حظيت منصات التواصل الاجتماعي بتفاعل عربي غير مسبوق مع الاحتجاجات الاستثنائية التي تمر بها مصر ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ تصدرت هاشتاغات "ميدان التحرير"، و "ارحل يا سيسي" في أغلب الدول العربية مساء الجمعة، وحظيت الفيديوهات التي تداولها ناشطون مصريون للاحتجاجات في القاهرة ومدن مصرية عدة، على إعجاب ومشاركة آلاف المغردين من مختلف الدول العربية، التي تعاني جلّها من مشاكل وأزمات داخلية، قد ظنّ البعض أنها ستمنعها من الاهتمام بشؤون احتجاجات مصر على سبيل المثال.
الموجة الثانية من الربيع العربي
لا شك أن رياح التغيير التي هبّت على تونس ومن ثم مصر عام 2011 لم تتوقف عند هذين البلدين، بل امتدت لدول عربية عدّة، وإن تفاوت حجم الاحتجاجات فيها، واختلفت نتائجها ونهاياتها.
ومما لا شك فيه أيضاً أن الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب، الرئيس المصري الراحل محمد مرسي عام 2013، والذي نفذه السيسي نفسه، أحدث تغييراً كبيراً في كل أنحاء الوطن العربي وقلب كل التوازنات والتحالفات، فكان بمثابة انتصار للثورات المضادة، وانكسار كبير لثورات الشعوب التي تم قتلها في مهدها، وإعلان وفاة أي تجربة ديمقراطية في المنطقة، لم ينجُ منها سوى تونس.
لكن اليوم ما يحدث في مصر جاء بشكل استثنائي وغير عادي في بلد محكومٍ بالحديد والنار، وتمتلئ زنازينه بنحو 100 ألف معتقل سياسي. لذا فكسر جدار الخوف فيه مجدداً يعد بمثابة انتصار رمزي يحيي الأمل في نفوس الشعوب العربية مجدداً بالتغيير، بعد نحو 9 سنوات على الموجة الأولى من الربيع العربي.
وربما إذا نجح المصريون في موجتهم الجديدة بتنحية السيسي وصنع تغيير كبير في البلاد أبرز سماته في المرحلة الحالية، الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المطاردين ووقف المحاكمات العسكرية، وخلق مناخ حريات جديد في البلاد ولو نسبياً، أن يخلق حالة من العدوى لدى شعوب المنطقة، الذين أصبحوا في حال أسوأ مما كانوا عليه قبل عام 2011. لا سيما أن احتجاجات الشارع المصري تأتي بالتزامن مع احتجاجات أخرى ممتدة منذ شهور في الجزائر، وتغيير كبير في السودان.
تعاطف عربي كبير
بالرغم من انشغال شعوب المنطقة بأزمات داخلية كبيرة، أو حروب مدمّرة كتلك في اليمن أو سوريا أو ليبيا، فإن المشهد المصري كان ليلة أمس هو سيد الموقف على صفحات الناشطين من المحيط إلى الخليج. إذ انهالت مئات التغريدات لدعم احتجاجات الشارع المصري ضد السيسي. وبدا واضحاً حالة الأمل التي زرعتها احتجاجات مصر في نفوس المغردين، الذين دعوا الله بالخلاص لمصر من حاكمها، وحقن دماء شعبها ونجاح انتفاضتها الجديدة.
يقول المغرد الأردني عدي البطاينة: "وقفتنا تجاه ثورة مصر مش مجرد تعاطف، هي ثورة بتمثلنا بنتمنى نشارك فيها ونكون معهم وكأنها بلدنا، لأنه مصر غير ومكانها بقلوب الشعوب العربية غير".
فيما غرّدت الناشطة الكويتية هياء الشطي بالقول: "تعرفون حجم الرجفات التي ينبض فيها قلب كل شاب وشابة داخلين يهتفوا بالميادين: "الشعب يريد إسقاط النظام"، في خوف كبير يصارعونه كل ثانية كل ثانية.. لكن في رجاء أكبر من الله وأحلام أعظم.. اللهم انصرهم على فرعون مصر".
وكتب الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي قائلاً: "انتو مش بتشيلوه بس، انتوا بتحرروا مصر من احتلال إسرائيلي. السيسي أهدى خليج العقبة لإسرائيل لما حوله لممر دولي ببيع تيران، ودخل في حلف عسكري مع إسرائيل في سينا وغزة، وحلف سياسي مع نتنياهو وبن سلمان وبن زايد والطشت بتاع البحرين، وقبل ده كله قتل مصريين أكثر من أي حد حكم مصر من ١٨٠١".
فيما غرد الناشط الأردني مدالله النوارسة بالقول: "إلى إخواننا المصريين: ثورة تونس للشعب التونسي، ثورة الجزائر للشعب الجزائري، وثور السودان للشعب السوداني، أما ثورة الشعب المصري هي ثورة لكل عربي".
وعلقت الناشطة الليبية أسماء بالقول: "كنت أتمنى يكون الأستاذ جمال خاشقجي حياً ليشهد ما يحدث في مصر.. لطالما تكلم عن مصر أنها نبض الأمة العربية وتكلم بحرقة وحسرة عن ما آلت اليه الأمور في ظل نظام السيسي الإجرامي.. أيضا تكلم بأمل عن عودة الربيع العربي.. رحمك الله أبا صلاح"
وأخيراً، كتب الناشط والصحفي التونسي مكرم كلاش: "انتخابات في تونس، تغيير في السودان، مظاهرات مستمرة في الجزائر، فشل لحفتر في ليبيا، واليوم مظاهرات غير مسبوقة في مصر، يبدو أننا نعيش على وقع الجولة الثانية من الربيع العربي، رغم كل محاولات شيطنته وقمعه!".