دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره المصري عبدالفتاح السيسي ليس أمراً مفاجئاً في ظل العلاقة القوية جداً بين الرجلين اللذين يتشابهان في كثير من الأمور، لكن كيف سيؤثر دعم ساكن البيت الأبيض للسيسي على ما يجري في مصر هذه الأيام بعد خروج تظاهرات محدودة تطالب الرئيس المصري بالرحيل؟
ماذا قال ترامب عن المظاهرات ضد السيسي؟
علّق ترامب أمس الإثنين 23 سبتمبر/أيلول 2019، على المظاهرات التي شهدتها مدن مصرية عدة ضد السيسي قائلاً إن "المظاهرات تحدث في جميع الدول".
وقال ترامب عن المظاهرات: "المظاهرات تحدث في جميع الدول، ولدى مصر قائد رائع ويحظى بالاحترام"، وأضاف: "الفوضى كانت تعم مصر، لكنها لم تعد موجودة بعد قدوم السيسي"، بحسب رويترز.
هذه ليست المرة الأولى التي يعبر فيها ترامب عن دعمه للسيسي وليست المرة الأولى التي يصفه فيها بأنه "قائد عظيم"، بل إن إيفانكا ترامب استخدمت نفس الوصف أثناء زيارة السيسي للبيت الأبيض في أبريل/نيسان الماضي.
حقوق الإنسان ليست على أجندة ترامب
وعلى الرغم من التقارير الحقوقية التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع في مصر منذ وصول السيسي للسلطة عام 2014، ومحاولات الكونغرس المستمرة لربط المساعدات الأمريكية لمصر بما يحدث في هذا الملف، إلا أن ترامب وإدارته لا يلتفتون لمسألة حقوق الإنسان وانعكس ذلك قبل أشهر في قيام وزير الخارجية مايك بومبيو بتوجيه خطاب للكونغرس يطالب فيه بصرف المعونة العسكرية لمصر والبالغة 1.3 مليار دولار كاملة، على أساس أن مصر شريك أساسي في "الحرب على الإرهاب".
تصريحات ترامب أمس ربطت أيضاً بين المظاهرات في مصر والحرب على الإرهاب، وهو ما يتطابق مع الكيفية التي يصور بها السيسي تلك الاحتجاجات المطالبة برحيله، حيث اتهم السيسي قوى "الإسلام السياسي" بمحاولة زعزعة الاستقرار في بلاده، قائلاً: "الشعب المصري لم ولن يقبل بحكم الإسلام السياسي".
هل هذا ضوء أخضر لديكتاتور ترامب المفضل؟
من المهم أن نسترجع تقرير صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية يوم 13 سبتمبر/أيلول الجاري، عن وصف ترامب الرئيس المصري بـ"الدكتاتور المفضل".
الصحيفة قالت إنه داخل غرفة مزخرفة فاخرة بفندق "دي بالاي" في بياريتز في أثناء قمة مجموعة السبع التي عقدت بفرنسا، كان الرئيس الأمريكي ينتظر اجتماعاً مع السيسي، وفي أثناء انتظاره نظر ترامب إلى تجمُّع من المسؤولين المصريين والأمريكيين، ونادى بصوت مرتفع قائلاً: "أين دكتاتوري المفضل؟".
وذكر شهود على الواقعة إنهم يعتقدون أن ترامب أدلى بهذا التعليق مازحاً، لكنهم قالوا إن سؤاله قوبل بصمت مطبق، ولم يصدر تكذيب من الجانب المصري للواقعة رغم أن وسائل إعلام كثيرة تناولتها وحاولت الحصول على تعليق من الخارجية المصرية ومؤسسة الرئاسة دون جدوى، ما يرجح أن الواقعة حدثت فعلاً.
كيف سيؤثر ذلك على الأوضاع في مصر؟
هذا الدعم من ترامب في هذا التوقيت الذي شهدت فيه مصر الجمعة والسبت الماضيين مظاهرات محدودة في القاهرة وعدة مدن أخرى بعد دعوة المقاول والفنان محمد علي الذي دعا لمظاهرات حاشدة الجمعة المقبلة 27 سبتمبر/أيلول، من المؤكد أنه سيؤثر على الطريقة التي سيتعامل بها السيسي مع تلك الأحداث.
المؤشرات حتى الآن توحي بأن التعامل سيكون أمنياً بحتاً وأن البلاد ربما تكون مقبلة على موجة جديدة من الاعتقالات وانتهاك الحقوق بصورة خطيرة، وأولها اعتقال أكثر من 500 شخص شاركوا في تظاهرات الجمعة والسبت الماضيين، بحسب تقارير منظمات حقوقية.
وقال ناشطون حقوقيون مصريون إنهم تلقوا حتى الآن بلاغات من الأهالي باختفاء وتوقيف أكثر من 500 شخص في القاهرة وعدة مدن أخرى، كما قررت النيابة حبس نحو 200 متظاهر لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيقات، حسبما صرح محامون حقوقيون لموقع "بي بي سي".
وقال المحامي بالمركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، علاء عبدالتواب لـ"بي بي سي"، إن هناك 370 شخصاً مثلوا أمام نيابة أمن الدولة، بينما لا يزال مصير الآخرين غير معروف بعد.
وأضاف أن من بين الموقوفين من لم تتجاوز أعمارهم الـ 18 عاماً، مشيراً إلى أن سلطات النيابة وجهت لهم تهماً تشمل الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، ونشر أخبار كاذبة والتظاهر بدون تصريح، وأشار عبدالتواب إلى أن المركز لا يزال يتلقى بلاغات حتى اللحظة، مرجحاً أن ترتفع الأعداد خلال الأيام المقبلة.
المؤشر الآخر هو حملة الاعتقالات التي تستهدف من تبقى من ثوار يناير رغم عدم مشاركتهم في التظاهرات واعتبار الكثير منهم أن ما أصبح يعرف "بهوجة محمد علي" ليس إلا حرب أجهزة داخل النظام المصري.
رسالة الإعلام المصري المساند للرئيس السيسي ونظامه التي كانت تتركز على شقين الأول الاعتراف بأن هناك "أخطاء" جارٍ إصلاحها والثاني التخويف من التظاهر لأنه "يهدم البلاد"، بدأت تتحول بصورة كاملة إلى دعم السيسي نفسه وأن ما يحدث كله "مؤامرة" تقف وراءها جماعة الإخوان التي يصنفها النظام على أنها إرهابية، ومنذ ليلة أمس الإثنين هناك تركيز واضح على ما قاله ترامب عن السيسي "القائد العظيم".
هذه المؤشرات والتواجد الأمني المكثف في الميادين الكبرى وخاصة ميدان التحرير ومحيطه في وسط العاصمة، إضافة لخروج "تظاهرات داعمة للسيسي" في السويس وهي إحدى المدن التي شهدت أعداداً أكبر من غيرها خرجت للاحتجاج والمطالبة برحيل السيسي، تنذر بأن الأيام القليلة القادمة وخصوصاً الجمعة القادمة 27 سبتمبر/أيلول ربما تشهد أحداثاً خطيرة، أخذاً في الاعتبار حدوث تقطعات في خدمات الإنترنت وحجب لبعض المواقع.