قضت دعاء ودلال الشويكي خمس سنوات وهما تضعان خطة تهدف إلى الهروب من السعودية. وفي مطلع يونيو/حزيران، سنحت لهما الفرصة بالهروب في أثناء قضاء الأسرة إجازة خارج البلاد.
حين دخل والدهما إلى حمام الفندق بإسطنبول، طلب من زوجته الثانية مراقبة البنتين، فما كان من دعاء إلا أن أخبرت أختها الأصغر دلال بارتداء حذائها؛ ولم تصحبا معهما سوى هاتفهما، وتركتا حجابهما لتلوذا بالفرار، حسبما ورد في تقرير صحيفة Vice الأمريكية.
وعن هذا الموقف، قالت دعاء التي تبلغ من العمر 22 عاماً: "رغم وضعنا المأساوي الذي تمثل في شح المال، وعدم امتلاكنا أي شيء، وأننا وجدنا أنفسنا فجأة في الشارع، كنت أضحك وأقول لنفسي: (انظري إلى ما فعلناه للتو!)، ولاحقاً فهمنا فداحة الموقف، والكارثة التي نحن فيها".
لماذا هربت الفتاتان من أسرتهما؟
كانت الأختان تفران من حياة وصفتاها بالقاسية. وتقولان إنهما كانتا تتعرضان للضرب باستمرار، ومُنعتا من الذهاب إلى أي مكان دون وليٍّ ذكر، ودون نقاب. كما تقولان إنهما كانتا على وشك أن تجبرا على الزواج برجلين لا تعرفانهما، عمر أحدهما ضعف عمرهما.
ولكن بعد أيام من فرارهما، وجدتا نفسيهما في أزمة أخرى: تحاولان البقاء على قيد الحياة في الشوارع دون جوازات سفر أو أموال، وتكتبان رسائل استغاثة بائسة على شبكات التواصل الاجتماعي.
كانتا تسابقان الزمن: فإذا لم تتمكنا من العثور على دولة للاستقرار فيها، سيكون بوسع والدهما العثور عليهما وإعادتهما إلى السعودية. وهناك، آمنتا بأنهما ستواجهان عقاباً قد يصل إلى الموت جزاء لعصيانها.
أما دلال التي تبلغ من العمر 20 عاماً، فقالت: "شعرت بالخوف والتوتر في آن واحد. كل ما كنت أفكر فيه آنذاك هو أن والدي سيظهر فجأة أمامنا".
والوالد ينفي مزاعم الزواج القسري والإساءة
أما والد الأختين فينكر من جانبه كل مزاعم الإساءة والزواج القسري، ويقول إنه لا يعرف لماذا هربت الفتاتان.
غير أنهما تقولان إنهما كانتا محرومتين من القيام بأشياء بسيطة حين كانتا أصغر سناً، مثل مشاهدة التلفاز أو اللعب خارج المنزل، وكانتا ملزمتين بتغطية جسديهما بالكامل. وحين تتحدثان عن طفولتهما، تسري قشعريرة في بدنيهما من هول الذكريات.
في هذا الصدد قالت دعاء: "حين كنت بالتاسعة أو في الحادية عشرة من العمر، أجبروني على ارتداء الحجاب والنقاب والعباءة التي تغطي الجسم من الرأس وحتى أخمص القدمين. لم أعش قط طفولة طبيعية تسمح لي بالخروج واللعب".
والآن، وبعد أكثر من شهرين على فرارهما، لا تزال الأختان مختبئتين في إسطنبول، وتقضيان نحو 24 ساعة يومياً بمكان سري.
في هذه الأثناء تنتشر قصتهما بجميع أنحاء العالم، لتسلط الضوء على حياة القمع التي تعيشها نساء وبنات السعودية، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.
السلطات السعودية تدفع مالاً من أجل العثور عليهما
على مر التاريخ، ألزمت قوانين الولاية النساء بالحصول على إذن من ولي ذكر للسفر أو الزواج أو العمل أو لمجرد مغادرة المنزل، في كثير من الأحيان.
وفقاً لدعاء ودلال، أخبرتهما السلطات التركية بأن والدهما ومسؤولي الحكومة السعودية يعرضان المال على بعض الناس للعثور عليهما.
ولم ترد القنصلية السعودية في إسطنبول على طلبات موقع Vice News بالتعليق على تلك المزاعم، غير أن دعاء ودلال تشعران بالرعب.
وطوال الليل تظل عيون دعاء معلَّقة على النافذة؛ بحثاً عن أي سيارة مشبوهة.
وتقول دعاء: "أستيقظ ليلاً كل ساعتين للنظر من النافذة والنظر في هاتفي الجوال. أشعر بالخوف دائماً، وأقول لدلال: (انظري إلى السيارة التي مرت هنا للتو! لا شك في أن أبي فيها).
ثمة سيارة سوداء ضخمة، لا شك في أنه شخصٌ من السفارة"، وهي هنا تشير إلى القنصلية نفسها التي قُتل فيها الصحفي السعودي جمال خاشقجي العام الماضي.
أما دعاء فتقول: "أرى في منامي كل ليلة أن أبي جاء ودخل الغرفة ووجدنا".
تغييرات جذرية في وضع النساء بالمملكة
في الثاني من أغسطس/آب، أعلنت المملكة تغييرات على نظام الولاية، من شأنها أن تسمح لكل من تزيد أعمارهم على 21 عاماً، رجالاً ونساءً، بالتقدم بطلب للحصول على جواز سفر والسفر به دون حاجة إلى إذن ولي.
كما تسمح التغييرات المعلن عنها للنساء بتسجيل المواليد والوفيات وحالات الطلاق. غير أنه لا يزال من غير الواضح الكيفية التي سيتم بها تفسير تلك القوانين حتى يتم تطبيقها في وقتٍ لاحق من الشتاء الجاري.
كما لا تزال بعض القيود غير واضحة، وضمن ذلك ما إذا كانت النساء سيحتجن إذناً من الولي للزواج، وهو الأمر الذي يتسبب بالمقام الأول في هروب النساء.
ولكن الناشطات النسويات مستهدَفات
وفي حين يدَّعي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إدخال الحداثة إلى بعض أجزاء المملكة بالسماح للنساء بقيادة السيارة ورفع حظر السفر عن النساء، بالإضافة إلى إصلاح نظام الولاية، فإنه أيضاً قد صعّد حملته لتتبع المعارضين واستهدافهم، وهو أمرٌ تخشاه دعاء ودلال.
ويقول المحامي المتطوع لتولي قضية الفتاتين دعاء ودلال: "ما نراه على مدار الأشهر الاثني عشر أو الثمانية عشرة هو حملة على المعارضين.
أي حملة على الناشطات النساء. وقد زج بعدد من الناشطات النساء البارزات في السجن، وكثير منهن يتعرضن للضرب والتعذيب. ومن ثم فإن الإشارة إلى أننا نتطلع إلى عصر جديد داخل المملكة أمرٌ مثير للضحك ولا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد".
ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش، فإن النساء غالباً ما يهربن بسبب العنف الأسري، والقمع السياسي، والزواج القسري؛ وأن عدد النساء الهاربات يتزايد.
زيادة كبيرة في عدد طلبات اللجوء السياسي من قبل السعوديين
وقد تقدم ما يقرب من 800 سعودي بطلب لجوء سياسي في عام 2018، بعد أن كان عدد طالبي اللجوء عام 2012 مجرد 195 شخصاً، غير أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تدرك كيف أن عديداً من هؤلاء الأفراد من النساء.
وتقول دعاء ودلال إنهما لم تسمعا بأي حالة هروب في أوساط صديقاتهن، غير أن عديداً من النساء في السعودية يحلمن بالحرية.
وقالت دلال: "ما من فتاة في السعودية تقبل بهذه الحياة التي يتحكم فيها الرجال. لا كلمة للفتيات على حياتهن، حتى وإن كانت قرارات تافهة؛ كل حياتهن في يد الرجال. أنا لا أقبل بهذا لنفسي. أنا أعرف أن لي حقوقاً؛ وهذه الحياة بالنسبة لي جحيم"، حسب تعبيرها.
أرسل إليهن أفراد من العائلة وأصدقاء رسالة على تطبيق الواتس آب وسناب شات وتويتر، ليخبروهما بالعودة إلى منزلهما. وحين أرسلت إليهما زوجة أبيهما رسالة تطلب منهما لقاءها في مصر حيث تعيش، انفجرتا من الضحك.
قالت دعاء: "هذا هراء!". وأضافت أختها: "أنا لستُ غبية".
تسابق الأختان الزمن لإعادة ترتيب أوضاعهما عكس رغبة أبيهما في إعادتهما، وتشمل هذه الجهود مشاركة من الحكومة السعودية وفقاً للأختين.
قالت دلال: "بالنسبة لي أعرف أن السعودية ستحاول إعادتي إلى أرض الوطن. أنا واثقة بهذا بنسبة 100%".
تركيا تمنحهما بطاقة هوية للحصول على حماية دولية
هما الآن مسجلتان لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وتحت حماية الأمم المتحدة، غير أن هذا لا يشمل توفير الحماية الشخصية أو توفير منزل آمن بشكل رسمي.
وقد منحت وزارة الداخلية التركية لهما بطاقة هوية للحصول على حماية دولية، وبذلك فهما ليستا عرضة لخطر الترحيل. يحاول كادمان أن يحصل لهما على لجوء في دولة ثالثة، غير أنه سيُطلب منهما إعادة توفيق أوضاعهما.
وقال كادمان: "نحن نتحدث عن فتاتين شابتين معرضتين للخطر في أي لحظة. وإن حدث هذا… فستكون مسؤوليتهما في رقبة الأمم المتحدة والسلطات التركية والدول الأخرى التي لم تستجب لنداءات الاستغاثة للحصول على مساعدة".
وفي هذا الصدد قالت دعاء: "سأقتل نفسي قبل أن يقتلوني". بل إن الفتاتين خططتا للكيفية التي ستنهيان بها حياتهما؛ إيماناً منهما بأن البديل أسوأ.
ولكن، ثمة لحظات من الأحلام الوردية تنتابهما. مثل حلم التزلج خارج غرفة النوم، أو تعلُّم الموسيقى دون أن تتعرضا للعقاب، أو استكمال دراستهما والذهاب إلى حفلات إمينيم.
كما أن لديهما حالة من الهوس بتسريحات الشعر وتذكران هذا الأمر كثيراً. وحين تتحدثان عن أحلامهما للمستقبل، فإن ما تريدانه أكثر من أي شيء آخر هو راحة البال.
وفي هذا السياق همست دلال: "أنا متعبة للغاية، وكل ما أريده أن أشعر بالأمان".
وحتى ذلك الحين، ورغم المخاطر المحدقة بهما، لا تزالان ترفعان صوتهما بما تريدان.
وفي هذا الصدد قالت دلال: "إذا متُّ أو حدث شيء لي، فسأكون قد تركت خلفي شيئاً ما. صورةٌ وحضور يثبتان أنني كنت هنا".