المأزق البريطاني.. كل الحلول تؤدي إلى أزمة، لكن الورقة الأخيرة بيد الملكة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/09/11 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/11 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية / رويترز

زلزال سياسي ضرب بريطانيا الأسبوع الماضي بعد انشقاق نائب من حزب المحافظين، وانتقاله إلى حزب الديمقراطيين الأحرار، مما أفقد حزب الحاكم الأغلبية التي كانت له في مجلس العموم بفارق مقعد واحد، مما فتح الباب أما كل الاحتمالات السيئة في البلاد، لكن يظل الحل الوحيد في عودة الأمور إلى طبيعتها بيد الملكة إليزابيث الثانية التي قد تتدخل في اللحظة الحاسمة، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.

ماذا حدث؟

انشق النائب في حزب المحافظين فليبل لي عن حزب المحافظين، وبدَّل مقعده في حزب آخر مما دفع رئيس الوزراء بوريس جونسون لقطع كلمته عن العلاقات التجارية، وعلق قائلاً: "أتمنى لصديقي الكريم كل التوفيق".

وذهب تأثير تلك الضربة إلى أبعد من ذلك، فبحلول يوم الأربعاء 4 سبتمبر/أيلول، خسر جونسون أول تصويت برلماني له (في أول هزيمة يعانيها حزب المحافظين منذ عام 1894) بـ299 صوتاً مقابل 327، إذ صوّت ائتلاف من حزب العمال والديمقراطيين الأحرار، إضافة إلى المحافظين المتمردين لصالح منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق. 

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون/ رويترز

وإذا لم تُقدّم خطة مناسبة بحلول 17 أكتوبر/تشرين الأول، فإن مشروع القانون يضطر جونسون إلى تقديم طلب تمديد آخر إلى ما بعد الموعد النهائي المقرر في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ورداً على ذلك، طرد جونسون 21 نائباً برلمانياً من حزب المحافظين، بمن فيهم وزير الخزانة البريطاني السابق فيليب هاموند، وكينيث كلارك (العضو البرلماني عن المحافظين منذ 1970)، ونيكولاس سواميس حفيد وينستون تشرشل.

ما هي الطرق المتبعة؟

وبحسب المجلة الأمريكية، فإن ما يُتبع عادةً مثل تلك الهزيمة المهينة هو تشكيل حكومة جديدة، سواء من خلال تحالف جديد من نواب البرلمان القائم بالفعل أو من خلال انتخابات تشريعية جديدة، إلا أنه، بطريقة ما، لا يبدو أن أياً منهما أمر مرجح الحدوث.

وفي تعليقه على ذلك، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصحفيين: "بوريس يعرف كيف يفوز. لا تقلقوا بشأنه. سيكون على ما يرام"، في الوقت الذي بدا فيه مسروراً وواثقاً بأن نسخته الأخرى عبر المحيط بإمكانها إدارة الأمور. غير أن تلك الثقة لم تكن بالقدر نفسه لدى المقربين من جونسون. إذ بعد التصويت والإجراءات التي اتخذت لتطهير حزب المحافظين من المتمردين، استقال جو جونسون، وهو وزير دولة برلماني محافظ وشقيق رئيس الوزراء في الوقت ذاته، من منصبه بعد خلافات لم يمكن حلها، علاوة على أن جو جونسون كان قد صوت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016.

الأغلبية الآن في البرلمان البريطاني لصالح عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي ومعارضة لجونسون. والبديل المحتمل، الذي تفضله غالبية نواب حزب العمال في البرلمان، هو أن يرأس زعيم الحزب جيرمي كوربين حكومة انتقالية ويشرع في مفاوضات تؤمّن خروجاً باتفاق من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن رفض الديمقراطيين الأحرار والمحافظين السابقين وحفنة من المنتمين لحزب العمال الذين لا يزالون على غير راضين بالتصويت لصالح الاشتراكي الديمقراطي المسن، يجعل هذا الأمر مستحيلاً. ومن ثم فإنه لا توجد شخصية موحدة للجميع لتشكيل الحكومة وخلافة جونسون في ظل التشكيل الحالي للبرلمان البريطاني.

ماذا في يد جونسون؟

وفي الوقت نفسه، فقد دعا جونسون إلى انتخابات جديدة، إذ يأمل في الحصول على أغلبية برلمانية من حزب المحافظين تتمتع بكامل السلطات وتنهي ما عُيّن في منصبه من أجل القيام به. فبرلمان مكون من أغلبية محافظة سيلغي ببساطة مشروع قانون عدم الاتفاق ويعيد الأمور إلى الوضع الذي كان قائماً في الأسبوع الماضي.

ويعلق فريد غراي، نائب رئيس تحرير مجلة The Spectator البريطانية، وهي المجلة ذاتها التي كان بوريس جونسون يرأس تحريرها في الفترة من عام 1999 إلى عام 2005،  بالقول: "أعتقد أن سياسيينا سيئين للغاية: فعلى كلا الجانبين، سواء الداعين للبقاء أم الخروج، مستوى عالٍ للغاية من النرجسية والغباء الذي يخنق أي تقدم سياسي في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، علاوة على أن "أعضاء البرلمان الداعين للبقاء هم الأسوأ بالنسبة إلي. فهم يحاولون الآن تجنب إجراء انتخابات عامة ليتمكنوا من إغراق حكومة المحافظين أكثر فأكثر، في الوقت الذي يبدو من الواضح كلياً أن الانتخابات هي عين ما نحتاج إليه".

هل الانتخابات الجديدة هي الحل؟

هل تسلِّم بريطانيا مؤسس ويكليكس إلى الولايات المتحدة؟
أسانج يثير خلاف بين أكبر حزبين في بريطانيا/رويترز

ومع ذلك، فإن إجراء انتخابات جديدة، قبل 31 أكتوبر/تشرين الأول، يبدو أكثر خطورة بالنسبة إلى الداعين للبقاء في الاتحاد الأوروبي. إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن المحافظين يتفوقون على حزب العمال بفارق عشر نقاط على مستوى بريطانيا. وفي حين أن هناك جدلاً بشأن النتيجة التي ستقود إليها الأمور في المقاطعات كل على حدة، فإن الواقع هو أنه ليس ثمة ما يدفع الناخبين للإقبال على الاقتراع مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، فبدون أغلبية الثلثين في البرلمان التي تكون على استعداد للدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، سيظل جونسون عالقاً بلا أفق واضح.

وتلك الحالة، أن يفتقر رئيس الوزراء إلى كتلة انتخابية حاسمة ويعاني من رفض أغلبية البرلمان لبرنامجه الأساسي، لكن مع عدم إقدام البرلمان ذاته على إجراء تصويت بحجب الثقة لإزاحته عن السلطة، هي حالةٌ لم يسبق لها أن جرت قط في تاريخ المملكة المتحدة.

الحل بيد الملكة

سيُطرح مشروع القانون للتصويت في مجلس اللوردات البريطاني يوم الجمعة 13 سبتمبر/أيلول، حيث سيُقر. وهكذا، فإن آخر بوابة خروج محتملة من الأزمة هي بوابة أطول ملوك بريطانيا عهداً، الملكة إليزابيث الثانية.

إذ تحتفظ الملكة بحقها الملكي، وهو حق النقض النهائي على كل القرارات التي يصدرها البرلمان. ورغم أن الملوك البريطانيين دائماً ما صدّقوا بالموافقة على مستشاريهم المعينين منذ أوائل القرن السابع عشر وأصبحوا مجرد ختم إقراري رسمي بحكم القانون، فإن الواقع هو أنه لم يسبق قط أن عرضت مثل تلك الحالة، أي أن يكون هناك مشروع قانون يعارضه رئيس الوزراء لكن يدعمه برلمان يرفض تولي السلطة في الوقت ذاته.

فعندما تلتفت الملكة الآن بحثاً عن دعم وزرائها، إلى مَن ستوجه أنظارها؟

تحميل المزيد