يبدو أن موقف أوروبا من الأزمة النووية الإيرانية يتغير، هذه هي النتيجة التي سيخرج بها أي من تابع البيان الأخير للدول الأوروبية الكبرى الثلاث.
يقول ماركوس كارنيلوس دبلوماسيٌ إيطالي سابق في مقال نشر بموقع Middle East Eye البريطاني: إذا أراد أي متابعٍ عادي غير مُطَّلع على تفاصيل الأحداث أن يكوِّن فكرةً عن النزاع المستمر بين إيران والمجتمع الدولي عبر قراءة البيان المشترك الذي أصدرته فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في 23 سبتمبر/أيلول الجاري، فسيستخلص عدة استنتاجات بسهولة.
وتشمل هذه الاستنتاجات أنَّ إيران وقعت منذ فترة على اتفاقٍ دولي للحد من برنامجها النووي، وأنَّ الاتفاق حظي بتصديق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع، وأنَّ إيران بدأت تنتهكه لاحقاً بعد انتهاك الاتفاق.
وأنَّها -بدلاً من أن تعيد النظر في موقفها- اتخذت مزيداً من الإجراءات الاستفزازية بمهاجمة منشآتٍ نفطية سعودية في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، مما أثار ذعراً في المنطقة واضطراباتٍ في أسواق الطاقة الدولية.
افتراضاتٌ خاطئة.. أوروبا لا تستطيع القيام بدور فعال في الأزمة
يقول الدبلوماسي الإيطالي: مع أنني متشككٌ دائماً في أنَّ أوروبا يُمكن أن تؤدي دوراً إيجابياً في هذه القضية، فقد دار حديث مؤخراً عن إمكانية اضطلاعها بدورٍ مهم في تقليل التوترات، لكنَّ ذلك لا يمكن أن يأتي عن طريق التوافق مع الولايات المتحدة، بل بأداء دورٍ متوازن بين جميع الأطراف.
ويضيف قائلاً: ولقد اتضح أنَّ شكوكي في محلها؛ فعلى الرغم من الجهود الجديرة بالتقدير التي بذلتها الدول الأوروبية مؤخراً، لا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لإعادة بدء الحوار، فإنَّ هذا البيان المشترك لا يُمكن أن يُمثِّل دوراً متوازناً على الإطلاق.
ويستحق هذا البيان أن يُفحَص كلمةً كلمة، لتسليط الضوء على بعض الافتراضات الخاطئة التي كان يمكن أن نتوقعها من الولايات المتحدة وليس من أبرز الأطراف الفاعلة الأوروبية.
مفهوم أوروبا للاستقرار يعني بقاء الأسلحة النووية في أيدي من امتلكها بالفعل
جاء في نص البيان: "نُذكِّر، نحن قادة فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بمصالحنا الأمنية المشتركة، لا سيما دعم نظام عدم الانتشار العالمي والحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط".
هذا مفهوم. إلا أنَّ هذه الجملة، في ظل صياغتها بهذه الطريقة والسياق السياسي الحالي، تعطي انطباعاً بأنَّ تلك المصالح مرتبطة في المقام الأول بالحفاظ على نظام عدم انتشار الأسلحة النووية في المنطقة والحفاظ على الاستقرار.
وصحيحٌ أنَّ مكافحة انتشار الأسلحة النووية أمرٌ بالغ الأهمية، لا سيما في المناطق المضطربة مثل الشرق الأوسط، لكنَّ هذا الالتزام كان سيبدو أكثر مصداقية إذا كان يضم جميع البلدان في المنطقة، بما في ذلك تلك التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية وترفض حتى الآن التوقيع على معاهدة عام 1968 الخاصة بعدم انتشار الأسلحة النووية.
وعلاوة على ذلك، لا يُقدِّم البيان تفسيراً لمعنى مصطلح "الاستقرار" في الظروف الحالية. فهل تريد هذه الدول الثلاث القول إنَّ الدول التي تمتلك أسلحةً نووية في المنطقة بالفعل يحق لها الاحتفاظ بها، في حين أنَّ الدول الأخرى لا يحق لها ذلك؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن الأفضل أن تكون لدينا الشجاعة لقول ذلك علناً وبوضوح.
وإضافةً إلى ذلك، فالتعامل مع الوضع المزري في المنطقة من منظور الاستقرار فقط -بدلاً من تعزيز السلام والعدالة- يُهدِّد بإرسال رسالةٍ قد يُساء فهمها بشكل كبير وقاتل.
وكان يجب عليها إدانة انتهاكات السعودية باليمن بنفس الشدة
ويضيف البيان: "ندين بأشد العبارات الهجمات التي ضربت المنشآت النفطية في الأراضي السعودية.. ونؤكد من جديد.. تضامننا الكامل مع المملكة العربية السعودية".
وبالنظر إلى أنَّ هذه الهجمات لم تسفر عن أي خسائر بشرية لحسن الحظ، كان من الممكن أن يكون هذا الحماس الأخلاقي أكثر مصداقية بكثير لو ظهر على مستوى رسمي كهذا تجاه العديد من الضحايا المدنيين الذين سقطوا في الصراع الدائر في اليمن.
وأردف البيان: "من الواضح لنا أن إيران تتحمل مسؤولية هذا الهجوم. لا يوجد تفسير معقول آخر".
ومع الأسف، يبدو أنَّ هذا الادعاء يستند إلى المنطق فقط، وليس أدلة قوية قدمتها أجهزة استخباراتية موثوقة. وقد يكون اتخاذ موقفٍ سياسي حاد بناءً على هذا الأساس أمراً محفوفاً بالمخاطر. فبالنظر إلى بعض السوابق المؤسفة الأخيرة في المنطقة، ينبغي الحصول على المزيد من الأدلة وعدم الاندفاع وراء الافتراضات.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الحوثيين أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجمات، ولم يُقدَّم أي دليل قاطع يدحض اعترافهم.
أليس الحصار الاقتصادي بمثابة إعلان حرب وفقاً للقانون الدولي
وأضاف البيان: "صحيحٌ أنَّ هذه الهجمات نُفِّذت ضد المملكة العربية السعودية، لكنَّها تهم جميع البلدان وتفاقم خطر نشوب صراع كبير".
نعم هذا صحيح، لكنَّ الشعوب تستحق كذلك شرحاً للسبب في أنَّ الهجوم على المملكة العربية السعودية سيسفر عن هذه العواقب الوخيمة، في حين أنَّ الهجمات المستمرة في اليمن، أو في سوريا، لا تثير نفس المخاوف من وقوع عواقب مماثلة.
وأردف البيان: "تُسلِّط الهجمات الضوء كذلك على ضرورة وقف التصعيد في المنطقة عن طريق الجهود الدبلوماسية المستمرة وإشراك جميع الأطراف".
وهذا أمرٌ صحيح بلا شك، ولكن من أجل النجاح في خفض التصعيد في الشرق الأوسط، من الضروري أن تكون على دراية بأسباب التصعيد. فالمشكلات لم تبدأ بسبب الهجمات على المنشآت النفطية السعودية أو على ناقلات النفط في الخليج في وقتٍ سابق من العام الجاري، بل بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في مايو/أيار من العام الماضي 2018 -في خطوةٍ مثَّلت انتهاكاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231- وفرضها عقوباتٍ قاسية على إيران تكاد تصل إلى حد الحصار الاقتصادي. وهذا يعد فعلاً عدوانياً من أفعال الحروب، وفقاً للقانون الدولي.
لذا فإدراك العلاقة الصحيحة بين أسباب الأحداث وتأثيراتها أمرٌ بالغ الأهمية للتعامل معها بنجاح.
والبيان يكشف أن موقف أوروبا من الأزمة النووية الإيرانية يتغير ليصبح أقرب لأمريكا
وجاء في البيان: "نحث إيران مرةً أخرى على تغيير قراراتها المتمثلة في انتهاك بعض بنود الاتفاق، والالتزام التام بالأشياء المفروضة عليها بموجبه".
وكان هذا البيان سيكون أفضل بكثير لو سبق هذه النصيحة توجيه طلبٍ مماثل إلى الولايات المتحدة بالتراجع عن انسحابها من الاتفاق. وصحيحٌ أنَّ ذلك ما كان ليدفع الولايات المتحدة إلى فعل أي شيء، لكنَّه كان سيُظهِر على الأقل نهجاً أكثر موازنةً، وهذا شرطٌ أساسي لأي شخص يتطلع تطلعاً شرعياً إلى أداء دور الوسيط (باستثناء العالم الغربي على ما يبدو).
ويتضمن البيان المشترك كذلك قدراً من الفكاهة -وإن كان من المستبعد أن تراه طهران من هذا المنظور- حين يشير إلى أنَّ الدول الثلاث "تؤكد من جديد قناعتها بأنَّ الوقت قد حان كي تقبل إيران التفاوض على إطار عمل طويل الأجل لبرنامجها النووي".
وبالنسبة لأي متابع عادي كما ذكرت في بداية المقال، فسيرى أنَّ إيران قد وافقت على مثل هذه المفاوضات قبل سنوات، وتوصلت إلى نتيجة إيجابية بإبرام الاتفاق النووي في عام 2015، ثم التزمت به تماماً حتى وقتٍ مبكر من العام الجاري، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
يخلص الدبلوماسي الإيطالي إلى القول بأنَّ البيان المشترك الصادر في 23 سبتمبر/أيلول أكَّد شكوكي الأصلية: وهي أنَّ المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا قد خضعت أخيراً للموقف الأمريكي. وكان من السهل توقع ذلك من رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، لكنَّه لم يكن متوقعاً من ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.