شهران كاملان مرّا على خطاب الملك محمد السادس الذي كلف خلاله رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتقديم مقترحات لتعديل الحكومة المغربية، دون أن يحدث ذلك، ما دفع الملك إلى استدعاء رئيس حكومته والاستفسار منه عن حقيقة الوضع.
فقبل أسبوعين فقط من موعد افتتاح البرلمان في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، وهو الموعد الذي حدَّده الملك ليتوصل للائحة كفاءات جديدة ونخب ذات خبرة، لم يجد الملك بُدا من الاستفسار من سعد الدين العثماني حول مصير تنفيذ أوامره الواردة في خطاب يوليو/تموز 2019.
بيان رسمي أصدره الديوان الملكي، أوضح باقتضاب شديد أن "الملك استقبل رئيس الحكومة، حيث استفسر من رئيس الحكومة حول تقدم تفعيل التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش"، يقول البيان:
ويضم الائتلاف الحكومي: حزب العدالة والتنمية ذا الخلفية الإسلامية (125 نائباً من أصل 395)، التجمع الوطني للأحرار (37)، الحركة الشعبية (27)، الاتحاد الاشتراكي (20)، الاتحاد الدستوري (19)، والتقدم والاشتراكي (12).
لماذا طلب الملك في الأصل إعادة تشكيل الحكومة؟
عيّن الملك محمد السادس في الـ17 من مارس/ آذار 2017، العثماني رئيساً للحكومة، خلفاً لعبد الإله بنكيران، وضمت حكومته أحزاباً كان بنكيران يرفض دخولها للتشكيلة الوزارية، ويعتبرها سبب "إفشال" تشكيل الحكومة بقيادته.
ونهاية يوليو/تموز الماضي، أعلن الملك خلال خطاب للشعب بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه الحكم، أن الحكومة مقبلة على تعديل في تشكيلتها، قبل الجمعة الثانية من أكتوبر/تشرين الأول، تاريخ بداية السنة التشريعية في البرلمان.
وكلّف الملك رئيس الحكومة بتقديم مقترحات لـ "إغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى".
ويواصل العثماني مشاورات لتعديل الحكومة، لم تسفر حتى اللحظة عن جديد، وسط حديث عن وجود "بلوكاج" (عرقلة)، بحسب وسائل إعلام محلية.
ويرى محمد السادس أن بمقدور التعديل الحكومي تحريك المياه الراكدة في عدد من القطاعات الحكومية التي تعيش مشاكل كبيرة، وتعويض الوزراء المغادرين، وذلك من أجل "تحسين ظروف عيش بعض المواطنين المغاربة وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى"، وفق تعبير الملك.
هل هو عتاب ملكي أم مجرد استفسار؟
استدعاء الملك للعثماني، واستفساره عن مصير التعديل الحكومي، لم يمر مرور الكرام، حيث اعتبر كثير من المغاربة أن الخطوة عتاب ضمني لتأخر رئيس الحكومة، وغضب بسبب البطء في تنفيذ الأوامر الملكية، خاصة أن الوقت بات ضيقاً.
إلا أن العثماني نفى ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، واصفاً طريقة تدبيره للتعديل الحكومي بـ "السليمة، التي تمت في وقتها"، مؤكداً أنه أنهى الهيكلة الجديدة للحكومة، التي راعى فيها تقليص عدد أعضاء الحكومة، والتي ستعمل على جذب أحسن الكفاءات من الشباب والشابات المغاربة داخل الأحزاب.
المحلل السياسي خالد يايموت، اعتبر أن استدعاء الملك لرئيس الحكومة واستفساره عن مقترحات التعديل الحكومي، جاء بسبب التأخر الذي وقع فيه سعد الدين العثماني. إلا أن الخطوة لا يمكن اعتبارها عتاباً بقدر كونها ممارسة للصلاحيات القانونية والدستورية والسياسية المخولة لمحمد السادس.
وأوضح صاحب كتاب "تحديث السلطة السياسية في الفكر السياسي المغربي"، أن صلاحيات الملك تخول له قانونياً هذه الخطوة، لما فيها من مراقبة مباشرة للحكومة ككل أو لرئيسها، موضحاً أن الملك أبدى رغبته في متابعة خطابه السابق.
وقال رئيس الحكومة المغربية في تصريح لوسائل إعلامية "إن المرحلة الثانية هي المرحلة التي ستقدم فيها الأحزاب ما عندها من كفاءات، والمقصود هنا كفاءات داخل الأحزاب وليس خارجها، فجلالة الملك تحدث عن كفاءات داخل الأحزاب وليس عكس ما ذهب إليه البعض".
هل المغرب أمام جمود حكومي جديد؟
تعثُّر العثماني في تقديم مقترحات مناسبة، وتسريع وتيرة التعديل الحكومي، أعاد إلى أذهان المغاربة "البلوكاج" الحكومي (الجمود الحكومي) الذي حدث أواخر عام 2016، حين لم يتمكن عبدالإله بنكيران، من التوافق مع الأحزاب الحاصلة على غالبية الأصوات، في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، ما أدى حينها إلى استبعاد القصر لبنكيران وتعويضه بسعد الدين العثماني.
إلا أن مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية أكد لـ "عربي بوست"، أن مسار التعديل الوزاري يسير بشكل عادي وطبيعي، نافياً حدوث أي "بلوكاج".
وأوضح الخلفي، أن رئيس الحكومة يعمل حالياً على تنفيذ مقترحات تتعلق بالتعديل الحكومي، وفق ما جاء في الخطاب الملكي، لافتاً إلى أن سعد الدين العثماني هو من يدبر المشاورات بشكل شخصي مع الأمناء العامين للأحزاب السياسية.
وإن كان "البلوكاج" أمراً مستبعداً وفق ما يُفصح عنه رئيس الحكومة في عدد من اللقاءات والتصريحات، فإن الأمر المؤكد هو أن "الطريق ليس معبداً أمام العثماني لتشكيل الحكومة، بسبب الاختلاف بين الأحزاب والنخب التي تسعى للحصول على أكبر نصيب ممكن من الوزارات"، حسبما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وأضاف المحلل السياسي خالد يايموت لـ"عربي بوست"، أن الملك يعي الاختلافات الموجودة داخل الأحزاب المشكلة للحكومة، ويحرص على إخراج الحكومة في أسرع وقت ممكن، حيث إنه يسعى لتفادي التأخير الموجود، مشيراً إلى أن الحكومة السابقة تكونت في جوّ غير سليم وخرجت هشة، لذلك يأتي التدخل الملكي لمنع تأزم الوضع أكثر".
إليك بعض التعديلات الحكومية المتوقعة
"التعديل الحكومي المرتقب قد يشمل قرابة 15 من الوزراء وكتاب الدولة، ممن أظهروا ضعفاً في تسيير القطاعات التي يشرفون عليها"، حسبما ذكرت مصادر خاصة لـ "عربي بوست".
وتتشكل الحكومة الحالية من 39 وزيراً وكاتب دولة، وهو بمثابة وزير، لكن صلاحياته أقل.
ومن المتوقع أن يغادر الحكومة: سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية (التعليم)، ووزير الصحة أناس الدكالي، ومحمد يتيم وزير الشغل والإدماج المهني، ومحمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال، وآخرون.
المحلل السياسي المغربي خالد يايموت قال إن الحكومة ستُقلّص عدد وزرائها إلى 25 وزيراً، ينتمون للأحزاب الستة المكوِّنة للحكومة الحالية.
وسيكون على رئيس الحكومة البحث عن توازنات سياسية، تدعم التماسك وتتفادى تأجيج الصراعات بين الأحزاب، وكذلك تمتثل للمطلب الملكي، بأن تكون ذات كفاءة وخبرة.
ويقول عبدالحفيظ عبدالحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول (حكومية) بمدينة سطات (شمال) إن "غالبية أحزاب التحالف الحكومي بمثابة آلة الصبغ السياسي للتكنوقراط (مسؤولون بلا انتماء سياسي)، باستثناء العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، وإلى حد ما الاتحاد الاشتراكي".
ويقصد بآلة الصبغ التحاق هؤلاء التكنوقراط بالأحزاب قبل تعيينهم في مناصب وزارية بأيام قليلة.
ويرى أن "الحكومة ستتميز بإعادة النظر في عدد الوزراء، وحصول أحزاب الأغلبية الحكومية على وزارات جديدة".
هل يعرقل صديق الملك تشكيل الحكومة؟
ضخ كفاءات جديدة داخل الحكومة والإدارات، لافتة عريضة تبنّاها حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة الوزير الثري والقوي عزيز أخنوش، المشارك في الحكومة، والذي يعتبر منافساً شرساً لحزب العدالة والتنمية، ويُنظر إليه على أنه مقرب من الملك.
الحزب الذي يعتبر نفسه حزب كفاءات فوض لرئيسه صلاحيات واسعة لاختيار ذوي الخبرات ممن سيشاركون في الحكومة الجديدة، حيث عقد عزيز أخنوش خلال الأيام القليلة الماضية لقاءات مع قيادات حزبه، المسمى "حزب الحمامة"، في انتظار لقائه برئيس الحكومة، بعد عودة هذا الأخير من نيويورك، حيث يحضر أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
المحلل السياسي المغربي خالد يايموت يرى أن حزب التجمع الوطني للأحرار لن يدفع بتأزيم وضع الحكومة، وسيسعى لتشكيلها، لافتاً إلى أنه سيكون قطب الرحى، وسيبقى العمود الفقري للحكومة المغربية، على أن يكمله باقي الأحزاب بما فيها حزب العدالة والتنمية المتصدر للانتخابات التشريعية.