تصدَّر أستاذ القانون والمرشح المستقل قيس سعيد الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التونسية في مفاجأة وصفها البعض بالزلزال، فمن هو الرجل الآلي، وما هي قصة صعوده الصاروخي وأسباب ثقة نحو خُمس المصوتين له بحسب المؤشرات الأولية؟
مَن هو الرجل الآلي؟
قيس سعيد من مواليد 22 فبراير/شباط 1958 أي أنه يبلغ من العمر 61 عاماً، وحصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس عام 1985، وبعدها بعام حصل على دبلوم الأكاديميات الدولية للقانون الدستوري، كما حصل على دبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني من سان ريمو بإيطاليا عام 2001.
عمل مدرساً بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة حتى عام 1999، ثم مدرساً بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، وكان عضواً في فريق خبراء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية المكلف بإعداد مشروع لتعديل ميثاق الجامعة بين عامي 1989 و1990.
متى ظهر في ساحة العمل العام؟
بدأ التونسيون بالتعرف على قيس سعيد منذ عام 2011، حينما كانت تتم استضافته بين الحين والآخر في البرامج السياسية المتلفزة، لشرح مسألة قانونية شائكة، أو غموض في الدستور.
كما تمت دعوته أكثر من مرة إلى البرلمان لحضور نقاشات تتعلق بمواضيع دستورية وقانونية، وكانت آراؤه دائماً تتسم بالموضوعية مما أكسبه مصداقية كبيرة كونه غير منتمي لتيار سياسي معين أو حزب محدد.
البعض يلقبه بالـ"روبوكوب" أو الرجل الآلي نظراً لنبرته التي لا تتغير خلال كلامه، وبحسب وصف محرر وكالة الصحافة الفرنسية، "وجه كالشمع" و"لغة تعبير جسدي" حازمة.
في الربيع الماضي، بدأ اسم قيس سعيد يظهر بقوة في استطلاعات الرأي كمرشح مستقل يحظى بقبول لدى شريحة عريضة من الناخبين أصابها الملل من الطبقة التقليدية الحاكمة والأحزاب بشكل عام، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمشاحنات السياسية المستمرة منذ عام 2011 بعد أن تمت الإطاحة بزين العابدين بن علي.
ما سر صعوده الصاروخي؟
استغل سعيد هذا الملل بين التونسيين بشكل جيد أثناء حملته الانتخابية، واعتمد على الدعاية الانتخابية المباشرة والتواجد وسط الناس، وقام بزيارة الأحياء الشعبية الفقيرة والأسواق، وتناقش مع الناخبين في مطالبهم "وجهاً لوجه".
ولم يتوانَ عن انتقاد النخبة الحاكمة أبداً، وقال في إحدى المقابلات التي أجراها سابقاً "تونس دخلت في مرحلة تاريخية جديدة ولم تعد إدارتها ممكنة بالطريقة التقليدية المعهودة".
ومن أشهر مقولاته التي يكررها كثيراً "قضاء مستقل خير من ألف دستور"، كما أعلن رفضه قانون المساواة في الميراث بين الذكور والإناث.
"الشعب يريد"
النقد اللاذع الذي يوجهه سعيد لجميع الأحزاب، يأتي دائماً مقترناً باقتراح تغيير "النظام" عبر تغيير المؤسسات، أي تعديل الدستور يليه تغيير الطرق الانتخابية ومن ثم تفكيك مركزية اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية.
ويقترح تعديل الدستور، ثم الطرق الانتخابية، وأيضاً الخروج من المركزية الاقتصادية والسياسية.
ويرفض سعيّد أي برنامج انتخابي يبيع "الأوهام" للتونسيين وتبني التزامات "لن يحققها"، وكان شعاره الانتخابي "الشعب يريد"، وعبر غير مرة عن رغبته في "إعادة السلطة للشعب"، وعن كيفية الوصول إلى تلك اللحظة، تحدث عن تأسيس "مجالس محلية"، وجعلها تشارك في السلطة، كل ذلك بهدف أن يمتلك المواطن ورقة محاسبة ممثله "الذي لا يعمل كما يجب".
وفي هذه النقطة، يقول أنه يهدف إلى وصول الشعب إلى مركز الحكم كي يضع حدّاً للفساد المستشري في تونس، وهذا ما صرّح به خلال حملته الانتخابية، ويوجه خصومه سهام النقد إليه من هذه الزاوية متهمينه بـ"الشعبوية"، أي مغازلة الناخبين بكلام مرسل يصعب تنفيذه عملياً ولا يدخل أصلاً في نطاق صلاحيات رئيس الجمهورية في تونس الذي يتولى فقط السياسات الخارجية والأمن.
مؤشرات هامة ورسائل أهم
إذا كانت شعبية أو "شعبويّة" نبيل القروي، إضافة إلى استطلاعات الرأي السابقة، دفعت بقسم من المراقبين والتونسيين إلى توقع فوزه في الجولة الأولى، فإن تصدر سعيد الجولة الأولى بحسب المؤشرات الأولية يعد زلزالاً انتخابياً بكل المقاييس.
سعيد رفض التمويل الحكومي لحملته الانتخابية ولم يتولَّ يوماً أي منصب ولا يدعمه حزب سياسي وليست لديه قنوات إعلامية تسانده ويفضل التواصل المباشر مع الناخبين، كل هذه عوامل ساعدته في كسب ثقة ناخبين فقدوا الأمل في الأحزاب والنخب الحاكمة التي صوتوا لصالحها في السنوات الثماني الماضية ووثقوا في شخص مستقل لم تطله يوماً أي شبهات فساد وعرف عنه تعففه عن المناصب.
الرسالة هنا بمثابة جرس إنذار من الشارع للطبقة الحاكمة وللأحزاب في بلد بدأت فيه الديمقراطية تعرف طريقها وتصحح نفسها، وعلى تلك الأحزاب أن تعي الدرس وتراجع برامجها وشخوصها قبل أن تصبح من الماضي.
وفي تصريح نقلته وكالة رويترز للأنباء، أرجع سعيد الفضل للناخبين التونسيين في تصدره للمرشحين في الجولة الأولى بقوله: "الشعب التونسي كأنه يحقق في هذه الساعة أهدافه أو يواصل ثورته في نطاق الشرعية القائمة" وأضاف "هذا هو الدرس تقريباً الذي يعطيه الشعب التونسي لكل العالم".