فيما يبدو أنها أول ضحايا دراما مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، أعلنت مجموعة السّياحة والسّفر البريطانيّة العملاقة "توماس كوك" إفلاسها بعد فشلها في جمع الأموال اللازمة للاستمرار، فما مصير 600 ألف مسافر و22 ألف موظف يعملون فيها وما قصة إفلاسها وكيف تتأثر مصر بذلك؟
ماذا حدث؟
توماس كوك، أقدم شركة رحلات في العالم، انهارت اليوم الإثنين 23 سبتمبر/أيلول لتتقطع السبل بمئات الآلاف من السائحين في أنحاء العالم وتنطلق أضخم مساعي إعادة مواطنين من الخارج في زمن السلم في التاريخ البريطاني.
ويتعين الآن إعادة 600 ألف سائح من المتعاملين مع الشركة، باتوا عالقين في العالم مع إفلاسها، بينهم 150 ألف سائح بريطاني بحاجة لمساعدة من الحكومة البريطانية للعودة من محطات بينها بلغاريا وكوبا وتركيا والولايات المتحدة، بحسب وكالة فرانس برس.
وإضافة إلى توقف رحلات طائراتها، أجبرت توماس كوك على إغلاق وكالات سفر، ما ترك موظفيها البالغ عددهم 22 ألفاً في أنحاء العالم — 9 آلاف منهم في بريطانيا — من دون عمل.
وقالت توماس كوك في بيان سابق نشرته اليوم أيضاً إنه "على الرّغم من الجهود الكبيرة" لم يكن من الممكن التوصل لاتفاقية بين المساهمين في الشركة والممولين الماليين الجدد المحتملين.
وأضاف البيان "لذلك، خلُص مجلس إدارة الشركة إلى أنّه ليس لديه خيار سوى اتّخاذ خطوات للدّخول في تصفية إلزاميّة بمفعول فوري".
المجموعة الضخمة مشغل سياحي وشركة طيران في نفس الوقت، ومحطاتها الرئيسية هي جنوب أوروبا ودول البحر المتوسط، لكنها نظمت أيضاً رحلات سياحية إلى آسيا وشمال إفريقيا والكاريبي.
وأسف رئيس المجموعة بيتر فانك هاوسر "ليوم حزين للغاية" مع خسارة آلاف الوظائف، وقال "يؤسفني جداً كما باقي أعضاء مجلس الإدارة أننا لم ننجح"، مضيفاً: "إنه يوم حزين للغاية للشركة التي كانت رائدة في الرحلات السياحية وأتاحت السفر لملايين الناس حول العالم".
خسارة مصر آلاف السائحين
تبعات إفلاس توماس كوك طالت مصر، حيث قالت مجموعة بلو سكاي، وكيل توماس كوك في القاهرة، أنه تقرر إلغاء حجوزات حتى أبريل/نيسان 2020 لعدد 25 ألف سائح إلى مصر، بحسب تقرير لرويترز.
وقال حسام الشاعر رئيس مجلس إدارة بلو سكاي في بيان أنه لدى الشركة 1600 سائح في منتجعات الغردقة بمصر حالياً، وأضاف البيان "الأعداد المتوقعة لعام 2020 تبلغ 100 ألف سائح" إلى مصر من خلال توماس كوك.
ما علاقة الإفلاس ببريكست؟
الشركة الرائدة في مجال السفر والتي انطلقت قبل 178 عاماً، تواجه منذ بعض الوقت صعوبات سببها المنافسة من مواقع إلكترونية، كما نسبت أزمتها إلى قلق المسافرين من مسألة بريكست، وحاولت يائسة جمع 200 مليون جنيه إسترليني (227 مليون يورو، 250 مليون دولار) من مستثمرين لتجنب انهيارها.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد تعهد بإعادة المسافرين البريطانيين الذين تقطعت بهم السبل إلى الوطن، وهو ما سيزيد الضغوط على الحكومة في الوقت الذي تسعى فيه للتفاوض على انسحاب معقد للغاية من الاتحاد الأوروبي.
وقال إن الحكومة كانت قد رفضت طلباً من توماس كوك يتعلق بصفقة إنقاذ بنحو 150 مليون جنيه إسترليني (187.1 مليون دولار) بسبب ما قال إنه "خطر أخلاقي"، وأبلغ الصحفيين على متن الطائرة لدى توجهه لحضور اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك "إنه وضع صعب للغاية ومشاعرنا بالتأكيد مع عملاء توماس كوك بشكل كبير.. السائحون الذين قد يواجهون الآن صعوبات في العودة.. سنبذل قصارى جهدنا من أجل إعادتهم للبلاد"، بحسب رويترز.
بداية الشركة الرائدة
كان مصنّع الخزانات توماس كوك قد أسس شركة السفر عام 1841 لنقل مؤيدي الامتناع عن شرب الكحول بالقطار بين المدن البريطانية.
وسرعان ما بدأت الشركة بتنظيم رحلات إلى الخارج لتصبح أول مشغل رحلات ينقل مسافرين بريطانيين إلى أوروبا عام 1855 وإلى الولايات المتحدة في 1866 وفي رحلات حول العالم عام 1872.
ونمت عمليات الشركة لتصبح مشغل رحلات وشركة خطوط جوية، لكنها رزحت تحت ديون هائلة رغم تسجيلها مؤخراً إيرادات سنوية بلغت 10 مليارات جنيه جراء تنظيم رحلات لنحو 20 مليون مسافر في أنحاء العالم.
ويأتي إفلاس الشركة بعد عامين فقط على انهيار خطوط مونارك الذي دفع بالحكومة البريطانية لاتخاذ تدابير طارئة لإعادة 110 آلاف مسافر، في عملية كلفت دافعي الضرائب قرابة 60 مليون جنيه إسترليني لاستئجار طائرات.
وقال مايكل هيوسون، كبير محللي السوق لدى سي.إم.سي ماركتس المملكة المتحدة الإثنين "لم يقتصر الأمر على توماس كوك التي وقعت ضحية الإفراط في القطاع، مع انهيار عدد من شركات الطيران في السنوات القليلة الماضية من أبرز ضحاياها مونارك".