تشهد المملكة المتحدة حالةً من الفوضى السياسية قبل أقل من شهرين من التاريخ المحدد لمغادرة الاتحاد الأوروبي بأي شكل، كما أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون، وهذا الأسبوع وجدت الملكة إليزابيث الثانية نفسها فجأة في وسط العاصفة، فما هو دور الملكة السياسي في أزمة بريكسيت؟ وهل بإمكانها أن تتخذ قراراً مخالفاً لما تريده الحكومة؟
ما هي صلاحيات ملكة إنجلترا؟
وقَّعت الملكة الأربعاء 28 أغسطس/آب على قرار تعليق عمل البرلمان لمدة 23 يومَ عملٍ، في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ بريطانيا، وذلك بناء على "نصيحة ملزمة" من رئيس الوزراء.
وكلمة السر هنا هي "نصيحة ملزمة"، فبحكم الدستور الذي ينظم العلاقة بين العرش والحكومة تجد الملكة نفسها ملزمة باتباع "نصائح" رئيس الحكومة، أو بمعنى أكثر مباشرة عليها أن تنفذ ما يراه صالحاً.
جو ميركنز، الخبير الدستوري في كلية لندن للاقتصاد، يرى أن "الملكة لا يجب أصلاً وضعها في هذا الموقف، ولكن ما حدث قد حدث".
جونسون من جانبه يصر على أن خطوة تعليق عمل البرلمان "إجراء صحي" يحتاجه قبل أن يحدد خيوط سياسته المحلية، لكن منتقديه يرونها خطوة تهدف إلى "منع ممثلي الشعب" من القيام بواجبهم في وقف مغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
القادم أصعب
هذا الصراع المحتدم بين الجانبين وضع الملكة في موقف لا تُحسد عليه، حيث إن سيناريو الموقف لا يحمل أكثر من احتمالين، أولهما وأقربهما للواقع أن ينجح مجلس العموم في التصويت على قرار يمنع الحكومة من مغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وعندها لن يكون أمام جونسون سوى أن "ينصح الملكة" بألا تضع "الخاتم الملكي" على قرار البرلمان ليصبح نافذاً.
المأزق الذي وجدت الملكة نفسها فيه يتمثل الآن في أن موافقتها على قرارات جونسون بدأت تعرضها لنيران المعترضين على سياساته بشأن مغادرة الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، وما ينتظرها فيما هو قادم قد يكون أصعب بكثير مما حدث حتى الآن.
"من الصعب جداً جداً على الملكة ألا تتبع نصيحة الحكومة، كما أنه لا يوجد دليل على أن جونسون يسعى لتفادي تصويت بحجب الثقة فلو أراد النواب ذلك يمكنهم تنفيذه قبل تعليق أعمال البرلمان"، بحسب روبرت هيزيل أستاذ القانون الدستوري في جامعة لندن الدستورية، مضيفاً: "الموقف كله وضع الملكة تحت الأضواء".
السيناريو الثاني
يتمثل هذا السيناريو في قيام البرلمان بالتصويت على حجب الثقة عن حكومة بوريس جونسون، وعندها لابدَّ من الدعوة لانتخابات عامة مبكرة، ومع ضيق الوقت قبل الموعد المحدد للخروج نهاية أكتوبر/تشرين الأول، قد يلجأ جونسون أيضاً لتأخير موعد إجراء الانتخابات، وعندها قد "ينصح الملكة" مرة أخرى بتأخير الدعوة للانتخابات إلى ما بعد موعد الخروج.
هذه السيناريوهات تعيد الأمر مرة أخرى للسؤال الأساسي، هل يمكن للملكة أن تخالف ما يريده رئيس الحكومة؟
والإجابة تكمن في التقاليد الراسخة وغير المكتوبة في الدستور البريطاني، وهي ببساطة: الملكة تنفذ ما يخبرها به رئيس الحكومة، بمعنى آخر لا يمكن للملكة أن تعارض جونسون في أي قرار يريده، والمعنى نفسه كان عنواناً لتقرير مطوَّل نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية: "لا يمكن للملكة أن تفعل أي شيء بشأن بريكسيت".
القصة هنا هي أن مصطلح "نصيحة ملزمة" هي عبارة تبدو خادعة، فالنصيحة الملزمة هنا هي المقصود بها أن الملكة لا تملك من أمرها شيئاً فيما يتعلق بسياسات المملكة المتحدة، وعليها فقط أن تضع "خاتمها الملكي" على ما يقدمه لها رئيس الوزراء من قرارات.
الإشكالية الحالية التي ربما لا تكون مسبوقة في التاريخ البريطاني هي ما يحدث من صراع بين الحكومة والبرلمان، حيث سيكون على الملكة أن تقرر من خلال مستشاريها القانونيين أياً منهما هو الممثل الشرعي للشعب، الحكومة أم البرلمان.
وهناك ما يشبه الإجماع على أن الملكة إليزابيث ستلتزم بالأعراف الدستورية الراسخة، وستنفذ أية "نصائح ملزمة" يقدمها بوريس جونسون طالما ظل رئيساً للوزارة، وبالتالي يمكن القول إن "ملكة إنجلترا" لا تملك اتخاذ أي قرار مصيري في مسألة بريكسيت.