الخاسرون والرابحون من قرار ترامب المفاجئ إلغاء المحادثات مع طالبان

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/15 الساعة 20:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/15 الساعة 22:34 بتوقيت غرينتش
ترامب مع عمران خان

كان قرار إلغاء محادثات مع طالبان الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دليلاً على أنه لا يمكن التنبؤ بالسياسية الأمريكية، ولكن المشكلة الأكبر أنه تركاً فراغاً كبيراً في أفغانستان.

موقع LobeLog الأمريكي أجرى حواراً مع فاطمة أمان، الخبيرة الأمريكية لجنوب آسيا، للإجابة عن بعض الأسئلة المُتعلِّقة بقرار ترامب وقف المفاوضامع طالبان مثل تداعيات هذا القرار ومن المستفيد والمتضرر منه وما البديل بعد انهيار المحادثات.

س) يبدو أنَّ ترامب علَّق، إن لم يكُن قد ألغى، مفاوضات السلام بين طالبان والولايات المتحدة. وبافتراض أنَّه لن يُغيِّر رأيه فجأةً خلال الأسبوع المقبل، فما التأثير الذي تعتقدين أنَّه سينجم عن ذلك بالنسبة لمختلف الأطراف في أفغانستان؟

من الصحيح افتراض أنَّ الرئيس ترامب ربما يُغيِّر رأيه مرةً أخرى. ويشعر البعض في أفغانستان بالارتياح لإلغاء أو تعليق الاجتماع ومحادثات السلام. لكنَّني أشُكُّ في وجود حلٍ فعَّال لحالة الجمود التي ضربت أفغانستان. ولأكون صريحة، لا يمتلك أحدٌ في أفغانستان، أو خارجها، بديلاً أفضل للوضع الراهن. فأفغانستان هي عبارةٌ عن مجتمعٍ شديد التعقيد والقبلية، ولن يختفي العُنف منها قريباً.

وبقول ذلك، يُمكن الإشارة إلى أنَّ الطريقة التي منح بها ترامب الشرعية لطالبان منذ البداية كانت خطأً كبيراً، إن لم يكُن خطيراً. وربما كان إحضار قادة الحركة إلى كامب ديفيد، في وجود أو غياب ممثلي الحكومة الأفغانية، ليُعتبر أسوأ مثالٍ على الدبلوماسية لحل النزاع! والأسوأ هو إلغاء الاجتماع، بحجة أنَّ جندياً أمريكياً لَقِيَ مصرعه خلال تفجيرٍ انتحاريٍ لطالبان مؤخراً. 

إذ ليست هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها طالبان العنف ضد المواطنين الأفغان والعسكريين الأمريكيين. وفي الواقع، فمنذ بداية محادثات السلام المزعومة؛ كثَّفت طالبان من عنفها. وهي حقيقةٌ معروفة أنَّ طالبان حاولت زيادة نفوذها قبل محادثات السلام المُحتملة مع الحكومة الأفغانية، عن طريق رفع مستوى العنف وتوسعة الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

ولقاء طالبان بهذه الطريقة كان ليُمثِّل ثاني أكبر خطأ ترتكبه الولايات المتحدة. والخطأ الأول هو حين صنَّفت طالبان بأنَّها جماعةٌ إرهابية، على غرار تصنيف تنظيم القاعدة جماعةً إرهابية. وبعكس القاعدة، لا يتبع مُقاتلو طالبان تفسيراً صارماً للإسلام. وليسوا جميعاً مدفوعين بالأيديولوجية. فطالبان هي حركةٌ أفغانية محلية، وليست مُهتمةً بالجهاد العالمي. وهناك اختلافاتٌ كبيرة بين طالبان وبين المُتمردين الأجانب، مثل القاعدة، واختلافات أكثر بينها وبين الدولة الإسلامية في خراسان الآن.

زلماي خليل زادة مع وفد طالبان/رويترز

وبالعودة إلى ترامب الذي لا يُمكن لأحدٍ توقُّعه: في ديسمبر/كانون الأول عام 2018، كتبت لمدونة LobeLog التالي: "أرسلت إدارة ترامب رسائل مُتضاربة في ما يتعلَّق بأفغانستان في الماضي. وسحب الجنود من أفغانستان يُمكن أن يُمثِّل إحدى تلك الرسائل، وربما يكون القرار خاضعاً للتغير. وكما يبدو أنَّ طالبان أدركت الآن، فإنَّ أحد عناصر صنع القرار لهذه الإدارة الذي يُلقي بظلاله على كل شيءٍ آخر: هو عدم القدرة على التنبُّؤ به".

وأعتقد أنَّ كافة شركاء وأعداء الولايات المتحدة يدركون الآن عنصر عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات إدارة ترامب.

وفي هذه الحالة، ربما كان إلغاء الدعوة المُوجَّهة لقادة طالبان أمراً إيجابياً. ولكنه يُعرِّض مصداقية أيّ اتفاق، أو محادثات ومفاوضات مستقبلية مع الولايات المتحدة، للخطر. تخيَّل أيّ شخصٍ يبدأ مفاوضات جادةً مستقبلاً مع الولايات المتحدة، في ظل علمه بأنَّ تغريدةً قد تُعلِمهُ بأنَّ الاجتماع قد أُلغِي.

وليس تأثير إلغاء الاجتماع ومحادثات السلام كبيراً داخل أفغانستان. بل يشعر بعض الأفغان بالارتياح، خاصةً أولئك الذين يُسلطون الضوء عن أوجه الشبه بين ما حدث وتخلِّي الاتحاد السوفييتي سابقاً عن حكومة محمد نجيب الله أحمدزي السابقة لطالبان. لذا فمن المُحتمل أن يتواصل عُنف طالبان، وربما بمستوى أعلى. ولكن هناك احتماليةٌ أخرى أيضاً: في حال كان إلغاء المفاوضات والاجتماع أحد تكتيكات ترامب؛ فربما ينجح الأمر إذا خلُصت طالبان إلى أنَّ زيادة العنف لن تكون له النتيجة المرجوة.

باكستان والهند.. مواقف متناقضة

س) ما ردود أفعال باكستان والهند على محادثات السلام وإلغائها؟

كانت باكستان هي الدولة الأكثر نشاطاً ودعماً لمحادثات السلام، من بين كافة جيران أفغانستان. إذ رأت باكستان فيها فرصةً لإثبات أنَّها ترغب في السلام لأفغانستان، رغم أنَّ المُشاركة الباكستانية جعلت الأفغان أكثر تشكُّكاً في العملية برمتها. وقد وضع عمران خان، رئيس وزراء باكستان، مصداقيتها على المحك وكان مُشاركاً بصفةٍ شخصية.

وإذا كان هناك درس لنتعلَّمه من كل ذلك، فهو أنَّه على عكس الاعتقاد الشائع؛ ليست طالبان دميةً باكستانية بالكامل. وافتراض أنَّه في حال ضغطت باكستان على طالبان من أجل السلام، فسيحدث الأمر بين ليلةٍ وضحاها؛ هو افتراضٌ قائمٌ على نظرية أنَّ طالبان هي جماعةٌ مُتجانسة وجيدة التنظيم.

وفي الواقع، وبناءً على إعادة التجميع الأخيرة والتغييرات في قيادة طالبان، فمن الواضح أنَّ هناك اختلافاتٌ كبيرة داخل الجماعة. مما يعني أنَّ محادثات السلام هذه، التي بدأتها الولايات المتحدة، لم تكُن لتُسفر عن سلامٍ أو نهايةٍ للعنف -حتى في حال نجاحها.

وربما تكون الهند هي أسعد القوى الإقليمية الآن بإلغاء المفاوضات. وأحد الأسباب الكبيرة لذلك هو دور باكستان النشط في المحادثات. إذ دعمت الهند وباكستان تقليدياً جماعات أفغانية مُختلفة، وخاصةً إبان الحرب الأهلية الأفغانية. وتُثير باكستان شكوك الكثير من الأفغان، الذين ينظرون إلى الهند نظرةً إيجابية. لكن الهند لم ترغب في أن يرتبط اسمها بطالبان. وأحد أسباب ذلك هو أنَّ الهنود يعتبرون طالبان بمثابة دمى لباكستان. واستثمرت الهند في أفغانستان على نطاقٍ واسع، مما يعني أنَّ زيادة العنف تُهدِّد أو تُؤخِّر المشروعات المدعومة من قِبل الهند داخل أفغانستان. ولكنهم لا يتوقعون عودة السلام والاستقرار إلى أفغانستان، في حال كانت باكستان تتمتَّع بنفوذٍ أكبر من اللازم.

إيران حاولت مغازلة طالبان

س) ماذا عن القوى الإقليمية الأخرى مثل إيران؟

ساورت إيران وروسيا والصين الكثير من الشكوك حيال محادثات سلام الولايات المتحدة مع طالبان، رغم اهتمامهم البالغ بعودة الاستقرار إلى أفغانستان. إذ افتقرت المفاوضات إلى الشفافية من وجهة نظرهم. وتشعر تلك البلاد الثلاثة بالقلق من أنَّ التمرُّد المُنبعث من أفغانستان قد يمتُدُّ إلى أراضيهم. وإيران هي الدولة الأكثر قلقاً، نظراً لكونها جارةً مُباشرةً لأفغانستان. وتأخذ تهديدات الدولة الإسلامية في خراسان على محمل الجد. وتشمل مخاوفهم أن تصل طالبان إلى السلطة في أفغانستان، أو تندلع في البلاد حربٌ أهلية يكون للدولة الإسلامية تواجدٌ كبيرٌ فيها.

وهناك اختلافاتٌ أيديولوجية بين إيران وطالبان. لكن إيران كانت مُستعدةً لإقامة علاقات دبلوماسية مع طالبان حين وصلوا إلى السلطة في التسعينيات. لكن طالبان هي من لم ترغب في صداقة إيران. وكانت علاقات الصداقة بين إيران وبين أفغانستان شبه مستحيلةٍ بسبب التواجد واسع النطاق للجماعات الوهابية السلفية في أفغانستان، والتي كانت تدعمها طالبان. وتختلف طالبان الآن عن التسعينيات. إذ تحوَّلت إلى مجموعةٌ مُتعدِّدة الفصائل، وتُعاني خلافات داخلية. ولكن لا توجد ضمانةٌ لإيران بأنَّه وبمجرد وصول طالبان إلى السلطة؛ فلن تدعو الحركة أعداء إيران الأيديولوجيين -مثل القاعدة- إلى دخول أفغانستان مرةً أخرى. وهذا صحيحٌ على نحوٍ خاص إذا كانت الحالة الاقتصادية والسياسية في البلاد قاتمةً مثلما كانت حين حكمت طالبان البلاد في الماضي -وربما كان ذلك هو أحد أسباب سماحهم لبن لادن وثروته بدخول أفغانستان.

س) هل ترغب إيران في مفاوضات سلام حول مستقبل أفغانستان على الإطلاق؟

طهران قلقةٌ أيضاً من تدفُّق اللاجئين الأفغان إلى إيران، في حال استولت طالبان على البلاد بالعنف وأطاحت بالحكومة الأفغانية. واندلاع حربٍ أهليةٍ في أفغانستان يُمثِّل أخباراً سيئة للمنطقة بأكملها، وربما يُمثِّل تكراراً للماضي الدموي حين كانت القوى الإقليمية تدعم جماعات مُسلحة أفغانية مُختلفة. لذا فهم يرغبون في إجراء مُحادثات مع طالبان، ولكن يجب أن تكون تلك المحادثات شفافةً من وجهة نظرهم، ومن الأفضل أن تكون هناك مقاعدٌ محجوزة لإيران على طاولة المفاوضات.

وفي حال أراد خصوم إيران تهديدها أو إثارة التمرد داخلها؛ فإنَّ أفغانستان هي مكان فعَّالٌ للغاية في تنفيذ ذلك. وهناك أيضاً تهديداتٌ بالتمرُّد من الحدود الغربية لإيران، وخير دليلٌ على ذلك هو محاولة إيران التواصل مع الجماعات الكردية في العراق المُجاور.

س) في رأيك، ما الحسابات التي أدَّت إلى دعوة ممثلي طالبان والحكومة الأفغانية (بمن فيهم غاني) إلى كامب ديفيد، بغرض الوصول إلى اتفاق ثنائي وبدء المحادثات المُباشرة بين طالبان والحكومة؟ أم هل كان الأمر جولةً أخرى هدفها هو التقاط بعض الصور؟

حسناً، لأكون صادقةً معك، لا أعتقد أنَّ هذه الخطوة جاءت إثر تفكيرٍ مُتعمِّق. ولكن لا أحد يعلم يقيناً. وأعتقد أن أحدهم خرج بهذه الفكرة العبقرية التي تنُص على استضافة طالبان داخل الولايات المتحدة، لرسم الرئيس في صورة أستاذ حل النزاعات. وكما شهدنا، حدث الأمر نفسه مع كوريا الشمالية. 

وربما كان الانطباع الناجم ليُسفر عن أثرٍ جيد بالنسبة لقاعدة الرئيس الجماهيرية، التي ستراه رجلاً بالقوة الكافية للجمع بين الأعداء الدمويين في مكانٍ واحد. كان من شأن ذلك أن يُساعده.

س) قد يتوقع المرء من طالبان الآن أن تُصبح أكثر عدوانيةً في ساحة المعركة، في ضوء الفشل الفوري لجهود خليل زاد الطويلة على الأقل؟

وسيتعيَّن علينا أن ننتظر لنرَ ما إذا كان ترامب استخدم تكتيك الإلغاء في اللحظة الأخيرة ليُخبر طالبان أنَّهم لن يكتسبوا أي نفوذٍ من خلال زيادة العنف. وفي حال كانت طالبان تعتقد أنَّ عليهم ألا يحرقوا كافة الجسور؛ فلن يزيدوا العنف. ولكن كما أوضحت سابقاً، لا أحد يعلم حقيقةً كيفية تنظيم طالبان بوصفها جماعة. وبذلك أعني قيادة طالبان قد تُقرِّر الحد من العنف، بغرض عدم قتل مُحادثات السلام بالكامل مثلاً. وما نزال في انتظار أن نرى حجم السيطرة التي يتمتَّعون بها على عملياتهم.

س) ماذا ستكون حسابات الجماعة في رأيك؟ وهل ستُمثِّل الحقيقة الواضحة لموافقة قياداتها على السفر إلى واشنطن العاصمة مكسباً في العلاقات العامة داخل أفغانستان، أم خسارة؟

ربما كان دافع طالبان هو الشرعية وإظهار القوة. وليس عليهم بالطبع الامتثال لأيّ اتفاقٍ توصَّلوا إليه خلال الاجتماع. وكان من شأن ذلك أن يسمح لطالبان أن تظهر بشرعيةٍ مُماثلةٍ لحكومة أفغانستان. وكان ذلك ليُمثِّل مكسباً كبيراً لها. إذ لن يكونوا قد تنازلوا، أو ألزموا أنفسهم بوقف إطلاق النار أثناء إجراء المحادثات، ولم يُضطروا إلى تغيير أيّ شيءٍ كانوا يفعلونه قبل بدء المفاوضات. وكان هذا الأمر سيُعزِّز من قوتهم. وعلى الجانب الآخر، كان الأمر ليُمثِّل إحراجاً كبيراً للحكومة الأفغانية. إذ كانت ستُصوِّر غاني في صورة الشخصية الضعيفة الأشبه بالدمية، خاصةً في حال لم تلتزم طالبان بأيّ اتفاق مع الحكومة.

مستقبل داعش

س) كيف سيُؤثِّر ذلك على حظوظ الدولة الإسلامية (داعش) في أفغانستان؟

كان من شأن الصفقة أن تُشجِّع الكثير من المُتمردين، الذين لا يُحاربون بناءً على قناعات أيديولوجية، إلى الانضمام إلى طالبان أو رؤية الجماعة بوصفها البديل الأقوى. وربما كان بعض المُتعاطفين المحليين مع الدولة الإسلامية في خراسان (داعش) سيبدأون في رؤية المستقبل مع طالبان أفضل من نظيره مع الدولة الإسلامية.

س) هل تعتقدين أنَّ ترامب ألغى المحادثات نتيجة كل ضغوط مؤسسات الجيش والسياسة الخارجية طوال الأسابيع القليلة الماضية؟ (أعلم أنَّه من الصعب إدراك ما يدور في عقله)

نعم، وخاصةً من جانب الخبراء الحزبين الذين انخرطوا مباشرةً في أفغانستان.

س) ما تقييمك لآفاق: أ- الانتخابات المُقرَّر انعقادها في أفغانستان؟ ب- واستئناف محادثات السلام مع الولايات المتحدة و/أو بدئها مع الحكومة؟

ستكون إقامة الانتخابات أكثر صعوبةً من السابق. إذ يُمكن أن يستمر عُنف طالبان، مع مستوى أعلى من العنف على الأرجح. ولن تكون هذه الانتخابات جذابةً لأنَّ قطاعاً كبيراً من أفغانستان يخضع لسيطرة طالبان.

س) إذا كُنتِ في منصب زلماي خليل زاد، فكيف سيكون شعورك الآن؟

كُنت سأشعر بالغضب. إذ فعل ما طُلِبَ منه أن يفعله. وتجدُر الإشارة إلى أنَّ احتمالية الجلوس مع طالبان كانت شبه مستحيلةٍ حتى وقتٍ قريب. وبغض النظر عن الجانب الذي تنتمي إليه؛ فلا خلاف على أنَّ خليل زاد أدَّى دوراً فعَّالاً داخل أفغانستان في الماضي. إذ ساعد في تشكيل أول حكومة، وإقامة أول انتخاباتٍ في أفغانستان، في أعقاب حُكم طالبان. لكن ذلك لا يجعل منه أستاذاً في المفاوضات الأفغانية. وتختلف أفغانستان اليوم كثيراً عن أوائل هذه الألفية. إذ تُعَدُّ طالبان الآن جماعةً مُسلَّحة كُبرى وشديدة القوة، وتُسيطر على أراضٍ واسعة. لذا أعتقد أنَّ خليل زاد راهن على مصداقيته في هذه اللعبة. وأدَّى بشكلٍ جيد في الأمور التي طُلِبَت منه.

تحميل المزيد