يخشي الكثيرون تكرار السيناريو المصري في تونس وأن يلقي عبدالفتاح مورو مرشح النهضة في الانتخابات الرئاسية، مصير الرئيس المصري الراحل محمد مرسي بشكل أو بأخر، ويعتبرون أن الحركة أمام اختبار تاريخي فاصل.
ولكن أستاذ العلوم السياسية المصري البارز، خليل العناني، يرى أن ترشح مورو المثير للجدل للانتخابات الرئاسية هو أيضاً اختبار للعلمانيين التونسيين.
في مقال نُشر بموقع Middle East Eye البريطاني يقول عنان إن التحدي الذي يمثله مورو للعلمانيين ليس في كونه فقط مرشحاً ذا شعبية، بل في أمور أعمق بكثير تتعلق في صميمها بالمشاكل التي واجهت الربيع العربي.
فيما يلي نص المقال
هل يُمكن أن يتقبَّل العلمانيون في تونس سعي الإسلاميين للوصول إلى السلطة؟
يُمثِّل قرار حزب حركة النهضة، الذي يعد أكبر حزب سياسي في تونس، بترشيح نائب رئيسه عبدالفتاح مورو لخوض انتخابات الرئاسة، في منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، نقلةً نوعية ستُسفر عن عواقب كبيرة على الحزب، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
ومع أنَّ بعض قياديِّ الحزب يختلفون مع قرار تقديم مرشح للرئاسة، لكنَّهم يحترمونه وفقاً لمبدأ التشاور في الحزب.
ومن اللافت للنظر أنَّ القرار حصل على موافقة هائلة من 98 من أعضاء مجلس شورى الحزب، الذين حضروا اجتماع الترشيح (ويبلغ عدد الأعضاء الإجمالي في المجلس 150 عضواً).
هذا ويُعَد مورو، وهو محامٍ يبلغ من العمر 71 عاماً، وأحد الآباء المؤسسين لحركة النهضة، أحد أكثر قادة الحزب اعتدالاً. ويشغل كذلك منصب رئيس البرلمان مؤقتاً بعد وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، في يوليو/تموز الماضي.
غموضٌ كبير.. هل تجاوزوا الخط الأحمر؟
منذ إعلان ترشيح مورو، تباينت ردود الفعل بين الترحيب الحَذِر والخوف والرفض. وتعكس هذه المشاعر المتضاربة غموض مصير التجربة التونسية، لكنَّ هذا الغموض يعد سمة أساسية من سماتٍ الانتقال الديمقراطي نفسه.
إذ قال المحلل السياسي مختار خلفاوي لموقع Middle East Eye البريطاني، إنَّ مورو يُمكن أن يصل بسهولة إلى الجولة الثانية، لكنَّه من المستبعد أن يفوز في الانتخابات الرئاسية. وقال متحدثاً عن مورو: "بالنسبة لعامة الناس، فصورة الشيخ ورجل الدين تغلب على صورة المحامي والسياسي، لكن من الواضح أنَّ هذا هو أفضل ما لدى الحركة لهذا المنصب" .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ عملية الانتقال الديمقراطي عادةً ما تنطوي على نتائج غير مؤكدة.
وبينما يقول بعض المراقبين إنَّ حزب النهضة تجاوز "خطه الأحمر" الذي كان يتمثل في عدم التنافس على السلطة بترشيح أحد قادته للرئاسة، يرى آخرون أنَّ هذه فرصة للحكم على الإسلاميين وفاعليتهم في الحكم.
ما هي فرص فوزه؟
يصرُّ البعض على أنَّ مورو لن يكون قادراً على حكم البلاد، حتى قبل بدء السباق الانتخابي. وتعكس ردود الفعل هذه المخاوف بشأن احتمال وقوع تونس في فخ الاستقطاب والانقسامات السياسية والأيديولوجية، الذي وقعت فيه عمليات الانتقال الديمقراطي الأخرى في العالم العربي.
وبالنظر إلى النكسات التي عصفت بحركة الربيع العربي في السنوات الأخيرة، فهذه المخاوف لها ما يبررها. وما زالت هناك آمال، وإن أصبحت خافتة الآن، في التغلب على هذه العقبات، وتمكين تونس من التحرُّك نحو تعزيز الديمقراطية.
انقساماتٌ بين الإسلاميين بسبب الخوف من تكرار السيناريو المصري في تونس
وفي الوقت نفسه، ينقسم الإسلاميون في الدول العربية الأخرى حول قرار النهضة بترشيح مرشح للرئاسة، إذ يرحب البعض بالقرار، معتبرينه خطوةً نحو تطبيع علاقة الإسلاميين بالسياسة، ويرونه خروجاً عن دائرة الخوف من التنافس على السلطة، وتحرُّراً من التردد التاريخي في اتخاذ تلك الخطوة.
غير أنَّ البعض الآخر يرى أنها تشكل مخاطرة -أي خطوة خاطئة يمكن أن تخلق الكثير من المشكلات- ليس فقط بالنسبة للنهضة، ولكن للتجربة الديمقراطية الناشئة في تونس ككل. إذ يعتقدون أنَّ فوز مورو في الانتخابات فقد يثير رد فعل حاداً محلياً وإقليمياً، لاسيما في ظل المواجهة الشرسة المستمرة بين المحور المناهض للثورة (مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية) وقوى الإسلام السياسي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ التجارب السلبية للإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة في السودان والجزائر ومصر وفلسطين والمغرب وتركيا ليست مشجعة للإسلاميين، أي أنَّ الصراع على السلطة قد يضرهم أكثر مما قد ينفعهم.
فربما يكون الإسلاميون قلقين بشأن شبح التجربة المصرية الذي ما زال يلوح في الأفق؛ إذ شهدت مصر نجاح الدولة العميقة والنخب "المدنية" في قلب الطاولة على جماعة الإخوان المسلمين بعد صعودها السلطة.
ولكنه اختبارٌ للقوى العلمانية والديمقراطية
وعلى صعيدٍ آخر، يُمثل ترشيح مورو كذلك اختباراً للقوى والنخب العلمانية والديمقراطية في تونس وخارجها.
فبقدر ما قد يُمثِّل ترشيحه تحدياً لشعبية حزب النهضة وقدرته على اجتذاب الناخبين، يُمثِّل كذلك تحدياً سياسياً وأخلاقياً للنخب والأحزاب العلمانية لقبول مرشح إسلامي، وعدم الوقوع في فخ الترهيب والتشويه والإقصاء، بغض النظر عمَّا إذا كان سيفوز أم لا.
ويمثل ترشيح مورو كذلك لحظةً فاصلة، لحظةً ستكشف مدى التزام النخب التونسية بقواعد اللعبة الديمقراطية، دون الانخراط في سيناريو التشويه والإعاقة. وسيكشف عن صلابة تجربة تونس الديمقراطية وعملية الانتقال فيها.
أي أنَّ السؤال الأساسي الآن ليس ما إذا كان مورو سيفوز بالرئاسة، بل ما إذا كان غير الإسلاميين سيتقبلون مرشحاً إسلامياً -وربما رئيساً إسلامياً في حال فوزه- ويتغلبون على مخاوفهم الموروثة حيال الإسلاميين، من أجل تجنُّب الأخطاء الكارثية التي ارتكبها نظراؤهم في مصر.