ممنوع تجمع الأصدقاء.. كيف عاشت القاهرة واحداً من أكثر أيامها قسوة؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/29 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/29 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
القاهرة تحولت إلى ثكنة عسكرية/رويترز

القاهرة تحولت إلى ثكنة عسكرية لمنع تنظيم أي مظاهرات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي استجابة لدعوة المقاول والفنان المصري محمد علي الجمعة 27 أغسطس/آب، وكان هذا حال كل المدن المصرية تقريباً

فقد فرضت قوات الأمن المصرية إجراءات صارمة في وسط العاصمة المصرية، ونشرت عدداً من الرجال الملثمين المسلحين وقوات شرطة مكافحة الشغب، مما حال دون تمكن المتظاهرين المناهضين للحكومة من تصعيد احتجاجهم للمرة الثانية في غضون أسبوع واحد، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

إذ أغلقت قوات الأمن أكثر من 12 طريقاً من الطرق المؤدية إلى ميدان التحرير، رمز ومركز ثورة الربيع العربي المصرية التي اندلعت عام 2011،  والتي أطاحت حسني مبارك، الطاغية الذي حكم مصر لفترة طويلة. وكانت الشوارع خالية وشبه مهجورة، إلا من قوات الأمن، ما جعل المنطقة أشبه بحصن منيع.

وأُغلقت بعض محطات المترو في وسط القاهرة أيضاً. وعند نقاط التفتيش، كان ضباط الشرطة بزيهم العسكري الأبيض المميز يوقفون الأشخاص عشوائياً، وخاصة أولئك الذين يستقلون الدراجات النارية، ويطالبونهم بإظهار هوياتهم وحتى ما تحويه هواتفهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

مظاهرات تتحدى الحصار الأمني وأخرى في حمايته

ورغم ذلك ظهرت تقارير على مواقع التواصل الاجتماعي مساء الجمعة عن مظاهرتين محدودتين: واحدة في منطقة في القاهرة والأخرى في مدينة جنوبية. ولم تبد أي منهما كبيرة الحجم.

ورغم تضييق الحكومة على العديد من المصريين في حرية التعبير والحركة والتجمع، حشد النظام عشرات الآلاف من الأشخاص من مختلف أنحاء البلاد للمشاركة في حي مدينة نصر بشرق القاهرة. 

وقد نُظمت المظاهرة الموالية للحكومة على بعد دقائق قليلة من ميدان رابعة العدوية الذي شهد المذبحة التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية في حق المئات من المحتجين المناهضين للحكومة عام 2013.

وبحلول الليل، تحول التجمع إلى حفل ضخم، يضم شاشات فيديو وأضواء ساطعة لدعم الرئيس الاستبدادي المصري عبدالفتاح السيسي.

وهتف الحشود: "سيسي، سيسي، سيسي"، وهم يحملون الأعلام المصرية وملصقات الرئيس.

لماذا كان النظام خائفاً من أي مظاهرات ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا الحد؟

كانت الحكومة تستعد لهذا اليوم على مدار الأسبوع، وشنت أكبر حملة أمنية قمعية شهدتها البلاد منذ ست سنوات، بعدما شهدت الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2019، مظاهرات مفاجئة في حجمها استجابة لدعوة محمد علي.

وبحلول يوم الجمعة 27 مايو/أيلول، ساد التوتر في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان بدرجة لم يسبق لها مثيل منذ تولي السيسي السلطة قبل خمس سنوات.

وكان في قلق السلطات أن مئات المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع الجمعة السابقة 20 سبتمبر/أيلول في مظاهرات في العديد من المدن مثلت التحدي الأكبر لحكم السيسي. 

وجاءت هذه المظاهرات بعد أن حث محمد علي، الذي كان شخصاً غامضاً يعمل مع الجيش وضربت فديوهاته التي يزعم فيها وجود درجة كبيرة من الفساد وتراً حساساً لدى المصريين المحبطين، الملايين على الاحتجاج على السيسي يوم الجمعة.

وقال محمد علي شوقي الطالب الجامعي الذي يبلغ من العمر 19 عاماً، صباح الجمعة: "سنحتج لأننا في الجانب الصحيح، الجانب الجيد. إننا نفعل هذا لأننا نؤمن بعدالة قضيتنا. هذا ما يجعلنا أقوى حتى ونحن نشعر برعب شديد. وهذا ما يمنحنا الثقة، حتى والنظام يملك الأسلحة والجنود".

ولكن بحلول مساء الجمعة، لم تحدث المظاهرات المتوقعة. 

الأمن في كل مكان.. حتى تجمع الأصدقاء أصبح ممنوعاً

كان محمد علي قد حث المصريين في مقطع فيديو مساء الخميس على تجنب ميدان التحرير والاحتجاج في مناطق أخرى من القاهرة، لكن قوات الأمن كانت حاضرة في جميع أنحاء المدينة.

وانتاب شوقي شعور بالإحباط قرب مساء يوم الجمعة 27 سبتمبر/أيلول. إذ كان يحاول لقاء رفاقه المحتجين في حي بولاق أو في المناطق القريبة. وقال شوقي: "كل الأماكن التي كان من الممكن أن نتجمع فيها في بولاق أو الأماكن الأخرى سيطر عليها الأمن. لم نتمكن حتى من اللقاء".

إذ عززت قوات الأمن المصرية وجودها في القاهرة في مظاهر ترهيب لم يسبق لها مثيل منذ سنوات. إذ استقرت المركبات المصفحة وقوات شرطة مكافحة الشغب أمام المساجد والمباني الحكومية. وفي الأحياء التي احتج فيها السكان في السابق، راح رجال الأمن الذين يرتدون ملابس مدنية ويحملون أجهزة اتصال لاسلكية ومسدسات يفتشون الناس ويستجوبونهم.

أما في ميدان رمسيس في القاهرة، كان ثمة شاحنة صغيرة وحافلات صغيرة تقل العشرات من الرجال الملثمين والمدججين بالسلاح. وكانت تسير في موكب من سيارات الشرطة، كان يضم شاحنات مدرعة كبيرة، في طريقه إلى منطقة تشتهر بالمعارضة.

ويُذكر أنه في الفترة التي سبقت يوم الجمعة، اعتقلت الحكومة أكثر من 2000 شخص، وفقاً للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن المرجح أن يرتفع العدد. وقال محامو حقوق الإنسان إن العديد منهم اعتقلوا بشكل تعسفي في مداهمات عشوائية.

وكان من بين هؤلاء المعتقلين سياسيون معارضون وصحفيون ونشطاء، إلى جانب ما لا يقل عن سبعة أجانب، فيما تحاول حكومة سيسي تصوير المعارضة المتصاعدة على أنها مدبرة من قوى سياسية أجنبية. 

وحمّل السيسي، في اجتماع مع الرئيس ترامب هذا الأسبوع في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، "جماعات الإسلام السياسي" مسؤولية هذه التظاهرات.

أكبر عملية قمع منذ ثورة يناير

ووصفت منظمة هيومن رايتس ووتش يوم الجمعة الحملة الأمنية، التي شملت تقييد العديد من خدمات الإنترنت والمواقع الإلكترونية، بأنها ربما تكون الأكبر منذ إطاحة محمد مرسي عام 2013، وهو أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر أُطيح في انقلاب عسكري نظمه السيسي.

وقد طالبت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة الحقوقية، بتعليق حلفاء مصر الغربيين للمساعدات العسكرية، قائلة إن السبيل الوحيد لإحلال الاستقرار في البلاد "هو حكومة تحترم حقوق وحريات الشعب المصري".

وجاء قمع احتجاجات يوم الجمعة عقب بيان أدلى به اثنان من أعضاء الكونغرس الأمريكي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب -النائبان إليوت إنغل (نائب ديمقراطي عن ولاية نيويورك) ومايكل ماكول (نائب جمهوري عن ولاية تكساس)- قالا فيه إن "المصريين لهم الحق في الاحتجاج السلمي وممارسة هذا الحق دون خوف من العقاب". وطالبا أيضاً بالإفراج عن جميع من اُعتقلوا الأسبوع الماضي.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان يوم الجمعة: "تدعم الولايات المتحدة حق المصريين في التعبير عن آرائهم السياسية بحرية، والحق في التجمع، والحق في الاحتجاج السياسي، والاحتجاج السياسي السلمي. ونتابع التطورات على الأرض".

وقالت وزارة الخارجية: "نحن نتفهم وقوع عدد من الاعتقالات، وندعو حكومة مصر إلى حماية قدرة المواطنين على ممارسة هذه الحقوق بطريقة سلمية".

مصر منقسمة

إلا أن الجو العام المتغير في شوارع مصر ضد السيسي يقسم الأمة. إذ يذكر الكثير من المصريين، وخاصة في مناطق الأغنياء والطبقة المتوسطة العليا، كيف أدت ثورات 2011 إلى فوضى سياسية واقتصادية، أدت إلى تدمير صناعة السياحة بالغة الأهمية في البلاد. فبعد احتجاجات يوم الجمعة الماضي، تراجعت أسواق الأسهم المصرية، وهو ما زاد من المخاوف.

وقد زادت الحكومة من تأجيج هذه المخاوف. إذ صعّدت حملتها في الصحف والقنوات التي تديرها الدولة، وكذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصوير السيسي بأنه رجل صادق وجدير بالثقة.

قال عماد صالح، 40 عاماً، وهو طبيب أسنان حضر إلى مسيرة تؤيد السيسي يوم الجمعة "أحب الرئيس سيسي". واستطرد: "لا أريد أن تصبح البلاد غير مستقرة مرة أخرى".

وعشرات الآلاف في السجون والجيش يهيمن على كل شئ

منذ تولي السيسي الحكم في عام 2014، ألقت قواته الأمنية القبض على عشرات الآلاف من المعارضين وأخرست حتى أكثر أشكال المعارضة اعتدالاً.

وفي عهده، ازدادت سلطة الجيش؛ إذ يمتلك عدداً لا يحصى من الشركات وينظر إليه الكثير من المصريين على أنه فاسدٌ.

لذلك عندما بدأ علي، وهو مقاول إنشاءات حكومية سابق، في التعبير عن غضبه ونشر مقاطع الفيديو الخاصة به على الإنترنت في أوائل سبتمبر/أيلول من مخبئه ومنفاه الاختياري بإسبانيا، استمع إليه الملايين في جميع أنحاء مصر والعالم العربي. 

تم اعتقال نحو ألفي شخص/مواقع التواصل الاجتماعي

وتتهم مقاطع الفيديو السيسي وجنرالاته بتبديد الملايين من أموال دافعي الضرائب لبناء فندق وفيلات وقصور. أثار ذلك غضب ملايين المصريين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وخفض الدعم الحكومي في عهد السيسي، من بين المشاكل الاقتصادية الأخرى.

 لم تخاطر الحكومة يوم الجمعة، حتى أنها اعتقلت من تشتبه في أنهم قد يؤثرون على المحتجين. وكان من بين المعتقلين حازم حسني، أستاذ العلوم السياسية والمتحدث السابق باسم سامي عنان، وهو جنرال متقاعد اعتُقل بعد أن أعلن ترشحه لخوض الانتخابات ضد السيسي في انتخابات رئاسية عُقدت العام الماضي. واعتُقل كذلك حسن نافعة، وهو صحفي معروف، وخالد داود، وهو سياسي وصحفي سابق.

حددت وزارة الأوقاف، التي تشرف على مساجد الدولة، موضوع خطب المساجد يوم الجمعة للتركيز على محاربة الشائعات والحاجة إلى حماية البلاد، وذلك في توبيخ واضح لمقاطع الفيديو التي نشرها علي.

ولكن البعض مازال مصراً على تحدي القمع

وعلى الرغم من الإجراءات الصارمة، لا يزال هناك شعور بالتحدي بين العديد من المصريين. أصر شوقي، وهو طالبٌ متظاهر، على استخدام اسمه الحقيقي، قائلاً إنه شارك في احتجاجات يوم الجمعة الماضي أيضاً لأنه "سئم" من "الفساد والمرض والقمع والقتل".

لم ينضم شوقي بسبب مزاعم علي وحسب، بل لأن مقاطع الفيديو الخاصة به "أعطت الناس الفرصة لإعادة تجميع صفوفهم، ولأنها.. كشفت عن فساد هذا النظام بشكل أكثر صراحة".

وقال إن معظم أصدقائه الذين شاركوا في احتجاجات يوم الجمعة الماضي قد اعتُقلوا.

وفي ليلة الجمعة، قال شوقي إنه شعر "بالاضطهاد والقمع" لأنه ممنوع من الكلام.

وأوضح قائلاً: "أشعر بأن شخصاً ما يسلب كل حقوقي على جميع المستويات بطريقة غير عادلة. أشعر أن أحدهم يحمل سلاحاً ومستعد لقتلي أو سجني في لحظة واحدة. أنا عاجز تماماً ولا أستطيع حتى التحدث بصوت عال".

تحميل المزيد