للمرة الثانية في أقل من ستة أشهر تنعقد في إسرائيل انتخابات عامة والسبب هو الموقف الخطير الذي يواجهه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإما يحتفظ بمنصبه ويحصل على الحصانة من الملاحقة القضائية وإما مواجهة نهاية مخزية لمشواره السياسي، ولكن ما هو دخل الفلسطينيين المباشر بالموقف؟
الإجابة نجدها في تقرير مفصل نشره موقع المونيتور الأمريكي بعنوان: "صفقة قرن نتنياهو: الحصانة مقابل ضم الضفة".
لا يوجد اتفاق مكتوب بين حزب يامينا (اليمين الجديد) ونتنياهو، ولم يكن هناك حتى مصافحة، لكن مع اقتراب انتخابات 17 سبتمبر/أيلول وتسريب معلومات مُحرِجة للصحافة من التحقيقات التي تجريها الشرطة بشأن فضائح رئيس الوزراء العديدة، يبدو أنَّ كل شيءٍ يصير أوضح. وبات الأمر علنياً الآن. إذ يتعهَّد نتنياهو بـ"سيادة" المستوطنين، ما يعني الضم الكامل لأراضي الضفة الغربية، في حين يعترف ممثلو المستوطنين -قادة حزب يامينا أيليت شاكيد ونفتالي بينيت وآخرون- في المقابل بأنَّهم سيمنحونه الحصانة من أي إجراءاتٍ جنائية.
عداوات شخصية ولكن
لا يهم كم يسخر نتنياهو وأسرته من شاكيد وبينيت، ولن يهم كيف يلاحقون وينشرون المواد المحرجة عنهما وعن أسرتيهما، فبينيت وشاكيد يَعِدان المصوِّتين لهما بالصفقة ذاتها التي عقداها مع نتنياهو: الحصانة لنتنياهو مقابل السيادة للمستوطنين.
قرَّر نتنياهو في الأول من سبتمبر/أيلول بدء العام الدراسي الجديد في مستوطنة الكانا في الضفة الغربية. وبينما كان هناك، كان لديه القليل ليقوله بشأن المنظومة التعليمية. لكن كان لديه الكثير ليقوله بشأن ضم الأراضي، فأعلن قائلاً: "بعون الله، سنفرض السيادة اليهودية على كل المستوطنات كجزءٍ من أرض إسرائيل ودولة إسرائيل.. لن نُبعِد أي أحدٍ من هنا".
اتخذ نتنياهو من خلال هذا التصريح العريض خطوة إضافية نحو التعهُّد بضم المستوطنين. وخلال مقابلةٍ تلفزيونية في السادس من أبريل/نيسان الماضي قبل الانتخابات السابقة بثلاثة أيام، ردَّ نتنياهو على سؤال بشأن ضم تجمُّع مستوطنات غوش عتصيون قائلاً إنَّ ضم الضفة الغربية سيكون تدريجياً. وقال: "نعم، سنتحرك ببطء وعلى مراحل نحو الخطوة التالية في فرض السيادة الإسرائيلية على أراضي يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". وبالنسبة للمستوطنات الأصغر، التي يُعَد البعض منها نقاطاً غير قانونية بالفعل، أوضح نتنياهو: "لا أُميِّز بين تجمُّعات المستوطنات والمستوطنات الصغيرة المعزولة. فكل بقعة بها مستوطنة هي جزءٌ من إسرائيل بالنسبة لي. نحن مسؤولون عنها، ولن أنقلها للفلسطينيين". لكنَّه لم يذكر الضم الكامل آنذاك.
يريد الحصانة بأي ثمن
والآن، عشية انتخابات سبتمبر/أيلول، ألزم نتنياهو نفسه بفرض السيادة الإسرائيلية على كافة أراضي الضفة، أو بعبارة أخرى، بضم كافة المستوطنات. ويعتقد أنَّه يتمتع بالدعم الأمريكي في هذا أيضاً، بما أنَّ إدارة دونالد ترامب ستدعه يمضي بكل ما يريده تقريباً. وبعبارة أخرى، هذا ليس كلاماً فارغاً. بل هذا وعد يمكنه الوفاء به. وهذا الوعد ذهبي، على الأقل حسبما يرى المستوطنون.
والآن يحين دور اليمين في هذه "الصفقة". إذ يجب عليهم دعم رئيس الوزراء حتى يتمكَّن من تنفيذ سياسة الضم التي يقترحها. بعبارة أخرى، عليهم أن يمنحوه الحصانة.
المهم هو دخول الكنيست
بالنسبة لشاكيد، بدأت العملية برمتها بمجرد فشل حزب "اليمين الجديد" الذي تتزعمه في تجاوز عتبة الأصوات اللازمة لدخول البرلمان ووجدت نفسها خارج الكنيست. ووفقاً لتقرير أوردته صحيفة Haaretz الإسرائيلية، فعلت شاكيد كل ما بوسعها للانضمام إلى حزب الليكود، لكنَّها لم تستطع تجاوز المعارضة الشديدة من جانب زوجة رئيس الوزراء سارة نتنياهو. إذ نقل شخصٌ مقرب من شاكيد رسائل إلى فريق نتنياهو، قالت فيها إنَّها ستدعم منح رئيس الوزراء الحصانة، بل وستستخدم حتى نفوذها على المدعي العام أفيخاي ماندلبليت لصالح نتنياهو. لكن حتى هذا لم يساعد شاكيد. وكما يتضح، فإنَّ العداء والمقاطعة التي فرضتها عائلة نتنياهو عليها كانت أقوى من أي رغبة في الحصانة.
ومؤخراً، جاءت وعود الحصانة من اتجاهٍ آخر. ففي 31 أغسطس/آب الماضي، قال بينيت في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية عشرة: "لابد أن يحدث شيء شديد كي نعارض منح الحصانة لنتنياهو". وفي حين أنَّه لم يوضح أبداً ما الذي يقصده بـ"شيءٍ شديد"، لكن كان واضحاً للجميع أنَّ بينيت نحَّى للتو الأخلاقيات وسيادة القانون جانباً من أجل ضمان السيادة الإسرائيلية للمصوتين المستوطنين، الذين يُمثِّلون قاعدة الناخبين الأساسية لحزبه يامينا.
دعمت شاكيد، التي اختيرت مؤخراً زعيمةً لحزب يامينا بعد فشل كل جهودها للانضمام إلى الليكود، شريكها في يامينا. وقالت: "بينيت على حق". وأضافت: "إذا قرَّر رئيس الوزراء المثول أمام لجنة الكنيست لطلب الحصانة، سندرس كل شيء ونبني قرارنا على أساس ما هو أفضل لدولة إسرائيل".
لم تذكر شاكيد عملية الضم صراحةً. لكنَّها فضَّلت دمجها ضمن قضايا أخرى مثل الاقتصاد والأمن القومي والنظام التعليمي والرعاية الصحية. وأضافت: "لا يمكننا التركيز فقط على حصانة نتنياهو. علينا الحديث عن المسائل ذات الأهمية"، لكن ما كانت تقوله حقاً واضحٌ للجميع. فإذا لم يحصل نتنياهو على الحصانة، لن تكون هناك عملية ضم. وافهموا الأمر كما تشاؤون.
تغير جذري في الموقف
وبالمناسبة، من الجدير بالذكر أيضاً أنَّ شاكيد هي الأخرى أخذت خطوة كبيرة إلى الأمام لتطبيق ضم كل أراضي الضفة. فجادلت في فبراير/شباط 2017 بأنَّ فرض السيادة الإسرائيلية على كامل الضفة الغربية من شأنه أن "يؤدي إلى نهاية الدولة اليهودية.. لكن علينا ضم المنطقة ج (الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية).. بإمكان البلاد بالتأكيد التعامل مع منح المواطنة لـ90 ألف عربي آخرين". أمَّا بالنسبة للمنطقة أ (الخاضعة للسيطرة الفلسطينية) والمنطقة ب (الخاضعة للسيطرة المدنية الفلسطينية)، كانت شاكيد تعتقد آنذاك أنَّ الحل يكمن في كونفيدرالية إقليمية. لكنَّها الآن تتحدث عن عملية ضم أوسع بكثير.
فقبل أسبوعين، في 21 أغسطس/آب، قامت شاكيد وأعضاء آخرون بحزب يامينا بزيارة إلى مستوطنة الكانا -نعم، هي المستوطنة نفسها التي زارها نتنياهو هذا الأسبوع- وتعهَّدت بالضم الكامل. فبينما كانت هناك، طرحت شاكيد خطتها لتخفيض أسعار الإسكان. وقالت إنَّ "منطقة تل أبيب الكبرى مزدحمة بنفس قدر غزة تقريباً، وباهظة بقدر نيويورك". ولم ترف لها عين حتى أثناء عقدها تلك المقارنة السخيفة. وكان الحل الإبداعي، كما تصفه، هو بناء منازل لنصف مليون يهودي في السامرة (الشطر الشمالي من الضفة الغربية).
يمقتها لكنه عقد صفقة معها
لكن كيف ستقوم بذلك؟ وكيف سينتقل نصف مليون إسرائيلي لا يستطيعون تحمل تكلفة شقة في وسط البلاد إلى السامرة الغربية؟ الأمر كله بسيط: عن طريق منح الحصانة لقاطع الوعود الكبير بنيامين نتنياهو.
نعم، الأمر صحيح. من المُرجَّح للغاية أنَّ نتنياهو يمقت شاكيد. إذ كشفت تسجيلات، أذاعتها القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة يوم الثاني من سبتمبر/أيلول 2017 بين نتنياهو ووزير الاتصالات آنذاك أيوب قرا، أنَّ مجرد ذكر اسمها يجعله يصيح بغضب. وقول إنَّ زوجته سارة لا تحب شاكيد هو الخلاصة التي تجعلنا نفهم السبب. لكنَّ كلاً من بينيت وشاكيد مُتبلِّدا الإحساس. فبعد الإخفاق في إعادة انتخابهما في أبريل/نيسان الماضي، لا شيء أهم بالنسبة لهما من العودة إلى الكنيست. وكيف سيحققان ذلك؟ بالتعهُّد بمنح نتنياهو الحصانة. وفي المقابل، سيتعهَّد هو لهما بالضم الكامل لأراضي الضفة الغربية.