في خطوة وصفها الإعلام الرسمي في مصر بأنها "رسالة طمأنة"، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إنه يتابع بنفسه مراجعة بطاقات التموين، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الذي انفجر مؤخراً ضد الرئيس وطالب برحيله، فهل تكفي رسالة الرئيس لامتصاص ذلك الغضب؟
ماذا قال السيسي تحديداً؟
بحسب وسائل الإعلام المصرية، بعث السيسي الأحد 29 سبتمبر/أيلول "رسالة إلى المصريين"، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، طمأنهم فيها بشأن ما تداول حول حذف بعض المواطنين الذين تأثروا سلباً ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية، مؤكداً أنه يتابع هذه الإجراءات بنفسه.
وكتب السيسي على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": "في إطار متابعتي لكل الإجراءات الخاصة بدعم محدودي الدخل فإنني أتفهم موقف المواطنين الذين تأثروا سلباً ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية وحذف بعض المستحقين منها".
وأضاف رئيس الجمهورية: "أقول لهم اطمئنوا لأنني أتابع بنفسي هذه الإجراءات وأؤكد لكم أن الحكومة ملتزمة تماماً باتخاذ ما يلزم للحفاظ على حقوق المواطنين البسطاء وفى إطار الحرص على تحقيق مصلحة المواطن والدولة".
ماذا تعني بطاقات التموين؟
الخطوة التي أعلن عنها الرئيس تأتي بعد يومين فقط على مرور واحد من أصعب الأيام التي شهدتها البلاد منذ تولى السيسي الحكم عام 2014، حيث تحول محيط ميدان التحرير في وسط العاصمة إلى ثكنة عسكرية مغلقة تماماً لمنع أي تظاهرات مطالبة برحيله، وفي المقابل حشدت الحكومة آلاف المواطنين في تظاهرة مؤيدة للرئيس في منطقة المنصة في حي مدينة نصر بالقرب من ميدان رابعة العدوية الذي شهد مجزرة فض اعتصام رافضي الانقلاب الذي قاده السيسي ضد الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013.
بطاقات التموين في مصر تستخدم لصرف سلع غذائية أساسية بأسعار مدعومة لمساعدة محدودي الدخل على مواجهة أعباء المعيشة. ومنذ وصول السيسي للحكم تم تقليص الدعم المقدم من الحكومة بصورة جذرية توافقاً مع برنامج التقشف الاقتصادي الذي فرضه صندوق النقد الدولي ووافقت عليه الحكومة كشرط لتقديم قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وفي إجراءات متتابعة أصبحت بطاقة التموين في مصر تستخدم بشكل أساسي في صرف حصة يومية من الخبز المدعم، بعد أن أصبحت السلع الغذائية تباع بنفس أسعار السوق تقريباً، كما أعلنت الحكومة أن المواطن الذي يزيد دخله الشهري عن 1200 جنيه (أي نحو 73 دولاراً تقريباً)، ومؤخراً قامت الحكومة بإلغاء ملايين البطاقات بصورة بدت عشوائية تماماً مما حرم ملايين المواطنين من دعم الخبز، ورغم فتح باب التظلمات إلا أن الإجراءات الطويلة والبيروقراطية وفساد الجهاز الإداري جعل مهمة التظلم شبه مستحيلة.
هل هذه الخطوة كافية "لطمأنة المصريين فعلاً"؟
قصة بطاقات التموين ليست جديدة ولا حتى متزامنة مع الأحداث الجارية، فإلغاء البطاقات يتم بشكل شهري منذ أكثر من عامين، مما يطرح سؤالاً مهماً حول مدى استيعاب الرئيس والحكومة لأسباب الغليان الشعبي الذي انفجر بصورة أصبح من المستحيل إخفاؤها يومي الجمعة والسبت 20-21 سبتمبر/أيلول، وأدى لأن تقوم الأجهزة الأمنية بأكبر وأشرس حملة قمع واعتقالات تشهدها مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
ظل الرئيس منذ وصوله للحكم يستخدم خطاباً عاطفياً موجهاً إلى الطبقة الكادحة في مصر يطالبهم "بالصبر والتحمل" لأن "مصر فقيرة واقتصادها منهار"، والرسالة نفسها لا يوجد سواها في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة بشكل تام، وبدا أن الرسالة ناجحة إلى حد كبير، في ظل غياب مظاهرات احتجاجية كبيرة طوال العامين الأخيرين.
لا يمكن إغفال القبضة الأمنية الحديدية بالطبع في ظل التضييق على الحريات واستهداف المعارضين أو حتى المنتقدين لبعض القرارات الاقتصادية أو السياسية، لكن ما حدث منذ شهر تقريباً وتحديداً منذ بث المقاول والفنان محمد علي مقاطع الفيديو التي وجه فيها اتهامات بالفساد للسيسي وأسرته وجنرالات الجيش أدى لتحطيم جدار الخوف.
وجاء تأكيد الرئيس على أنه يبني وسيبني قصوراً رئاسية لينفجر بركان الغضب ويعبر عن نفسه في مظاهرات الجمعة والسبت 20-21 سبتمبر/أيلول التي شهدتها القاهرة وعدة محافظات ليجد الجنرال سلطته وقبضته الحديدية فجأة في مهب الريح.
السيسي والخيار الصفري
الكاتب الصحفي الأمريكي بريت ستيفنز – الذي استمع لتبرير الرئيس لبناء القصور الرئاسية الأسبوع الماضي في نيويورك – كتب مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز لخص فيه الموقف بقوله: "السيسي جعل أي نوع من الإصلاح السياسي والاقتصادي والأيديولوجي التدريجي، شبه مستحيل. وهو يريد تقديم خيارين للمصريين: هو أو الطوفان. وفي النهاية، سيفوز الطوفان حتماً".
يضيف: وسواء كان السيسي ديكتاتوراً مُفضَّلاً لترامب أم لا، فإنَّه لن يكون رهاناً جيداً على المدى الطويل للولايات المتحدة، ويمكن أن ينتهي الأمر بكونه رهاناً كارثياً، كما حدث مع شاه إيران الراحل. يجب إعادة النظر في "ديكتاتور ترامب المفضل".
ويردف الكاتب: "وهذه رسالة للقول إنَّه يجب أن يكون هناك ثمنٌ للدعم الأمريكي، يُدفَع في صورة الإصلاح السياسي والاقتصادي التدريجي. والسيسي، من بين الجميع، يجب أن يكون مدركاً لهذا. إذ قال لي حين تقابلنا قبل بضع سنوات في القاهرة: "لسنا آلهةً على الأرض". وينبغي أن يدفعه اهتمامه بالحفاظ على ذاته، وكذلك بالحفاظ على ما فيه الخير لمصر، للتوقف عن التصرُّف كما لو كان إلهاً على الأرض".