لأول مرة منذ تولِّي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الرئاسة، تشهد البلاد عودةً للأجواء التي سبقت يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، تاريخ انطلاق الثورة المصرية.
فعلى الرغم من أنه لم يحدث أي تغيير على الأرض، إلا أنَّ الدعوات التي وجَّهها المقاول المتمرد محمد علي، وردود الأفعال، والأجواء، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي تبدو مختلفة عن كل الدعوات المماثلة التي تمت قبل ذلك.
وفي الشارع يتحدث الجميع بهمس عن فيديوهات محمد علي، همس لا يظهر تفاصيل الكلام، ولكن الجميع يعلمون أن محمد علي بات محور مثل هذه الأحاديث الهامسة.
لا الناس قادرة على الكلام بصوت مرتفع عن محمد علي، ولا النظام قادر على منع الحديث نصف الهامس عنه.
لعبة محمد علي في مواجهة الرئيس
وتحدث محمد علي عمَّا سمَّاها "اللعبة" التي سيتم لعبها مع السيسي يوم الجمعة المقبل، ستكون عبارة عن نزول المصريين إلى الشوارع في الساعة السابعة مساءً، وإلقاء بعضهم السلام على بعض، والقيام ببعض النشاطات الاجتماعية والهتاف بحرية.
وقال علي في هذا السياق: "انزلوا يوم الجمعة الساعة 7، المسلم، والمسيحي، والإخواني، والليبرالي، انزلوا بوسوا بعض، العبوا ماتش كورة، واسمعوا موسيقى، وأغاني شعبية، وأكيد مش رح يعتقلوكم لأنكم بتسمعوا مزيكا".
وأضاف أنَّ "السيسي سيتساءل لماذا يفعل الناس في الشوارع ذلك في الساعة السابعة من الجمعة المقبل"، وطلب من المتظاهرين الهتاف بـ "حرية، انتهى زمن العبودية".
اللافت أن الأسلوب الشعبي للمقاول محمد علي لم يجذب المصريين فقط بسبب خفة ظله، ولكن أيضاً لأنه أعطى إيحاء بأنه شخص عادي لا ينتمي لتيار سياسي، الأمر الذي عزّز شعور التفاف الكثيرين حوله؛ لأنهم شعروا بأنهم ليسوا عرضة للاستغلال من قبل جهة سياسية أو حزبية.
السيسي يتجاهل كبار المعارضين حتى الحاصلين على نوبل، ويردُّ على محمد علي
كان أوضح المؤشرات على قلق النظام من فيديوهات محمد علي هو رد فعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
فعلى مدار سنوات منذ توليه السلطة تجاهَل السيسي انتقادات كبار معارضيه، من بينهم مرشحون رئاسيون سابقون، وحاصلون على جائزة نوبل، ولكنه ردَّ على المقاول والفنان محمد علي، رغم أن أجهزة المخابرات قبَّلت يديه -حسب قوله- لكي لا يردّ.
ولكن ردَّ السيسي اعتبره الكثيرون مخيباً للآمال؛ بل يرى البعض أنه قد أثبت اتهامات محمد علي، حيث أكد أنه يبني بالفعل قصوراً، ولكن من أجل مصر، وهو الذي طالب المصريين مراراً بالتقشف من أجل مصر.
ولكن السيسي لم يكتفِ بالردِّ على محمد علي؛ بل جنَّد أجهزة الدولة لوضع خطة، قادها نجله محمود وكيل جهاز المخابرات العامة، للردّ على محمد علي، باستخدام مجموعات مختلفة من الإعلاميين.
ولكن ردَّ السيسي أتاح الفرصة لمحمد علي لمواصلة مهاجمته، وتطور الأمر للدعوة للتظاهر يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2019، للمطالبة برحيل السيسي.
تسبَّب التجاوب الكبير مع فيديوهات محمد علي في قلق لدى النظام، فهل يستجيب الناس لدعوته، أم يمر يوم الجمعة بسلام.
أربعة أشياء مشتركة مع مرحلة ما قبل الثورة
أولاً: الخطة تعيد أجواء 25 يناير
لم يترك السيسي شيئاً للصدفة، بل أعدَّ خطة مركّبة تتضمن تأمين البلاد لمنع التظاهرات، مع إظهار التواجد الأمني الكثيف للمواطن، لتخويفه من النزول للشارع، والمراقبة الحثيثة للإنترنت وخطب الجمعة، والأهم توجيه رسالة لأفراد الجيش من قبل وزير الدفاع لتأكيد الولاء.
إذ قال وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، القائد العام للقوات المسلحة المصرية قبل ساعات من موعد التظاهرات المرتقبة التي دعا إليها محمد علي: "الجيش على قلب رجل واحد" .
كما وُضعت خطة محكمة، ويبدو أنها تحاول تجنّب أخطاء النظام خلال ثورة 25 يناير، فتقرَّر عدم قطع الإنترنت مثلما حدث في جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011، والاكتفاء بمراقبته مع إبطائه إذ حدثت تطورات سلبية، لمنع تحميل فيديوهات حية، وفقاً لما قالته مصادر أمنية لـ "عربي بوست" .
ولكن كل ذلك عزَّز الإحساس بأن هذه المرة مختلفة عن كل الدعوات المماثلة التي جرت في عهد السيسي، وأعادت للبلاد أجواء الأيام الممهدة لثورة يناير/كانون الثاني.
واللافت حالة عدم اليقين التي تنتاب النظام تجاه مدى تجاوب الناس لدعوة التظاهر وموقف صغار الرتب في الجيش، تشبه أجواء ما قبل يناير.
ثانياً: الدعوة للتظاهر تأتي من شخصية غير تقليدية.. هل تتذكر صفحة كلنا خالد سعيد؟
كان الأمر الثاني الذي أعاد أجواء ما قبل يناير/كانون الثاني، هو أن الدعوة جاءت من شخصية غير تقليدية وغير مسيَّسة في الأصل، وهو أمر يشابه ما حدث خلال ثورة يناير/كانون الثاني.
فقد صدرت الدعوة للتظاهرة آنذاك من قوى سياسية غير تقليدية، ومن صفحات فيسبوك، أغلب من يديرونها كانوا مجهولين مثل صفحة كلنا "خالد سعيد" .
ثالثاً: كرة الثلج تكبر.. مزيد من الفيديوهات
النقطة الثالثة التي تعيد أجواء يناير هي أن كرة ثلج المعارضة تكبر.
فجرأة محمد علي أطلقت سيلاً من الفيديوهات التي تهاجم النظام، ولاسيما وضع المؤسسة العسكرية والمظالم التي يتعرَّض لها الجنود والفساد المزعوم لكبار الضباط.
فقد انضمَّ الناشط السيناوي مسعد أبو الفجر لسلاح "الفيديوهات" الذي أطلقه محمد علي قبل أسبوعين، واتهم أبو الفجر المقرب من أجهزة سيادية أمنية مصرية، نجلَ السيسي بالتعاون مع تجار المخدرات في سيناء، وحصوله على نسب من تهريب البضائع للمحاصرين في قطاع غزة.
وبعد 24 ساعة من فيديو أبو الفجر، نشر الإعلامي وليد الهواري في قناته على اليوتيوب تسجيلاً لأحد أفراد القوات المسلحة، تحدَّث فيه عن استغلال الجنود في أعمال السخرة لصالح قيادات الجيش، وأكد صاحب التسجيل الذي عرف نفسه بأنه "رجل المدفعية"، أنه ما زال في الخدمة، وأن ما قاله محمد علي عن فساد القيادات أقل من الموجود على أرض الواقع.
كما أعلن الفنان المصري، شادي سرور، الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 2019، عن دعمه لرجل الأعمال والفنان المصري، محمد علي، الذي يقود حملة يدعو فيها للتظاهر ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي بهدف إزاحته عن الحكم.
ونشر سرور الذي يتابعه على حسابه في موقع فيسبوك فقط أكثر من 5 ملايين شخص، منشوراً وصف فيه محمد علي بأنه "بداية ثورة جديدة"، ودعا المصريين للمشاركة في الهاشتاغ الذي أطلقه علي "#كفايه_بقى_يا_سيسي".
وقال سرور إن "ما قاله علي هو جزء بسيط من الفساد اللي موجود في كل حته في مصر، لكن المرة دي لازم الموضوع يبقى منظم عشان نحمي الثورة من الفيروسات اللي بتنط مع الحفلة، الفيروسات والدسائس دي كانت سبب فشل ثورة يناير".
وأضاف: "إحنا مش عايزين إدارة من الجيش ولا من الإخوان ولا من السلفيين ولا من اللبراليين العواجيز، ارحمونا بقى، عايزين إدارة مثقفة متفتحة من الشعب ومن الشباب، عدم النظام ترتب عليه الفساد الحالي لازم يبقى في نظام".
رابعاً: معارضون يخرجون رؤوسهم من الرمال
لفترة طويلة توقف كثير من رموز المعارضة المصرية في الداخل عن الكلام، قد يكون ذلك يأساً أو خوفاً أو تنسيقاً مع الدولة.
ولكن يبدو أن دعوة محمد علي غيَّرت شيئاً ما، فخرج بمواقف لم تسمع منذ فترة، فهل بثّت فيهم دعوات التظاهر أملاً في التغيير، أم أن هذه المواقف جاءت محاولة لإمساك العصا من الوسط.
وتعيد المواقف المفاجئة للمصريين، لكثير من الشخصيات التي تقف في المنطقة الرمادية بين النظام والمعارضة، ذكرى ثورة يناير/كانون الثاني.
إذ إن مثل هذه الشخصيات تكون من أوائل من يقفز من مركب أي نظام يترنح لصفوف المعارضة والعكس.
ومن أبرز المواقف التي خرجت عن صمتها بعد دعوة محمد علي، إعلان حزب "تيار الكرامة"، الذي أسَّسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، تجميد نشاطه السياسي احتجاجاً على المساس بالحريات في البلاد، عشية دعوة علي إلى التظاهر الجمعة ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقال الحزب في بيان له: "يأبى ضميرنا الوطني المشاركة في مشهد كهذا، عاجزين فيه عن دفع تلك المخاطر عن شعبنا ووطننا" .
وأضاف الحزب أن ذلك المشهد "قد يدفعنا إلى إعلان تجميد النشاط الحزبي"، موضحاً أن المشهد قائم على ما سمَّاه "إسكات الأصوات الحرة، ومصادرة كل مساحات العمل العام السلمي" .
في المقابل، قال ياسر برهامي، نائب رئيس "الدعوة السلفية"، الخميس، إنه يرفض الخروج في مظاهرات الجمعة، التي دعا لها معارضون في الخارج.
ولكن مِن أقوى التصريحات التي خرجت عشية دعوة محمد علي، قول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه على الجميع الاستعداد لمرحلة ما بعد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
وكتب نافعة عبر حسابه على موقع "تويتر" يوم الخميس 19 سبتمبر/أيلول 2019: "سواء كان محمد علي صادقاً كلياً أو جزئياً أو غير صادق، فلا شك أن الصورة التي صنعها السيسي لنفسه اهتزت تماماً، وحلَّت محلها صورة نقيضة. ولأنه كان قد أقسم أنه لن يبقى لحظة إذا أحس أن الشعب لا يريده، فقد حان الوقت لتذكيره، وتذكير كافة القوى المحبة للوطن أن تستعد بشكل منظم لمرحلة ما بعد السيسي" .
ولكن قبلها بيوم واحد قال نافعة على توتير: "رغم تحفظاتي على سياسات النظام إلا أنني لا أشجع النزول للشارع احتجاجاً عليها، وأحذر من سيناريو الفوضى الذي سبق أن نبهت إلى خطورته مراراً وتكراراً، وأناشد الجميع حكومةً ومعارضة، الشروع على الفور في اتخاذ إجراءات الإصلاح السياسي، والقيام بالمراجعات التي تكفل التداول السلمي المنظَّم للسلطة" .