بشكل مفاجئ وغير متوقع خطفت قوات الحكومة الشرعية الداعمة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الضوء جنوب البلاد، بعد سيطرتها على مناطق كبيرة في محافظة عدن التي أعلن الانفصاليون الجنوبيون المدعومون من الإمارات طرد قوات الحكومة منها.
- ماذا حدث؟
مع مطلع يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب 2019، أعادت قوات هادي السيطرة على مناطق هامة في عدن وطردت ميليشيات الحزام الأمني التابعة للإمارات من قصر معاشيق ومطار عدن، بعد معارك ضارية في محافظات شبوة الغنية بالنفط وأبين، دون أن يعرف السبب الحقيقي وراء هذه الخطوة.
هذا التطور الهام على الأرض دفع الكثير من المحللين للتساؤل عن الأسباب الرئيسية التي غيرت سير المعارك على الأرض، فهل ما حدث هو موقف يمني خالص أم بتنسيق مع السعودية أم أن القصة برمتها مسرحية لامتصاص غضب اليمنيين من التحرك الإماراتي المنفرد؟
خلال السطور القادمة سنحاول إيجاد إجابة عن هذه الأسئلة.
- هل بالفعل خلاف بين الإمارات والسعودية حول اليمن؟
المتابع للعلاقة بين الإمارات والسعودية يلمح بسهولة وجود خلاف واضح بين الحليفين الخليجيين في ملفات هامة، أبرزها اليمن، بسبب خلاف الأجندات بين الطرفين، التي بحسب وكالة رويترز أغضبت الملك سلمان.
إذ قالت مصادر مطلعة لرويترز إن الملك سلمان خطا هذا الشهر في قصره بمكة خطوة غير مألوفة، فأبدى "انزعاجه الشديد" من الإمارات، أقرب الشركاء العرب للمملكة.
والمصدر المباشر للتوتر هو حرب اليمن الطاحنة. ومنذ أشهر تتزايد الاحتكاكات بسبب هذا الصراع الذي كان من المنتظر في بدايته أن يستمر بضعة أسابيع، لكنه طال لسنوات، وسقط فيه عشرات الآلاف، ولا تبدو له نهاية في الأفق.
أما السبب الأشمل فهو القرار الذي يبدو أن الإمارات اتخذته بالتحول لخدمة مصالح وطنية أضيق، وإظهار نفسها في صورة الشريك الأكثر نضجاً الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدماً من دون الرياض، وهو ما حدث مع الانفصاليين في الجنوب.
- لماذا انزعج الملك سلمان؟
وبحسب رويترز، فإن انزعاج الملك جاء في محادثة دارت وقائعها يوم 11 أغسطس/آب مع الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الذي يحظى بدعم المملكة.
كانت قوات هادي في عدن قد منيت لتوها بهزيمة على أيدي قوات تدعمها الإمارات، عندما انقلب الطرفان المتحالفان اسمياً في جنوب البلاد على بعضهما بعضاً في صراع على السلطة.
إلا أن بعض الدبلوماسيين يقولون إن الإمارات قبلت فكرة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وإنها تشعر بالحساسية للانتقادات الموجهة للكارثة الإنسانية والضربات الجوية التي يشنها التحالف، وأسفرت عن مصرع مدنيين وعجّل تزايد التوترات الخاصة بإيران بهذا القرار.
وقال دبلوماسي غربي: "لم يُستقبل ذلك بطريقة إيجابية. فقد شعر السعوديون بأنهم جرى التخلي عنهم".
وتقول أبوظبي إن هذا التحرك تم بالتنسيق مع الرياض مقدماً وعكس حقائق واقعة على الأرض مع تحرك الأمم المتحدة لتمهيد السبيل أمام محادثات السلام.
كل ما سبق يؤكد حالة الخلاف الدائرة بين الإمارات والسعودية، ومن ثم اعتبرت الرياض أن الوضع في اليمن لابد أن يحسم بشكل ما حتى لا تسمع لأبوظبي بفرض أجندتها في اليمن على حساب الأمن القومي السعودي الذي يرى أن تقسيم اليمن يعد مخاطرة كبيرة، فيما لا ترى أبوظبي ذلك.
- هادي تحرك منفرداً بعدما وجد نفسه رهينة في الرياض!
على مدار الأعوام الأربعة الماضية دائماً ما تثار الشكوك حول عدم قدرة الرئيس اليمني على اتخاذ قرار بشكل منفرد بعيداً عن السعودية والإمارات، ومن ثم بات قراره في يد دول التحالف.
لكن بحسب مصدر خاص لـ "عربي بوست"، فإن هادي تحرك منفرداً بعدما انزعج بشكل كبير من تحركات الانفصاليين المدعومين من الإمارات في محافظة شبوة، وحين تحدث مع السعوديين بضرورة وقف التدخل لم يجد آذاناً مصغية من الرياض، أو على الأقل لم تبدِ أي موقف داعم له، مما دفعه للتحرك منفرداً.
وعقب ذلك، حققت قوات هادي نجاحاً كبيراً في صد قوات الحزام الأمني عن محافظتي شبوة وأبين، وبعدها توجهت القوت إلى عدن، معقل الحكومة المؤقتة، مما دفع السعودية لركوب الموجة مع حكومة هادي حتى تكسر شوكة الإمارات في الجنوب، أو على الأقل توجه رسالة واضحة لأبوظبي بأن مفتاح اليمين في يد الرياض فقط.
ولعل ما يؤكد هذه الروايات الطريقة التي غيرت فيها وسائل الإعلام السعودية من نبرتها بشأن العمليات في الجنوب، ففي الوقت الذي كانت لا تعطي اهتماماً كبيراً لما يحدث، تحول خطاب قناتي العربية والعربية الحدث حول القصة، وكثفتا التغطية بشكل كبير وباتتا تعتبران التقدم من قِبل قوات هادي نصراً كبيراً للشرعية، وعزفت هذه القنوات بعيداً عن النهج الإماراتي، رغم وجود هذه القنوات في دبي.
- تنسيق سعودي إماراتي محسوب!
من الاحتمالات الواردة في هذا الأمر ما يتعلق بتنسيق إماراتي سعودي دقيق في هذه الواقعة بالتحديد، خوفاً من زيادة الغضب اليمني تجاه أبوظبي والرياض، وأيضا غضب الرأي العام العالمي بعد تحركات الجنوبيين للانفصال، مما يفتح جبهة جديدة من الحرب الأهلية.
هذا التصور يستند على أن الإمارات والسعودية وجدتا أن الأمور في اليمن وصلت لنقطة خطيرة، وأن اليمنيين باتوا يشعرون بالضجر بشكل كبير بسبب ما آلت إليه الأمور من دمار وحرب دون تحقيق فائدة، واعتبار ما تقوم به قوات التحالف بأنه احتلال من قِبل السعودية والإمارات وليس دعماً للبلاد من أجل عودة الشرعية.
ومن ثم غضت الإمارات والسعودية الطرف لتحرك قوات هادي في الجنوب من أجل استعادة بعض المدن الهامة، لكن دون سقوط عدن بشكل مباشر، من أجل امتصاص غضب اليمنيين، لكن في نفس الوقت تظل السيطرة على المدينة بالكامل مقسمة بين الرياض وأبوظبي.
ولعل ما يدعم هذا الاتجاه، الأنباء التي تحدثت عن عودة محدودة لقوات الحزام الأمني المدعومة إماراتياً في بعض مناطق عدن بما فيها المطار أيضاً. اذ التقطت صوراً لقائد قوات الحزام الأمني هاني بن بريك أمام مطار عدن، فيما زعمت وسائل إعلام إماراتية سيطرة الانفصاليين الجنوبيين على عدن مرة أخرى.
وهذا الأمر قد يراه البعض في صالح الإمارات التي لا تريد أن تفك عرى التحالف مع السعودية في هذا الوقت، وتريد أن تمارس استغلالاً كبيراً للسعودية في خدمة الأجندة الإماراتية.
- كيف سينعكس ذلك على المعركة في اليمن؟
وبعيداً عن السبب الرئيسي لهذه التطورات، إلا أنها ستعنكس بشكل مباشر على الأوضاع الميدانية في اليمن، هذا التحول الهام قد يعود بالسلب بالتأكيد على الحوثيين الذين يعولون بشكل كبير على الخلاف بين معسكر التحالف حتى يصبحوا في مأمن إلى حد كبير من أجل ترتيب الأوراق والتقاط الأنفاس والتركيز في المعركة السياسية القادمة، التي على ما يبدو قد تكون مقبلة بعد تسريبات عن دور أمريكي للمفاوضات السياسية بين الحوثيين وهادي.
فصبيحة الخميس 29 أغسطس/آب 2019، أعلن الحوثيون قصف مناطق سعودية هامة مثل مطار أبها من أجل تشتيت القوات الحكومية والتحالف، للرد على قوات الحوثي.
أيضاً في حال استمرت قوات هادي في السيطرة الكاملة على عدن وفرض هيمنتها، قد يفتح هذا الأمر شهية هذه القوت لمزيد من الزحف على المدن اليمنية الأخرى التي تقع في قبضة الحوثيين مثل تعز المحاصرة أو صنعاء، مما يعيد ترتيب الأوراق بشكل مختلف مرة أخرى في اليمن.
أيضاً قد يكون هذا الانتصار السريع سبباً في انتقال حكومة هادي إلى عدن لممارسة دورها من هنا، مما يجعلها بعيدة عن الضغوط السعودية الإماراتية بشكل مباشر، ويمنح هادي الذي تهاوت شرعيته قوة جديدة أمام شعبه لعودة البلاد مرة أخرى تحت سيطرته، أو على الأقل تعظيم مكاسبه أمام الحوثيين إذا ما بدأت المفاوضات الدبلوماسية مرة أخرى.
أيضاً هذه النجاحات قد تؤثر بالسلب على السعودية التي تحاول بقدر كبير أن يظل سيناريو الفوضى الخلاقة في اليمن هو سيد الموقف، وألا يتمكن أن طرف من تحقيق نجاح كبير وفرض سيطرته، خاصة أن الأطراف الثلاثة الفاعلة في اليمن هم أعداء للسعودية (الحوثيون والإصلاح، والإخوان المسلمون، وأخيراً الانفصاليون الجنوبيون).