خفايا صادمة للنظام المالي العربي تتكشف، إذ أن أثرياء العرب يأخذون أموال فقراءهم، ولكن الأخطر أن السياسات المالية للحكام العرب الجدد من شأنها أن تشعل الثورات في الدول العربية من جديد.
تقرير لموقع lobelog الأمريكي كشف عن خبايا النظام السياسي والمالي العربي وكيف أن البلدان العربية الفقيرة هي التي تقدم الأموال للنخب الخليجية الثرية، عكس ما هو شائع.
لماذا حاربت دول الخليج الربيع العربي؟
يعتقد البعض أن دول الخليج الثرية والحلفاء المستفيدين منها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أدركوا الدرس الأهم من الانتفاضات الشعبية هذا العام في الجزائر والسودان وثورات الربيع العربي 2011؛ وهو أن ليس كل ما يلمع ذهباً.
استثمرت المملكة العربية السعودية والإمارات، والكويت بدرجة أقل، مليارات الدولارات خلال العقد الماضي من أجل تقويض أو تفريغ إنجازات الثورات من أجل ضمان ألا يطاردهم التغيير السياسي في المنطقة إلى داخل بلدانهم.
بينما قطر، باستراتيجية مضادة، أثارت غضب حكام السعودية والإمارات عليها، دعمت قوى التغيير في المنطقة.
ولكن الشرق الأوسط مازال مهدداً بعدم الاستقرار
المفارقة أن هذا النهج بالرغم من الاستثمارات الضخمة التي يحتاجها داخلياً من أجل التنويع الاقتصادي، والتعليم، والرعاية الصحية، قد يصل إلى نفس النتيجة التي تسعى دول الخليج إلى تجنبها؛ منطقة بها العديد من الدول التي تنتمي إلى القرن الحادي والعشرين ظاهرياً ولكنها غير قادرة على تلبية الاحتياجات المتوقعة للشباب الذين من المتوقع أن تتضخم أعدادهم المضافة إلى قوى العمل بمقدار مليون شخص على مدار الـ 12 عاماً التالية.
وتوصل صندوق الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف، في وقت سابق من هذا العام إلى أن تضخم أعداد الشباب في المنطقة سيكون سلاح ذو حدين؛ قد يمثّل تهديداً للاستقرار الإقليمي أو رصيداً للتنمية.
وذكرت وكالة الأمم المتحدة في تقرير بعنوان "جيل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2030: "تحويل التضخّم الشبابي إلى رصيد يتطلب استثمارات عاجلة وهائلة لخلق فرص للتعلم الهادف، والمشاركة الاجتماعية والعمل. وكل ذلك محدود حالياً، خاصة للشابات الإناث والفئات الأكثر ضعفاً".
لماذا تفشل دول الخليج وغيرها من الدول العربية في التنمية رغم كل هذه الأموال؟
ووصلت اليونيسيف إلى استنتاجاتها على الرغم من تبني دول الخليج خططاً ضخمة، قد تتسم بالمبالغة، تتصور أن تصبح خلال عقد أو اثنين من الاقتصاديات المتنوعة القائمة على المعرفة وتقوم بالإصلاحات الاجتماعي اللازمة لخلق الفرص لكل قطاعات المجتمع.
وإلى جانب دول الخليج الثرية، تنطبق تلك الاستنتاجات أيضاً على الدول العربية المستفيدة من هباتهم المالية ذات الدوافع السياسية.
السبب في هذا الفشل المتوقع هو طريقة استخدام القدرات المالية لدول الخليج إلى جانب الإخفاق في تنفيذ خطط الإصلاح متعددة الجوانب.
كيف تمتص بنوك الخليج ثروات المنطقة؟
يتعلق الأمر بجودة الارتقاء بخدمات مثل التعليم بقدر ما يتعلق بكيفية تشكيل الإرادة السياسية لجهود التنمية، وكيف يعود ارتفاع الدين الداخلي في بلدان مثل مصر، التي يذهب 27% من إنفاقها الحكومي على مدفوعات الفوائد، ولبنان، التي تنفق 38% من موازنتها على خدمة الدين، بالنفع على البنوك الخليجية وتعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
مؤخراً، أقدمت وكالة التصنيف الائتماني Fitch على خفض التصنيف الائتماني لدولة لبنان إلى CCC من B- بسبب "الضغط المتزايد على نموذج التمويل اللبناني وزياد المخاطر المتعلقة بقدرة الحكومة على خدمة الدين".
ويلاحظ الباحث في شؤون الخليج، روحان أدفاني، أن المؤسسات الخليجية، تستأثر بمعظم استثمارات القطاع المالي في دول مثل الجزائر ومصر والأردن والعراق وتونس وليبيا وسوريا واليمن.
وكتب أدفاني في مراجعة لدراسة الباحث الاقتصادي السياسي آدم هانيه عن التمويل الخليجي، المال، والأسواق، والملكية: "في لبنان، أكثر من 50% من الأصول المصرفية للبلاد تمتلكها بنوك ذات صلة بدول مجلس التعاون الخليجي، بينما يصل هذا الرقم في فلسطين إلى 63%، بينما يزيد في الأردن ليصل إلى 86%".
ويرى هاتيه إن الجزء الأكبر من مدفوعات الدين تذهب إلى المؤسسات المالية التي يكون من بين مساهميها الرئيسيين مؤسسات خليجية، في عملية "تتوسط فيها الدولة العربية بشكل متزايد لنقل الثروة الوطنية إلى البنوك الخليجية الكبيرة".
وبسبب هذه الديون يتوقف الاستثمار في البنى التحتية أو التعليم
ويحذر أدفاني: "الحكومات المثقلة بالديون مضطرة إلى تكثيف سياسات التقشف، مما يدفع هذه المجتمعات إلى حصار أكبر داخل دوامات الديون. وفي مرحلة ما يتوقف الاستثمار في برامج اجتماعية أو تنمية للبنية التحتية.
ولا تتمكن الحركات الشعبية من تحقيق مطالبها على مستوى الدولة بسبب متطلبات الدائنين الأجانب ورؤوس الأموال المحلية. ويلي ذلك سيناريو تُخنق فيه السياسات البديلة ويزداد تقييدها بسبب حالة الضمور التي تصل إليها اقتصادات تلك الدول".
خطط الإصلاح في السعودية تتحول إلى المضاربة.. نهج أرامكو يتغير
بالنسبة لدول الخليج فإنها تحتاج حسب التقرير، إلى بذل المزيد من الجهود لتحقيق تنويع اقتصادي حقيقي لهذا السبب، أكثر من حاجة أنظمتها الاستبدادية إلى تحسين أسلوبهم الاستبدادي وخلق فرص للشباب المضطرب في محاولة لضمان بقاء النظام واعتراف الحكومات بمسؤوليتها عن خدمة شعبها.
ونتيجة ذلك؛ نهج معيب في كل جوانب الإصلاح.
في السعودية، تحولت خطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (رؤية 2030)، التي تدعو إلى مشاركة أكبر للقطاع الخاص، إلى جهود من أعلى لأسفل تركز على سيطرة الدولة على صندوق الاستثمارات العامة الحكومية بوصفه لاعباً رئيسياً في تلك الخطة.
مع انخفاض أسعار النفط، وإقالة وزير الطاقة خالد الفالح من رئاسة شركة أرامكو مؤخراً ليحلّ في منصبه ياسر الرميان، رئيس صندوق الاستثمارات العامة وأحد المقربين من الأمير محمد بن سلمان، يثير ذلك العديد من الأسئلة حول وضع شركة النفط الحكومية قبل الطرح العام الأوليّ الذي يعوّلون عليه كثيراً.
وذكرت إلين والد، محللة الطاقة والباحثة في تاريخ شركة أرامكو، المصدر الرئيسي للدخل في المملكة، إن الرميان، في صندوق الاستثمارات العامة، أشرف على استثمارات أكثر تركيزاً على تحقيق مكاسب مضاربة أكثر من سعيه لتحقيق نمو مستدام للثروات السعودية.
وقالت والد إن ذلك يثير التساؤل حول إن كان هدف الرميان مع أرامكو هو خدمة مصالح الشركة على المدى الطويل أم مصالح صندوق الاستثمارات العامة.
وخلال هذا العام، اشترت أرامكو 70% من حصة الشركة السعودية للصناعات الأساسية (للصناعات البتروكيماوية) مقابل 69 مليار دولار في محاولة لجمع الأموال لصالح صندوق الاستثمارات العامة.
وأرجأ الطرح العام الأولي لشركة أرامكو، المقرر في عام 2018 من الأصل، حتى 2020 أو 2021. ومن المتوقع أن تعزز تلك الصفقة الضخمة من خطط النمو المستقبلية لشركة النفط العملاقة.
ومع ذلك، تحذّر والد من أن تعيين الرميان "لا يبشر بالخير بالنسبة لشركة أرامكو، لأنها نوع مختلف من الشركات، ذلك النوع الذي يحتاج إلى قرارات أكثر استقراراً على المدى الطويل".
وتركيز الخليج على الهيمنة السياسية والعوائد المالية سيأتي بنتائج عكسية
وعلى نفس المنوال، حذرت اليونيسيف من أن الفقر، والصراعات العنيفة، والقيود الاجتماعية، والنزعة الأبوية، وانتهاك الحقوق والافتقار إلى المساحات الآمنة للتعبير تحد من فرص تحقيق التنمية فضلاً عن المشاركة المدنية للشباب.
تركيز الخليج على الهيمنة الجيوسياسية، وبقاء النظام والعائد على الاستثمارات المالية ينتج عنه حلول قصيرة الأمد تؤدي غالباً إلى تفاقم حدة الصراعات، وتحقق تأثيراً هشاً واحتمالات ضئيلة جداً لتحقيق أي تنمية مستدامة.
ويقول تقرير اليونيسيف: "ونتيجة لذلك، يشعر المراهقون والشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بخيبة الأمل، خاصة مع تهميش وضعف تمثيل فئات مثل الفتيات، والشابات واللاجئين وأصحاب الإعاقات والفقراء".
ويحذر التقرير: "وصل معدل بطالة الشباب في المنطقة الآن إلى أن يكون الأعلى في العالم. تفشل أنظمة التعليم في تحضير الشباب لسوق العمل، والأسواق لا توفّر الكم المطلوب من الوظائف بشكل عاجل".
ثروات الخليج برّاقة، ولكن إذا كان تقرير اليونيسيف يعني أي شيء بالنسبة لهم، فهو يُثبت أن الذهب الحقيقي ينتج من التنمية المستدامة التي لا تفيد فقط كل قطاعات المجتمعات الخليجية، بل يمتد أثرها إلى جميع أنحاء المنطقة التي أصبحت تعتمد عليها.