احتفاء الإعلام الرسمي المؤيد للنظام المصري بخروج مظاهرة دعم للرئيس عبدالفتاح السيسي في السويس، والضغط على موظفي الجهاز الإداري بالدولة للخروج في مظاهرات مماثلة، تزامناً مع ما يحدث من خروج احتجاجات مطالبة برحيل الرئيس، يطرح تساؤلات حول الهدف من وراء خروج تلك المظاهرات المؤيدة، وهل يسعى السيسي لتفويض جديد؟
التعامل الأمني والإعلامي مع المظاهرات المؤيدة
في الوقت الذي تعرَّضت فيه الاحتجاجات التي خرجت الجمعة والسبت الماضيين (20-21 سبتمبر/أيلول) للاحتجاج ضد السيسي والمطالبة برحيله للقمع والمطاردة من جانب أجهزة الأمن، وتم اعتقال المئات، خرج العشرات، الإثنين 23 سبتمبر/أيلول، في مدينة السويس، حاملين صور الرئيس، وهاتفين لبقائه وسط حماية من أجهزة الأمن.
أحد التُّهم التي وجَّهتها النيابة لمعتقلي الاحتجاجات المطالبة برحيل السيسي هي التظاهر من دون تصريح، حيث إن القانون المصري الحالي لا يسمح بالتظاهر دون الحصول على تصريح من وزارة الداخلية، ولكن هذا القانون لا يتم تطبيقه إلا على المعارضين، حيث لم يتم القبض على أيِّ متظاهر مساند للنظام.
الإعلام الرسمي الذي يهاجم المتظاهرين المطالبين بتحسين الأحوال المعيشية يحتفي في الوقت نفسه بالتظاهرات المؤيدة للرئيس والنظام، ويعرض فيديوهات وصوراً لها، بل ويشجع عليها.
مطالبات للموظفين بالخروج دعماً للسيسي
تناولت بعض التقارير الإعلامية، منذ الإثنين الماضي، أنباء عن وجود تعليمات شفوية لموظفي الجهاز الإداري بالدولة، وخصوصاً في الوزارات الخدمية (التربية والتعليم والكهرباء والصحة والسكان والشؤون الاجتماعية وغيرها)، بأن يشاركوا في مظاهرات داعمة للرئيس، يتم الترتيب لها يوم الجمعة المقبل، 27 سبتمبر/أيلول (تزامناً مع دعوة المقاول والفنان محمد علي للتظاهر ضد السيسي).
"عربي بوست" تأكد من تلك التقارير من خلال أكثر من مصدر (مُديري مدارس ووكلاء وزارة في أكثر من محافظة)، قالوا إن التعليمات جاءت في صورة اجتماعات حضرها محافظون، بوجود أفراد من الأمن الوطني وجهاز المخابرات العسكرية، وطلب كل من أكدوا المعلومة عدم ذكر أسمائهم أو حتى أماكن تواجدهم، حيث تم التأكيد عليهم أكثر من مرة بأن أي تسريب لتلك المعلومات ستكون عقوبته "قاسية لأنها تعتبر خيانة" .
ما الهدف من وراء حشد التأييد؟
هذا الإجراء ليس غريباً ولا جديداً، وربما يكون أبرز مثال عليه هو ما فعله نظام مبارك أثناء ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وكانت نتائجه كارثية (موقعة الجمل)، وكان أحد أسباب الوصول لتنحي حسني مبارك.
السيسي نفسه طلب من المصريين الخروج للشوارع في أكثر من مناسبة، أبرزها كان في أواخر يوليو/تموز 2013، طالباً "التفويض من الشعب لمحاربة الإرهاب"، وكان ذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع من مجزرة فض اعتصام رابعة.
اللافت هنا هو أن النظام يحذِّر طوال الوقت من أن الخروج في مظاهرات يعطي الفرصة "لأعداء الدولة" أن يندسوا وسط المتظاهرين ويتسببوا في دمار وفوضى، ربما تؤدي لسقوط الدولة، ومن هذا المنطلق تم تشريع قانون "تنظيم التظاهر"، الذي وضع شروطاً تعجيزية أمام تنظيم أي نوع من أنواع التظاهر، فما الذي يمنع "أعداء الدولة" من أن يندسوا وسط مظاهرات مساندة ويتسبَّبوا في الدمار والفوضى؟ وجود الآلاف في الشوارع أمر يستحيل السيطرة عليه، بحسب المنطق الذي يسوقه النظام.
حلالٌ للنظام حرام على معارضيه
هذه النقاط تطرح تساؤلات حول سعي النظام لحشد مظاهرات مؤيدة، وفي نفس يوم محدد لتظاهرات احتجاجية (حدَّده محمد علي)، تتعلق بما قد يحدث لو اجتمع الطرفان في ميدان أو شارع أو مكان واحد على سبيل المثال.
وفي ظل غياب معلومات عمَّا يحدث داخل كواليس النظام أو استراتيجية تعامله مع ما يحدث الآن على الأرض كتبعات "لهوجة محمد علي"، تظل الصورة ضبابية، خاصة في ظل حالة "التخويف من الفوضى" التي يُصدِّرها الإعلام الرسمي والخاص في مصر.
لكن رغم ذلك يظل السيناريو الأرجح هو أن النظام المصري قد فوجئ بحجم الاحتقان داخل الشارع، بعد الانتشار السريع جداً لمقاطع الفيديو التي يبثّها محمد علي، وانتظارها وتداولها والحديث بشأنها، مع اعتراف الرئيس السيسي بأنه يبني قصوراً رئاسية وسيُواصل بناءها، والاستجابة لدعوة "علي" للتظاهر الجمعة الماضية، فيما يشبه الزلزال، مع قلة أعداد المشاركين.
الاستعداد لقمع المظاهرات
لا أحد يمكنه التنبؤ بما قد يحدث الجمعة المقبلة في مصر، لكن يظل احتمال خروج تظاهرات احتجاجية تطالب برحيل السيسي أمراً وارداً بشدة، في ظلِّ حالة الغليان الشعبي تجاه رئيسٍ ظلَّ لسنوات يُنفِّذ برنامجاً اقتصادياً دفعت ثمنه الطبقات الوسطى ومحدودة الدخل والفقيرة، وفجأة تباهى بأنه يبني قصوراً رئاسية، وبدأت تظهر تسريبات من داخل تلك القصور، تُظهر مستوى من البذخ والرفاهية ربما لا يوجد له مثيل في كثير من الدول النفطية والغنية.
المؤشرات على احتمالية هذا السيناريو تتمثل في أداء الأجهزة الأمنية التي تنتشر بكثافة في محيط وسط العاصمة وميدان التحرير، وعلى الطرق السريعة، وتفتيش الشباب بصفة خاصة، والاطلاع على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال هواتفهم الذكية، ومن يتضح أنه غير مؤيد للرئيس يتم اعتقاله.
يتزامن ذلك مع حملة اعتقالات تستهدف نشطاء حقوقيين ومسؤولين في أحزاب مدنية وأساتذة جامعات، رغم أن أياً منهم لم يشارك في احتجاجات الجمعة والسبت الماضيين. واليوم الأربعاء 25 سبتمبر/أيلول، تناثرت أخبار عن اعتقال الأكاديمي والمحلل السياسي حسن نافعة، وحازم حسني أستاذ العلوم السياسية والمتحدث باسم الفريق سامي عنان، وجاء اعتقال حسن نافعة بعد أن بثَّ وائل الإبراشي تسجيلاً صوتياً مزعوماً لنافعة، يتفق مع أحد معدِّي البرامج في قناة الجزيرة للمشاركة في فيلم وثائقي.
الأداء الإعلامي مؤشر آخر على تخوّف النظام من خروج مظاهرات احتجاجية الجمعة، حيث التحذير من سيناريو الفوضى، وتشويه ثورة يناير، ووصفها "بالنكسة"، وما هو أسوأ، وربط ما يحدث الآن بما حدث في أعقاب تنحي مبارك، وخروج ممثلين وممثلات في مقاطع تسبّ بألفاظ خارجة كلَّ من يدعو للاحتجاج، مع تصوير الأمر على أنه محاولات خارجية لهدم الاستقرار.
هذه المؤشرات ربما لا يوجد لها تفسير سوى أن سعي النظام لحشد المؤيدين الجمعة المقبلة ربما يكون استعداداً لما قد يتعرض له "خارجياً" من انتقادات حال خروج تظاهرات ضده، وتعامله معها أمنياً وسقوط ضحايا، وبالتالي يتم تصوير الأمر على أن "الأغلبية تدعم السيسي"، وأن المظاهرات الاحتجاجية من تدبير "أعداء الدولة" .