الشرخ الواضح في التحالف بين السعودية والإمارات له آثار عميقة على الأوضاع في المنطقة بشكل عام، لكن يظل الوضع المعقَّد في اليمن هو الأكثر تأثراً بذلك التباعُد الإماراتي عن السعودية، لماذا، وما هي انعكاسات ذلك على مستقبل اليمن؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تناولت التغيُّر في الموقف الإماراتي وانعاكاساته على سير المعارك في اليمن، في تقرير بعنوان: "الإمارات تنسحب جزئياً من شراكتها مع السعودية في اليمن، فما أسباب أهمية ذلك؟"
تصدُّع في التحالف
شهدت الحرب المعقَّدة الوحشية للسيطرة على اليمن تصدُّعاً في أحد التحالفات الرئيسية، إذ كان أحد أسباب استمرار حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي حتى الآن الدعم الذي تحصّل عليه من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والذي يضم الإمارات العربية المتحدة، لكنَّ ذلك بات الآن موضع شكّ.
خلفية الوضع الحالي
حتى الآن، تتعاون المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لدعم الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والمتمركزين في شمالي البلاد. ولكن في وقتٍ سابق من الصيف الجاري، بدأ الانفصاليون في جنوب البلاد مهاجمة قوات الحكومة اليمنية، على أمل السيطرة على الجزء الجنوبي من البلاد، بهدف إقامة دولةٍ مستقلة في جنوب اليمن مرةً أخرى.
وفي وقتٍ سابق من الشهر الجاري أغسطس/آب، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على قواعد عسكرية في مدينة عدن، التي اتَّخذتها الحكومة اليمنية عاصمةً لها، بعدما طردها الحوثيون من الشمال. وما زال المتمردون الحوثيون الذين تدعمهم إيران يسيطرون على المناطق الشمالية الغربية المهمة. فيما فقدت حكومة هادي المزيد من المناطق الاستراتيجية في جنوب اليمن، بعدما استولى عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تُدرِّبه وتدعمه الإمارات العربية المتحدة.
وهذا سيخلط الأوراق بعض الشيء، فبوجهٍ عام يريد التحالف العربي طرد الحوثيين المدعومين من إيران والمتركزين في الشمال. ومع أنَّ الإمارات ما زالت جزءاً من التحالف ومتحالفة مع السعودية، فإنَّها تدعم الانفصاليين في جنوب اليمن لأسبابٍ خاصة بها، وسنستعرض هنا ما يجري:
سحب القوات الإماراتية
في الشهر الماضي يوليو/تموز، أعلنت الإمارات أنها ستسحب قواتها من ميناء الحديدة الشمالي. وفي محاولةٍ منها لطمأنة المجتمع الدولي بأنَّ هذا القرار اتُّخِذ بالتنسيق مع السعودية، أوضحت أنَّها تحاول فقط اتّباع الشروط المنصوص عليها في اتفاقية السلام التي أُبرمت في ستوكهولم برعاية الأمم المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وجاء إعلان الإمارات في الوقت الذي كانت فيه إيران تنتهك شروط الاتفاق النووي، وتهاجم ناقلات النفط في الخليج. وفي الوقت نفسه، نشر المتمردون الحوثيون أدلةً على أنَّهم نفذوا هجماتٍ بطائرات من دون طيار على مطاراتٍ في الإمارات.
وبعبارة أخرى، يُمثِّل انسحاب الإمارات من الحديدة تراجعاً منها عن السياسة المتشددة التي تتبناها السعودية والولايات المتحدة ضد إيران. وبذلك، تشير الإمارات إلى إيران بأنَّها تريد الحلول الدبلوماسية بدلاً من المواجهة العسكرية في مضيق هرمز بين البلدين.
والأدهى من ذلك أنَّ خروج القوات الإماراتية من عدن جعل أبوظبي تقف في موقف المتفرج أمام طرد قوات حكومة هادي من المدينة على يد المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تدعمه الإمارات. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ شرارة العنف في المدينة اندلعت في اليوم التالي لزيارة وفد إماراتي إلى طهران، بسبب هجومٍ على قواتٍ موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي أعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسؤوليتهم عنه، ومع ذلك، بدأ المجلس شنّ هجماته ضد حكومة هادي، بداعي أنَّها كانت وراء الهجوم.
جنوبٌ مفتت
تدخَّلت السعودية في اليمن، في مارس/آذار من عام 2015، لإعادة حكومة هادي إلى السلطة، ومنع الحوثيين من الاستيلاء على المزيد من المناطق الاستراتيجية. لكنَّ الإمارات لم تبدأ إرسال قواتٍ ومعدات إلى اليمن إلَّا في يونيو/حزيران من العام نفسه، بسبب اهتمامها بميناء عدن.
وفي عام 2016، ومن أجل استعادة الشعور بالنظام في عدن، بدأت الإمارات تشكيل ما أصبح يُعرف باسم قوة الحزام الأمني، التي تضمَّنت مجنَّدين من المقاومة الجنوبية. ومع أنَّ هذه القوات كانت خاضعة لقيادة الحكومة اليمنية رسمياً، كانت معروفةً على نطاقٍ واسع بأنَّها قواتٌ موالية للحركة الانفصالية الجنوبية. وبدعم قوات الحزام، مكَّنت الإمارات القوات التي تسعى إلى انفصال الجنوب.
ولإرضاء الإمارات، ضمَّ هادي أعضاء من حركة الاستقلال الجنوبية في الحكومة المحلية في عدن. ونتيجةً لذلك، تمكَّن أعضاء الحركة من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في مايو/أيار من عام 2017، لتمثيل الجنوب.
وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي 2018، كان المجلس قد تحدَّى الحكومة بالفعل حين استولت قواته المدعومة من الإمارات على جميع مناطق عدن ومعسكراتها العسكرية تقريباً من حكومة هادي. ومن أجل الاحتفاظ ببعض السلطة في الجنوب، اضطر هادي إلى الاعتماد على المجلس. وبدوره عزَّز المجلس نفوذَه في مؤسسات الدولة المحلية، في ظلِّ تعيين أنصاره في مناصب حكومية. وبإحكام السيطرة على عدن في 10 أغسطس/آب الجاري، أكمل المجلس ما بدأه في العام الماضي. ومع أنَّ المقاومة الجنوبية اعترفت بأنَّ هادي هو الرئيس الشرعي، كان من الواضح دائماً أنَّها تدافع عن الجنوب للحصول على الاستقلال مرة أخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ المجلس لا يحظى بدعمٍ متساو في جميع المحافظات الجنوبية؛ فمع تناثر ولاءات الجماعات المسلحة والقبائل وتغيُّرها، سرعان ما بلغ المجلس حدود توسعه العسكري في محافظة شبوة، التي تقع شرق عدن. وبعدما حاول المجلس السيطرة على البنية التحتية الحيوية للنفط والغاز الطبيعي، بدأت السعودية في تعزيز موقف هادي على الأرض، بدفع رواتب للقوات الموالية للحكومة. وإذا استمرَّت قوات هادي في تقوية وضعها واستعادة الأراضي في عدن من المجلس، فقد تفقد الإمارات نفوذها في اليمن.
صراعٌ عالق على السلطة
يمكن القول إنَّ دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي يُعرِّض شراكتها مع السعودية للخطر. إذ تُقدِّم السعودية والإمارات نفسيهما على أنَّهما جبهةٌ موحَّدة، لكنَّ هادي الذي يقيم في الرياض والمدعوم منها يضغط على الإمارات من منفاه في الرياض؛ كي تُظهر صدق التزامها بأهداف التحالف العربي في اليمن. إذ ألقى الرئيس اليمني باللوم على الإمارات في استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، وطالب بإخراج الإمارات من التحالف. ورداً على ذلك، ذهب مسؤول أمني سابق في الإمارات بعيداً، بالإشارة إلى إمكانية اغتيال هادي.
هذا، وتحاول السعودية والإمارات تسهيل المفاوضات بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي. لكنَّ حكومة هادي ترفض المشاركة في المناقشات، إلى أن يعيد المجلس إليها السيطرة على عدن وغيرها من المناطق الجنوبية، وبدوره لن يتنازل المجلس عن الاعتراف به ممثلاً للجنوب.
خلاصة القول، إنَّ الوضع في اليمن ما زال في حالة تغيُّر مستمر، وستظهر الإمارات التزامها للسعودية، ولن تتخذ خطوة جريئة أخرى في اليمن، ما لم تكن القوات التابعة لها بالوكالة في موقف قوةٍ على الأرض، وستتفق الإمارات مع الأهداف السعودية ما دام هادي على رأس صراعات السلطة.
ولا شكَّ أنَّ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي العسكرية على عدن تُهدِّد وحدة أراضي الدولة اليمنية، وفي حال استمرار وجود المجلس في الجنوب والحوثيين في الشمال، ستخسر السعودية الحرب، ومع استمرار تغير الوضع في الجنوب سيكون للإمارات والسعودية تأثيرٌ مباشر في شكل الدولة اليمنية في المستقبل.