المظاهرات المحدودة التي شهدتها العاصمة المصرية وعدة مدن أخرى بالتأكيد ليست حدثاً عادياً ونالت نصيب الأسد من التغطية الإعلامية حول العالم، فلأول مرة يتعرض واحد من أعتى الديكتاتوريين في الشرق الأوسط لهتافات تطالب برحيله، إنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي "ديكتاتور ترامب المفضل".
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت اليوم السبت 21 سبتمبر/أيلول تقريراً عن التظاهرات بعنوان: "احتجاجات غير معتادة ضد الرئيس المصري تندلع في القاهرة وأماكن أخرى".
يسقط السيسي!
اندلعت احتجاجات غير معتادة ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في وسط القاهرة والعديد من المدن المصرية الأصغر مساء أمس الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، في استجابة لدعوات انتشرت على الإنترنت للخروج في مظاهرات ضد فساد الحكومة، وهتف الشباب: "يسقط السيسي" و"ارحل".
وقد اندلعت الاحتجاجات، وإن كانت محدودة، أثناء توجه السيسي إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، وكان اندلاعها غير مألوف على الإطلاق.
قمع وحشي
وقد عمل السيسي، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 2013، على ترسيخ سلطته من خلال القمع الوحشي الذي أسكت النقاد، وقلّص حرية التعبير وأنهى أي مظهر من مظاهر السياسة الديمقراطية. وحتى المعارضة المعتدلة كانت تُقابل بعقوبات صارمة وأحكام بالسجن لمدد طويلة.
وقد أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق بعض التظاهرات يوم الجمعة، لكن المتظاهرين الآخرين واصلوا الاشتباك مع الشرطة في الساعات الأولى من اليوم السبت 21 سبتمبر/أيلول.
وقالت اللجنة المصرية للحقوق والحريات التي تراقب وضع المعتقلين إن أربعة أشخاص على الأقل اُعتقلوا قرب ميدان التحرير، حيث تجمع المصريون لإطاحة الرئيس حسني مبارك خلال الربيع العربي عام 2011. وقال المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو إحدى المنظمات الرقابية أيضاً، إنه وثق 36 عملية اعتقال في القاهرة ومدن أخرى.
ويُذكر أن جماعات حقوق الإنسان تدين السيسي من حين لآخر باعتباره أحد أكبر طغاة الشرق الأوسط. إذ تكتظ السجون بالمعتقلين السياسيين، وحُظرت مئات المواقع على شبكة الإنترنت، وأصبحت معظم الصحف في البلاد خاضعة للأجهزة الأمنية.
دعم لا محدود من الغرب
غير أن السيسي لم يلقَ رفضاً يُذكر من الحلفاء الغربيين، الذين من بينهم الرئيس ترامب، الذي وصف السيسي الأسبوع الماضي بأنه "دكتاتوري المفضل".
وقد اندلعت احتجاجات يوم الجمعة بدعوة من محمد علي، وهو مقاول بناء كان يعمل مع الجيش، وكان يَظهر في مقاطع فيديو على فيسبوك يزعم فيها تبديد الأموال العامة على نطاق واسع في ظل حكم السيسي ومساعديه المقربين.
وقد دعا علي في مقطع فيديو حديث، سجله من منفاه الاختياري في إسبانيا، وزير الدفاع محمد زكي إلى إلقاء القبض على السيسي. وحث المصريين على النزول إلى الشوارع والمطالبة بإسقاط الرئيس يوم الجمعة.
وقد استجاب مئات الشباب من سكان القاهرة لهذه الدعوة، وتدفقوا إلى الشوارع مساء يوم الجمعة بعد مباراة لكرة القدم بين فريقين مصريين شعبيين. وأشار شهود وتسجيلات فيديو إلى أن الاحتجاجات لم تكن منظمة مركزياً، وإنما بدا أنها تجمعات عفوية لشباب غاضبين، والعديد منهم ينتمون للطبقة العاملة، وكانوا يرددون شعارات مناهضة للسيسي.
الحرامي!
وفي أحد الأماكن، ندد المتظاهرون بالسيسي ووصفوه بـ"الحرامي".
ويُذكر أن المحطات التلفزيونية الموالية للحكومة حاولت التقليل من أهمية الاضطرابات. إذ قال أحد المراسلين في بث من ميدان التحرير، إن مجموعة صغيرة تجمعوا لالتقاط صور سيلفي ثم غادروا المكان. وأكدت قنوات أخرى أن الوضع هادئ.
لكن مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت أظهرت أن احتجاجات محدودة اندلعت أيضاً في الإسكندرية، ثاني كبرى المدن المصرية، والسويس المطلة على البحر الأحمر، والمحلة الكبرى، وهي مدينة تضم مصانع نسيج وتقع على بعد حوالي 113 كم شمال القاهرة وتشتهر بنشاطها الحقوقي العمالي.
وتجب الإشارة إلى أن احتجاجات محدودة ضد السيسي اندلعت أيضاً في القاهرة عام 2016 بعد أن تنازل الرئيس عن جزيرتي تيران وصنافير المطلتين على البحر الأحمر، للمملكة العربية السعودية. لكن منذ ذلك الحين، ازدادت الحياة صعوبة على المصريين العاديين.
إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً حاداً بعد أن فرض السيسي تدابير تقشف قاسية، خفض بموجبها الدعم عن الوقود وعن بعض المواد الغذائية، في إطار خطة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي استعان بها السيسي لحل مشكلة انهيار العملة عام 2016.
تدابير تقشفية أفقرت الشعب
وأفاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يوليو/تموز أن 33% من المصريين أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر بعد سنوات من تدابير التقشف، مقارنة بـ 28% عام 2015 و17% عام 2000.
وقد أُعيد انتخاب السيسي رئيساً عام 2018، بعد انتخابات مشكوك في نزاهتها لم يواجه فيها أي معارضة جادة. وقد أُقر استفتاء هذا العام حول تغييرات دستورية من شأنها تمديد حكمه. لكن ثلاثة ملايين مصري على الأقل صوتوا ضد هذا الإجراء.
اعتادت الأجهزة الأمنية المصرية في السابق التعامل مع احتجاجات بأعداد أقل بكثير من خلال تصعيد القمع، وعادة ما يتخذ هذا القمع شكل اعتقالات جماعية يُزَج خلالها بمنتقدين في السجن لعدة أشهر أو سنوات. وتوقع المحللون تعاملاً مماثلاً مع احتجاجات يوم الجمعة.
غير أن البعض قال إنه يبدو أن هناك نقطة تحول في نظام السيسي، وإن كانت محدودة.
إذ قالت رباب المهدي، أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الاحتجاجات التي اندلعت مساء الجمعة كانت "الأولى من نوعها في ظل نظام السيسي". وقالت إن استجابة الشرطة التي تميزت بضبط النفس نسبياً "قد تكون قراراً بالتنفيس عن الغضب. وهي سمة كان نظام مبارك يتميز بها. لكن نظام السيسي لا يتميز بها".