة على أنها مؤجلة فحسب، ويشير الخطاب الحذر من جانب برلين إلى أنها قد تعود إلى الصفقة في وقتٍ أنسب سياسياً.