إعلان القاهرة المفاجئ اليوم عن وجود تعثر جديد في مفاوضات سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا طرح تساؤلات عديدة حول التوقيت وأين وصلت مراحل بناء السد، فما هي القصة وما هي السيناريوهات المتاحة للجانب المصري حال عدم التوصل لاتفاق؟
ماذا حدث الآن؟
نشرت رويترز تقريراً، اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول جاء فيه أن مصر تقول إن إثيوبيا "رفضت دون نقاش" خطتها المتعلقة بجوانب رئيسية في تشغيل سد النهضة العملاق الذي تبنيه أديس أبابا على نهر النيل، وفي الوقت ذاته رفضت القاهرة مقترح إثيوبيا واعتبرته "مجحفاً وغير منصف".
وتظهر التعليقات الواردة في مذكرة وزعت على الدبلوماسيين الأسبوع الماضي الفجوة بين البلدين فيما يتعلق بمشروع تعتبره مصر، التي تحصل على حوالي 90٪ من مياهها العذبة من نهر النيل، خطراً على وجودها.
وتشير المذكرة التي وزعتها وزارة الخارجية المصرية، واطلعت رويترز على نسخة منها، إلى وجود خلافات أساسية حول التدفق السنوي للمياه التي ينبغي أن تحصل عليها مصر وكيفية إدارة عمليات التدفق أثناء فترات الجفاف.
أول محادثات منذ أكثر من عام!
جرت في القاهرة على مدار يومي الأحد والاثنين (أمس الأول وأمس) أول محادثات منذ أكثر من عام بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول السد الذي سيستخدم في توليد الطاقة الكهربائية. وقال نبيات جيتاشيو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، يوم الإثنين، إن الاجتماع لم يتمخض عنه حتى الآن أي نقاط اتفاق أو اختلاف، ولم يقدم رداً على ما تقوله مصر.
ولم يتسنّ الاتصال بمسؤولين مصريين للتعليق، لكن بعد المحادثات قال بيان لوزارة الموارد المائية المصرية نشرته وسائل الإعلام المحلية إن الاجتماع لم يتطرق إلى الجوانب الفنية واقتصر على مناقشة الجوانب الإجرائية.
صمت إعلامي ورسمي وكأنه لم تعد هناك أزمة!
بينما يحمل السد منافع اقتصادية لإثيوبيا والسودان، مصر تخشى أن يقيد الإمدادات المحدودة بالفعل من نهر النيل، والتي تستخدم مياهه في الشرب والزراعة والصناعة.
وبعد سنوات من الشد والجذب والخطاب العدائي في الإعلامين المصري والإثيوبي، اختلفت الأمور مع قيام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتبني لغة تصالحية تجاه سد النهضة وإعلانه أكثر من مرة أن مصر "لن تحارب أشقاءها" في إثيوبيا.
وعلى مدى أكثر من عام، اختفت أخبار سد النهضة من الإعلام المصري وكذلك من الأجندة الرسمية للنظام المصري، على الرغم من أن تقريراً صادراً عن مجموعة الأزمات الدولية هذا العام حذر من أن مصر وإثيوبيا والسودان يمكن "أن تقع في أزمة إذا لم تبرم صفقة قبل بدء عملية تشغيل السد".
اليوم تقول مصر إنها طرحت اقتراحها لملء وتشغيل السد على إثيوبيا والسودان في 31 يوليو/تموز والأول من أغسطس/آب، ودعت البلدين لحضور اجتماع لوزراء الخارجية والمياه.
وقالت مذكرة الحكومة المصرية: "للأسف، في رسالة تحمل تاريخ 12 أغسطس/آب 2019، رفضت إثيوبيا دون نقاش اقتراح مصر وامتنعت عن حضور الاجتماع السداسي".
وأضافت أن إثيوبيا اقترحت بدلاً من ذلك اجتماعاً لوزراء المياه لمناقشة وثيقة تضمنت مقترحاً لها من عام 2018.
نقطة الخلاف الرئيسية
يتفق المقترحان (المصري والإثيوبي) على أن المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد ستستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد في إثيوبيا إلى 595 متراً وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السد جاهزة للعمل.
لكن الاقتراح المصري يقول إنه إذا تزامنت هذه المرحلة الأولى مع فترة جفاف شديد في النيل الأزرق في إثيوبيا، على غرار ما حدث في 1979 و1980، فيجب تمديد فترة العامين للحفاظ على منسوب المياه في السد العالي بأسوان من التراجع إلى أقل من 165 متراً.
وتقول مصر إنها ستكون بدون هذا عرضة لفقد أكثر من مليون وظيفة و1.8 مليار دولار من الناتج الاقتصادي سنوياً، كما ستفقد كهرباء بقيمة 300 مليون دولار.
وبعد المرحلة الأولى من التعبئة، يتطلب اقتراح مصر تدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً، بينما تقترح إثيوبيا 35 مليار متر مكعب، وفقاً للمذكرة المصرية.
وتنسب المذكرة إلى إثيوبيا قولها الشهر الماضي إن الاقتراح المصري "يضع عملية ملء السد في وضع مستحيل"، وهو أمر تنفيه مصر، وتقول المذكرة: "المقترح الإثيوبي.. ينحاز بقوة لإثيوبيا ومجحف بشدة بمصالح دول المصب".
أين وصلت عملية تشييد سد النهضة؟
بدأت إثيوبيا في إنشاء مشروع سد النهضة في 2 أبريل/نيسان 2011 على النيل الأزرق بمدينة "قوبا" بإقليم (بني شنقول – جومز) على الحدود الإثيوبية-السودانية، على بعد أكثر من 980 كيلومتراً من العاصمة أديس أبابا.
وكان من المفترض أن يكتمل بناء السد عام 2017، لكن مجموعة من المشاكل السياسية الداخلية والتوترات الإقليمية، إلى جانب التمويل، أدت لتأخر ذلك حتى الآن، وبحسب الموعد المعلن من جانب حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، يفترض أن تنتهي العملية عام 2022.
سد النهضة تبلغ تكلفته نحو خمسة مليارات دولار (كانت في البداية تقدر بنحو أربعة مليارات لكن تسبب التأخير في ارتفاع التكلفة)، وتم تصميمه ليكون حجر الزاوية في مساعي إثيوبيا لتصبح أكبر دولة مصدرة للطاقة في أفريقيا من خلال توليد أكثر من 6000 ميجاوات.
وفي يناير/كانون الثاني، قال وزير المياه والطاقة في إثيوبيا إنه بعد تأخر البناء، سيبدأ السد بإنتاج الكهرباء بحلول نهاية عام 2020 وسيبدأ تشغيله بالكامل بحلول عام 2022.
بحسب آخر التقارير حول عملية تشييد السد في بداية يوليو/تموز، بلغت نسبة البناء 67% والأعمال المدنية اكتملت بنسبة 82%، بينما بلغت الأعمال الكهروميكانيكية 28%، وبحلول العام المقبل ستبدأ وحدتا توليد كهرباء العمل بالفعل لتنتج 750 ميغاواط، والمفترض تركيب 11 وحدة من تلك الوحدات.