قبل نحو ستة أسابيع تقريباً من الموعد المحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لا أحد يمكنه التنبؤ بما قد يحدُث فعلياً على الأرض، والموضوع مفتوح فعلياً على كلِّ الاحتمالات حتى لو كان البقاء ضمن الاتحاد، ولكن ما هي أقرب السيناريوهات لنهاية المسلسل الذي دام عرضُه نحو ثلاث سنوات؟
الإجابة تناوَلَها موقع بلومبيرغ في تقرير بعنوان: "أربعة مسارات قد تأخذها دراما خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة" .
إلى أين يتجه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)؟ ما الذي بإمكان بوريس جونسون (رئيس الوزراء) فعله؟ أحمق فقط من يمكنه الحسم بتنبؤات، ولكننا سنقدم هنا بعض المسارات الممكنة.
أنْ يحصل جونسون على خروجٍ باتفاق
ربما يوافق رئيس الوزراء على رسم الحدود قبالة البحر الأيرلندي بين أيرلندا الشمالية وباقي الأراضي البريطانية، وربما تحدث انفراجة في موقف الاتحاد الأوروبي ويقدم بعض التعديلات على الأجزاء ذات الصلة من الاتفاق الذي عقده مع سلفه، تيريزا ماي، والتي تتعلق بمسألة الحدود الأيرلندية المثيرة للخلاف.
لكن هل يمكنه تمرير هذا الاتفاق المفترض ليوافق عليه البرلمان؟ نعم، من الممكن. لكن للقيام بذلك سيقتضي الأمر منه إجراء تغييراتٍ دراماتيكية لتقليل عدد المتمردين، وهم النواب المحافظون الـ28 المتمسكون بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذين لم يصوتوا لصالح اتفاق مايو/أيار، علاوةً على أن هناك اثنين منهم، وهما بريتي باتل وتيريزا فيليرز يتوليان حقيبتين وزاريتين الآن في مجلس الوزراء، لذا فمن المحتمل أن يوافقا على الالتحاق به.
ولإقناع البقية، يمكن لجونسون أن يُحاجِج بأنَّه قد حصل على أفضل صفقةٍ متاحة، وأن رفضها سيعني التراجع عن تعهُّده بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ويحتج جونسون بأن الإخفاق سيعني الموت التام لحزب المحافظين، زيادةً على تعريضه قرارَ الخروج من الاتحاد الأوروبي برُمّته للخطر.
أنْ يُصِرَّ على المضيِّ في مسار الخروج من دون اتفاق
يجد الخبراء القانونيون في الحكومة ثغرةً في القانون الذي أُقِرَّ الأسبوع الماضي لإجبار جونسون على البحث عن تمديد، أو يتجاهل جونسون الأمر ببساطة، أو يقنع الاتحادَ الأوروبي -بطريقةٍ ما- على رفض طلبه بالتمديد، ومن ثم تترك بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون أي اتفاق، في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ويتجه جونسون، الساعي إلى الحصول على الأغلبية في البرلمان، إلى انتخابات جديدة لتأمين ذلك.
وستعتمد نتائج تلك الانتخابات كثيراً على المسار الذي أخذته الأمور بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي حال لم تكن الاضطرابات المترتبة على الخروج ذات أثر كبير، كما ينبغي لجونسون أن يأمل، فسيتمكن من القضاء تماماً على حزب بريكست الذي يترأسه نايجل فاراج، ويقدم نفسه على أنه الرجل الذي كان قادراً في النهاية على تأمين الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وسيكون الهدف التالي هو الحصول على مقاعد في المناطق التي تدعم بريكست، لتعويض المقاعد التي سيفقدها من المناطق التي ستكون ساخطةً على ما قامت به الحكومة. وسيكون الخطر حينها بالنسبة لجونسون هو انتخاباتٌ يضطر فيها إلى مواجهة الشوارع المغلقة بالشاحنات، والتي ستصطفّ اعتراضاً على بوابات الموانئ، ونقص الطعام والدواء، وإفلاس المصانع وغلقها، والاضطرار -في النهاية- إلى عودةٍ مهينة إلى طاولة مفاوضات الاتحاد الأوروبي، وطلب التوصل إلى اتفاقٍ بعد كل ذلك.
أنْ يتراجع جونسون
لقد قال جونسون إنَّه يُؤثِر أن يُعثَر عليه ميتاً على قارعة الطريق، عوضاً عن أن يُؤجَّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى ما بعد 31 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه إن لم يتمكن من الحصول على اتفاق فإنَّ القانون الآن يفرض عليه ذلك.
وفي مواجهة التهديدات بالاستقالة الجماعية من حكومته إذا رَفَض الانصياع للقانون، سيضطر جونسون إلى طلب التمديد، وفي حال الموافقة عليه سيطلب من البرلمان الشروعَ في انتخابات جديدة. وهذه المرة يوافق "حزب العمال" على الانتخابات. إذ تُجري بريطانيا أول انتخابات لها في شهر ديسمبر/كانون الأول، منذ ما يقرب من 100 عام، في ظل احتجاج جونسون بأن على الشعب أن يأخذ الزمام ويقرر شكل البرلمان.
وبعد إخفاقه في الوفاء بتعهد "الخروج أو الموت" لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ سيخوض جونسون الانتخابات كرمز ضعيف، في الوقت الذي يعلن حزب بريكست للناخبين بأن فاراج هو وحده الشخص القادر على إنجاز مهمة الخروج. ومن ثم تنقسم أصوات المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي، ويغدو حزب العمال حزبَ الأغلبية في البرلمان. ويصبح جيرمي كوربن على أعتاب تولي رئاسة الوزراء، متعهداً بالالتزام بإجراء استفتاءٍ آخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أنْ يستقيل جونسون أو يُجبَر على التنحِّي عن منصبه
لا يمكنه خرق القانون، ولا يمكنه الالتفاف حوله، لكنَّه يُقرِّر في الوقت نفسه ألَّا ينصاع له، ومن ثم يعلن رئيس الوزراء استقالته، أو يحاول المضي في طريق الخروج من دون اتفاق، لكنَّه سيخسر تصويتاً طُرِحَ حول الثقة في حكومته في البرلمان، فيضطر إلى الاستقالة. ليصبح السؤال الأساسي: من سيخلُفه حينها إذاً؟
سيسعى المحافظون حينها إلى تعليق "خيانة عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي" على أي طرف آخر غيرهم، ومن ثم سيحاولون إلحاق الهزيمة بذلك الطرف في الانتخابات التي سيتحتّم إجراؤها. فقد يقترح جونسون على الملكة إليزابيث الثانية أن تدعو كوربين إلى تشكيل حكومة، لكن ربما يكون الدعم له أقل -بين أعضاء البرلمان- من الدعم الذي حصل عليه جونسون. وربما يصبح الأفضل من وجهة نظر حزب العمل أن يتولَّى شخصٌ آخر المنصب بتفويض مؤقت، لطلب تمديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وبما أن حزب العمال سيحظر ذلك التولي على أي شخص آخر من بين صفوفه، فإنه ستكون هناك حاجة إلى شخصية مستقلة أو أكثر حيادية.
ويحظى النائب عن حزب المحافظين والوزير السابق للخزانة، كين كلارك، بالاحترام على نطاقٍ واسع. وهو مسنٌّ جداً، لدرجةٍ أنه لا يمثل أي خطر بشأن محاولة البقاء رئيساً للوزراء لفترةٍ طويلة. وقد يُؤجَّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتُجرى الانتخابات، حيث سيسعى جونسون للحصول على تفويضٍ بالخروج من دون اتفاق. في حين يدافع كوربين عن عقد استفتاءٍ ثان، غير أنَّ حزب العمال سيكون لا يزال منقسماً، فيخرج نائب رئيس الحزب، توم واتسون، ليلقي خطاباً يوم الأربعاء، يقول فيه إنَّ الاستفتاء الثاني على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجب أن يأتي أولاً قبل الشروع في انتخابات جديدة.