في استجابة للنداء الذي أطلقه رجُل الأعمال والفنان المصري محمد علي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نزل مئات المتظاهرين من جميع أنحاء البلاد إلى الشوارع مساء يوم الجمعة الماضي، لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية هي السبب الرئيسي لتأجيج مشاعر الغضب لديهم، والدافع الأول للنزول ضد السيسي.
السيناريو الذي لم يكن بمقدور أحد تصوره
يقول موقع "Liberation" الفرنسي إن المُناخ غلُب عليه طابع احتفالي مساء يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير، رمز ثورة 2011. مئات المتظاهرين، معظمهم من الشباب، ظلوا يسيرون، ويرقصون ويطلقون شعارات ضد الحكومة. قال أحدهم: "ارحل، يا سيسي، بعد مبارك، حان دورك يا عبدالفتاح".
وشيئاً فشيئاً، نزل محتجون آخرون إلى الشوارع للمطالبة برحيل الرئيس: في الإسكندرية، العاصمة الثانية للبلاد، وكذلك في السويس والإسماعيلية والمحلة، المدينة الصناعية التي تقع شمال القاهرة والتي شهدت انطلاق أولى المظاهرات وأكبرها في عام 2008 معلنةً بدء الربيع المصري. وهو السيناريو الذي لم يكن بمقدور أحد تصوره قبل أيام قليلة، على الرغم من بعض علامات التحذير والاستياء المتزايد بين المواطنين، كما يقول الموقع الفرنسي.
ويسرد طالب في كلية الحقوق يدعى "عادل" وهو اسم مستعار قائلاً: "فُوجئ الناس بتواجدهم هنا والتظاهر فجأة. نزل البعض إلى الشوارع متأكدين من أنهم لن يرافقهم أحد ولكن الأمر كان يستحق عناء الانتظار ورؤية ما إذا كان سيأتي آخرون استجابة لنداء محمد علي".
ومحمد علي هو رجُل أعمال استنكر الفساد داخل النظام عن طريق نشر فيديوهات منذ نحو شهر وحظيت بنسب مشاهدة عالية. بينما قال متظاهر آخر يدعى "عصمت": "كنا نشاهد التلفاز مع أصدقاء لمتابعة مباراة لكرة القدم ثم قررنا النزول وسرعان ما تواجدنا في منتصف قلة عدائية للرئيس. شعرتُ بالخوف لأن هذا الأمر يُعد ممنوعاً وفي ذات اللحظة كنت سعيداً بتواجدي هنا ومعايشة هذا الحدث".
الحماسة والإثارة بدل الخوف
بعد ذلك بقليل في المساء، عندما بدأت الشرطة في قمع المظاهرة، شعر البعض بالحماسة والإثارة. وقال آخر يُدعى "محمود" "نحن هنا، لقد قمنا باستغلال هذا المكان رمز الربيع المصري، ثم أصبح منطقة يُحظر بها التجمعات لعدة سنوات". وفي المقابل ردت قوات الأمن باستخدام القنابل المسيلة للدموع والاعتقالات بحق المئات، وكان وحشياً.
وفي محافظة السويس التي تقع على بُعد 140 كم شرق القاهرة، لم يمنع هذا الإجراء أكثر من 200 شخص من النزول إلى الشارع للتعبير عن استيائهم في ساعة متأخرة من يوم السبت الماضي. وأفاد محمد لطفي مدير اللجنة المصرية للحقوق والحريات وهي منظمة غير حكومية التي تُوثق الاختفاءات القسرية بأن "لا أحد يعرف إلى أي مدى ستذهب بنا تلك الحركة وخاصة إذا كانت تُمثل بالفعل رغبة عامة لدى الشعب المصري، لكن الجميع ينظرون بدهشة لما حدث، خاصة وأن هؤلاء المحتجين لم يُعاصروا بالضرورة ثورة 2011، وليسوا مُسيسين ويشعرون بالحنق تجاه المشاكل الاقتصادية".
ومن جانبها، تساءلت "نور" قائلة: "من الذي يُحرك الشعب؟" وهو سؤال يثيره العديد من المواطنين. لأن كل شيء بدأ بمقاطع فيديو لرجل أعمال تعامل مع الجيش لمدة 15 عاماً، نشر أول فيديو ضد السلطة في 2 سبتمبر/أيلول من إسبانيا. وأكد رجل الأعمال -خلال الفيديو- عدم حصوله على مستحقاته المالية عن آخر مشروع مع الجيش، مستنكراً سيطرة الجيش على الاقتصاد والفساد المستشري داخل الحكومة.
ويضيف موقع Liberation: الفرنسي قائلاً إن رجل الأعمال لم يتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى الرئيس والمحيطين به، وخاصة زوجته، وحتى لو لم يقدم محمد علي أي دليل على كلامه، فإنه يشجب ما يشتبه به الكثيرون دون أن يتحلوا بالجرأة للحديث عنه.
يقول عصمت: "هذه الكلمات الصغيرة التي نهمس بها بعيداً عن الآخرين، ولمرة واحدة، أكدَها أحدهم بصوت عالٍ وواضح، دون خوف". ومن جانبه، رد الرئيس المصري مؤخراً على رجل الأعمال محمد على وذلك خلال مؤتمر دولي، لدحض مزاعمه، ولكنه أعطاه أهمية غير متوقعة ومكانة لم يكُن يأمل بها.
الفقر والاستياء الشديد للشارع يهددان السيسي
أعرب المصريون -الذين عصفت بهم أزمة اقتصادية غير مسبوقة فضلاً عن سياسة تقشفية قاسية جداً- عن استيائهم الشديد وخاصة بعد إعادة انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي في عام 2018، للقيام بإصلاحات اقتصادية. ومع ذلك، صار 32% من الشعب المصري تحت خط الفقر بعدما كانت النسبة 28% في عام 2016. في حين يشكو شخص آخر للموقع الفرنسي يدعى "حسام"، يدير شركة في وسط القاهرة، من أن "الرئيس طلب منا "شد الحزام" ونسمع أنه يعيش في رفاهية مع أسرته".
ومن جانبه، أضاف لطفي: "لم يسمح لنا أن نعيش بشكل أفضل وما حدث في نهاية هذا الأسبوع سيُشكل مشكلة حقيقية حول مدى شرعية السلطات". ودعا محمد علي -في فيديو جديد نُشر مساء السبت- المصريين إلى تنظيم مسيرة "مليونية" يوم الجمعة القادم. وهو ما يُمثل اختباراً لعزيمة المعارضين الجدد للنظام.