ناقش موقع Lobe Log الأمريكي الصراع المحتدم في منطقة القرن الإفريقي بين دول الخليج العربي ورغبة كل طرف فيه فرض أجندته وسياسته على المكان الاستراتيجي الأمر الذي قد يهدد بنشوب حرب شاملة يكون الإفريقيون هم المتضرر الأول
ما الجديد؟ تسارع المنافسة بين دول الشرق الأوسط من أجل الحصول على الحلفاء، والنفوذ، والوجود المادي داخل ممر البحر الأحمر، وخاصةً في القرن الإفريقي. وتتسابق القوى الخليجية المُتنافسة تحديداً من أجل تحديد شروط موازنة القوى الإقليمية الجديدة، والاستفادة من النمو الاقتصادي مستقبلاً.
لماذا حدث ذلك؟ بسبب عدم الاستقرار الإقليمي، والفراغ النسبي في السلطة، والتنافس بين دول الشرق الأوسط الصاعدة؛ مما دفع بدول الخليج إلى السعي لإظهار قوتها بين جيرانها. وهم يتطلَّعون الآن إلى القرن الإفريقي من أجل تعزيز تحالفاتهم ونفوذهم.
لماذا يُعَدُّ هذا مُهماً؟ لأنَّ العديد من علاقات دول الخليج مع دول القرن الإفريقي هي علاقاتٌ غير متماثلة، وتُحرِّكها المصالح الخليجية أكثر من الإفريقية. وتضُخُّ دول الخليج الموارد، وتُصدِّر العداوات، بطرقٍ يُمكن أن تزيد زعزعة استقرار السياسات المحلية الهشة. لكنها تحمل بين طياتها أيضاً القدرة على حل النزاعات وتغذية النمو الاقتصادي.
ما الذي يجب فعله؟ يجب أن يسعى صُنَّاع السياسة الأفارقة والغربيون للحد من المناوشات الخليجية داخل إفريقيا، ولا سيما من خلال توسيع دور المنظمات الإقليمية مُتعدِّدة الأطراف، من أجل تعزيز قوة التفاوض الخاصة بدول القرن الإفريقي. وعلى المتنافسين الخليجيين أن يقتنعوا -بواسطة حلفائهم أو من خلال التجربة- بأنَّ أفعالهم تُقوِّض الأمن بطول حوض البحر الأحمر على المدى البعيد.
ويشهد القرن الإفريقي، الذي لطالما كان موطناً لمنافسةٍ كبيرةٍ على السلطة، اليوم تنافساً جديداً يظهر على شواطئه. إذ تُسارع الدول العربية الخليجية، إلى جانب تركيا، من أجل حصد الحلفاء والنفوذ داخل المنطقة؛ لدرجة أنَّ اثنين من خطوط الصدع السياسي الرئيسية في الشرق الأوسط -بين إيران والدول العربية، وبين الدول العربية وبعضها البعض- بدأت تتجلَّى بطول ممر البحر الأحمر. وبدأت هذه التنافسات القديمة المتداخلة في فرض نفسها على الصراعات المحلية، مما يُولِّد توترات جديدة في المنطقة.
وبدأ صُنَّاع السياسة الأفارقة، إلى جانب دول الخليج والحلفاء الغربيين، مؤخراً فقط في مناقشة كيفية الحيلولة دون تطوُّر هذه المنافسة إلى صراعٍ مفتوح. ويُجادل عددٌ متزايد من الزعماء الأفارقة بأنَّ على المنطقة تحقيق قوة تفاوض أكبر لنفسها، وذلك من خلال السعي إلى التعاون مُتعدِّد الأطراف مع الخليج وتركيا مثلاً. ونظراً لنفوذهم الهائل، بوصفهم حلفاء ومُستثمرين ومانحين ووسطاء؛ يتعيَّن على دول الخليج وتركيا استغلال ذلك النفوذ لتقليل الصراع بدلاً من تأجيجه.
ولأسباب سياسية واقتصادية وأيديولوجية؛ علقت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا في موقف شدٍ وجذب، من أجل وضع القواعد لمنطقة الشرق الأوسط الغارقة في الاضطرابات. وهناك منافستان متداخلتان تُحرِّكان وتُحدِّدان هذه المشاركة: الانقسام داخل الخليج، والذي يضع السعودية والإمارات ومصر في مواجهة قطر وتركيا، والمنافسة بين السعودية وإيران.
القرن الإفريقي ساحة نزال جديدة
وفي كلا الصراعين، يرى المتنافسون الرئيسيون في إفريقيا حلبةً جديدةً للتنافس وبناء التحالفات، خاصةً بالتزامن مع تمركُّز القرن الإفريقي في موقعٍ يسمح له بالنمو الاقتصادي القوي على مدار الجيل المقبل. وبفضل مواردها المالية القوية؛ ترى دول الخليج وتركيا فرصةً لضبط المشهد الاقتصادي والسياسي المستقبلي في حوض البحر الأحمر لصالحها. وتُوسِّع كافة تلك الدول وجودها المادي والسياسي، من أجل إقامة شراكات جديدة وحصار أعدائها -الذين يكونون في أغلب الأحيان من نفس الدول المُتوسِّعة.
وبتعزيز علاقاتها داخل المنطقة؛ تأمل دول الخليج وتركيا في تأمين مصالحها بعيدة وقريبة المدى. فعلى المدى القريب مثلاً، كشفت حرب اليمن عن ضرورة حصول السعودية والإمارات على قاعدةٍ عسكرية في البحر الأحمر. وأدَّت الأزمة الخليجية الداخلية، التي نشبت عام 2017، إلى تسريع جهود جانبي الصراع في البحث عن حلفاء جدد. وعلى المدى البعيد، تتسابق كل دولةٍ من أجل الفوز بموقعٍ متميز في اقتصاد وسياسات ممر البحر الأحمر. واقتصادياً، تسعى تلك الدول إلى دخول أسواق الموانئ والطاقة والاستهلاك التي تُعاني نقصاً في الخدمات داخل القرن الأفريقي، بوصفها بوابات للتوسُّع الاقتصادي السريع بطول القارة. وتصف الدول الأربع الصين بأنَّها القوة المُهيمنة الناشئة داخل المنطقة، وبالتالي سيتعيَّن عليهم التحالف معها بالتزامن مع تراجع النفوذ الأمريكي والأوروبي. وترى الإمارات وقطر وتركيا، تحديداً، في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية -التي تُخطِّط لمشاريع بطول شرق أفريقيا- فرصةً لتعزيز علاقاتها مع بكين.
ما العمل؟
وتتراوح أدوات صراع القوى الجديد هذا بين التعاملات والإكراه. إذ يُمكن لدول الخليج وتركيا تقديم المعونات والاستثمار بقدرٍ لا يستطيعه غيرهم، أو وسط أوضاع السوق التي تعتبرها الكثير من الشركات الغربية خطيرةً أكثر من اللازم. وتكون شروطهم لتقديم المعونة عادةً جذابةً بالنسبة للقادة السياسيين المحليين أكثر من المُتبرعين الغربيين. وبدلاً من طلب الإصلاحات الديمقراطية أو إصلاح الأسواق؛ تتوقَّع الدول الخليجية وصولاً إلى فرص استثمارٍ جديدة، وتطلب من مُستقبلي المعونة أن يقفوا إلى جانبهم في واحدةٍ من الصراعات التي انخرطوا فيها. وفي مقابل الدعم العسكري، قد تطلُب دول الخليج من حلفائها المحليين أن يصُدُّوا أو يقمعوا القوى السياسية المحلية المُتحالفة مع أعدائهم الخارجيين.
ويزيد هذا التنافس على النفوذ من مخاطر اندلاع صراعٍ جديد. إذ تقول دول الخليج وتركيا إنَّها ترغب في "استقرار" منطقة القرن الإفريقي، لكن تعريفات كلٍ منها للاستقرار تتباين بشكلٍ كبير وتضع مصالحها في مواجهةٍ مباشرة، بحسب الموقع الأمريكي.
وفي ظل آرائهم المُتضاربة، يعتبر كلا المعسكرين أنَّ علاقاتهم داخل القرن الإفريقي هي أشبه بلعبةٍ صفرية، يضغطون فيها على الدول للانضمام إلى أحد الجانبين، ويدعمون جماعات المعارضة أو القادة المحليين في حال رفضت العواصم الوطنية الانصياع لرغباتهم. ويستطيعون فعل ذلك لأنَّ العلاقات بين الخليج والقرن الإفريقي غير مُتماثلةٍ إلى حدٍ كبير، وتصُبُّ تماماً في مصلحة الطرف الأول.
وأعرب الزعماء الأفارقة عن قلقهم بشأن تداعيات ازدياد نشاط السياسة الخارجية الخليجية لبعض الوقت، لكن صُنَّاع السياسة الغربيين لم يُدركوا خطورة تلك الديناميات سوى مؤخراً. ويجب عليهم أن يتعاونوا للتفكير في كيفية فرض قيودٍ مُؤسسية على المنافسة، بحيث يتمكَّن القرن الإفريقي من مقاومة أكثر التنافسات الخارجية تدميراً، ومعاقبة السلوك الذي يُقوِّض المؤسسات المحلية، ومعارضة الشروط غير العادلة في العقود التجارية. وهناك جهودٌ جاريةٌ بالفعل لإنشاء منتديات إقليمية، حيث يتسنى لدول الخليج والقرن الإفريقي مناقشة مصادر قلقهم. وتشمل تلك الجهود المبادرات المنفصلة التي قادتها كلٌ من الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد) في القرن الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، والسعودية، ومصر. وفي الوقت الراهن، يتعيَّن على الدبلوماسيين الأفارقة والغربيين أن يُحاولوا إقناع دول الخليج بإعادة التفكير في طريقة عملها داخل القرن الإفريقي.
وفي النهاية، يجب أن تقتنع دول الخليج وتركيا -من خلال الدبلوماسية أو التجارب الشخصية- بأنَّ المنافسة والتنافس قد تخدم أهدافها السياسية والتجارية الفورية؛ لكنها ستضُرُّ على الأرجح بالاستقرار على المدى البعيد وسط منطقةٍ هشة تقع على الشاطئ الآخر، مما سيتحوَّل بالتالي إلى عبءٍ يضر بمصالحهم في النهاية.