تواجه صفقة الغاز الطبيعي البارزة، التي أُبرمت في العام الماضي 2018 بين إسرائيل ومصر تحدياتٍ قانونية، ومخاوف بشأن تهديدات أمنية من تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات مسلحة، مما يلقي بظلالٍ من الشك على تنفيذ الصفقة التي تلقَّت إشادةً إسرائيلية وأمريكية، ووصفت بأنَّها "علامةٌ على تعميق العلاقات بين البلدين" .
وكان من المفترض أن تبدأ مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي في شهر مارس/آذار الماضي، في إطار الصفقة التي تبلغ قيمتها 15 مليار دولار، وكانت الصفقة تهدف كذلك إلى كسر جمود العلاقات الباردة منذ عقود بين البلدين المتجاورين.
لكنَّ إسرائيل لم تبدأ ضخَّ الغاز حتى الآن، مبرِّرة ذلك بظهور تعقيداتٍ بشأن خطِّ الأنابيب الذي يربط بين البلدين، وبعض الجوانب الأخرى في الصفقة.
"عقبات بيروقراطية" إسرائيلية
تقول صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين إنَّ العقبات البيروقراطية في إسرائيل هي سبب التأخير، مشيرين إلى أنَّ المشروع قد يبدأ في شهر يناير/كانون الثاني المقبل. فيما لم يرد المسؤولون المصريون على طلبات التعليق.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ تأخير ضخّ الغاز أسفر عن إبطاء خطط مصر الرامية إلى جعلها مركز تصدير لاحتياطيات الغاز الطبيعي الضخمة الجديدة المكتشفة في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة، وهذا بحدِّ ذاته خسارة كبيرة للقاهرة. إذ تهدف القاهرة إلى تسييل الغاز الطبيعي الإسرائيلي والغاز الذي تستورده من دولٍ أخرى لتصديره إلى أوروبا أو بيعه محلياً.
وفي السياق نفسه، يشير بعض المحللين والأشخاص المقربين من المشروع إلى وجود عقباتٍ أخرى، من بينها المخاوف الأمنية، كما تقول الصحيفة الأمريكية.
ومن المفترض أن يتدفق الغاز عبر خطّ الأنابيب المُنشأ سلفاً بين إسرائيل ومصر، عبر جزء من البحر الأبيض المتوسط وشبه جزيرة سيناء، حيث أعاد الفرع المصري لتنظيم داعش تأكيد وجوده في الأشهر الأخيرة، إذ يدَّعى أنَّه قتل أكثر من 300 شخص في مصر في النصف الأول من العام الجاري 2019، ونفَّذ العديد من الهجمات على مواقع عسكرية في شمال سيناء.
إسرائيل ترمي بحجج التأخير على مصر
ومن جانبه قال زاك جولد، الخبير المتخصص في شؤون حركات التمرُّد في مؤسسة CNA، وهي شركة استشارات أمنية تعمل مع الحكومة الأمريكية، متحدثاً عن مصر: "إذا كانوا غير قادرين على حماية أنفسهم وبنيتهم التحتية، فسيكون من الصعب عليهم حماية هذه البنية التحتية لخطوط الغاز" .
وعلى صعيدٍ آخر، شهدت المحاكم المصرية رفع دعوى قضائية تُطالب ببطلان الصفقة، مما يُشكِّك في قدرة السلطات المصرية على إقناع الشعب المصري، الذي يشك بشدة في إسرائيل، بهذه الصفقة التي تحمل حساسيات سياسية.
وكذلك رفعت شركة PTT Energy Resources التايلاندية الحكومية دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية، تُطالب فيها بتعويض قيمته مليار دولار بسبب صفقة سابقة أبرمتها مصر مع إسرائيل بشأن توريد الغاز، لكنَّها انهارت بعدما هاجم مسلحون خط الأنابيب، مما أجبر مصر على إغلاقه في عام 2012، وفقاً لوثائق اطلعت عليها صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
دعاوى ضد مصر والسيسي
وتقول الشركة، التي كانت مساهمة في تشغيل خط الأنابيب، في الدعوى التي رفعتها على مصر أمام محكمةٍ مصرية إنها حُرِمَت من العائدات حين توقف تدفق الغاز. وتتضمَّن الدعوى اسم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومسؤولين مصريين آخرين وشركات نفط وغاز مصرية. إذ بدأت المحاكمة يوم الثلاثاء 6 سبتمبر/أيلول.
وقد تستمر هذه الدعوى عدة سنوات، مما سيلفت الانتباه باستمرار إلى انهيار صفقة الغاز السابقة، التي وافقت فيها مصر في عام 2005 على بيع غاز بقيمة 2.5 مليار دولار لإسرائيل، عبر خط الأنابيب نفسه.
وجديرٌ بالذكر أنَّ هذه الصفقة السابقة أصبحت رمزاً للفساد في مصر، بسبب اتهامات بأنَّ مصر باعت الغاز الطبيعي لإسرائيل بسعرٍ أقل من سعر السوق مقابل الحصول على رشاوى. وفي عام 2012، حُكِم على وزير نفط مصري سابق ورئيسٌ سابق لشركة الغاز الحكومية ورجل أعمال بارز بالسجن بتهمة إهدار الأموال العامة في تلك الصفقة، التي لاقت كذلك معارضةً من المصريين، الذين ما زالوا متشككين حيال علاقات بلادهم مع إسرائيل.
عقبات كبيرة أمام القاهرة
وفي هذا السياق، قال مسؤولون مصريون إنَّهم لن يستوردوا الغاز من إسرائيل حتى يتمكنوا من حلِّ القضايا المرفوعة أمام التحكيم الدولي ضد مصر، بسبب إغلاق خط الأنابيب في عام 2012، لكنَّ أحد المسؤولين التنفيذيين في شركة غاز شرق المتوسط المصرية، قال إنَّ عملية التقاضي لا يمكن أن تهدد تدفق الغاز. فيما قال وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس إنَّه لا يتوقع أن تشكل الدعوى التايلاندية عقبةً كبيرة.
هذا وتخطط إسرائيل ومصر الآن لاختبار تشغيل خط الأنابيب في الشهر الجاري، على أن يبدأ ضخ الغاز المتوفر تجارياً، في يناير/كانون الثاني المُقبل، وفقاً لوزير الطاقة الإسرائيلي ومسؤولٍ تنفيذي مصري في إحدى شركات الطاقة.
إذ قال شتاينتس: "كانت هناك بعض العوائق البيروقراطية، لكنني أعتقد أن معظمها قد انتهى بالفعل الآن" .
يُذكر أنَّ وزارة الخارجية الأمريكية توسَّطت في صفقة الغاز الإسرائيلية المصرية التي أُبرمت في العام الماضي، والتي كانت تهدف إلى إطلاق شراكةٍ بين البلدين في مجال الطاقة، لكنَّ هذه الشراكة تعثَّرت بسبب التأخير البيروقراطي والقضايا الأمنية والتقاضي.
وقال المسؤول التنفيذي لشركة غاز شرق المتوسط، إنَّ الدعوى القضائية ستمثِّل "صداعاً" لشراكة الغاز بين البلدين. وعلى صعيدٍ آخر، تُسلِّط الدعوى القضائية الضوء على كيفية إسهام صفقات الغاز الحالية والماضية بين مصر وإسرائيل في تعزيز سيطرة أجهزة الأمن المصرية القوية على قطاعات رئيسيةٍ في الاقتصاد المصري.
إذ ذكرت وثائق الدعوى، التي اطَّلعت عليها صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية أنَّ عمر سليمان، الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة في مصر، شارك في محادثاتٍ مع الشركة التايلاندية قبل استثمارها في شركة خطوط الأنابيب المصرية.