ربما يكون الشيء الوحيد الذي لفت الأنظار، أو يمكن اعتباره كإنجاز خلال قمة السبع في باريس، هو تسليط الأضواء على غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن القمة، وبالتالي اعتباره الفائز الأكبر، والسبب هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي تصرف كسفير لبوتين في القمة، فما هي القصة؟
القصة كانت محور اهتمام الإعلام الأمريكي والروسي والأوروبي، ونشر موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي تقريراً عنها بعنوان: "روسيا خرجت فائزةً من قمة السبع رغم طردها منها وترامب بدا أشبه بدميةٍ في يد بوتين".
كانت أبرز الحقائق الرئيسية في قمة مجموعة السبع هذا العام هي أنَّها لم تسفر إلَّا عن تقدم ضئيل في العديد من المشاكل الأكثر إلحاحاً التي يواجهها المجتمع العالمي، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن خرج منها فائزاً.
ففي ختام الاجتماع، وافق الأعضاء على التصديق على وثيقة من صفحة واحدة فقط، وانتهت القمة دون التزام ملموس بشأن بعض القضايا، مثل إيران والاحتباس الحراري والتجارة.
روسيا حققت مكاسب كبيرة
ولكن كانت هناك دولة واحدة حققت من القمة مكاسب كبيرة: ألا وهي روسيا. وذلك بفضل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال بعض المشرعين والخبراء إنَّ تصرفاته في القمة كانت تشبه تصرفات ممثلٍ لبوتين وليس رئيس الولايات المتحدة.
وما جعل دفاع ترامب عن بوتين أشد لفتاً للانتباه هو أنَّ روسيا لا تشارك حتى في قمة مجموعة السبع؛ إذ طُرِدت من المجموعة -التي كانت معروفة باسم قمة مجموعة الثماني حين كانت تشارك فيها- في عام 2014 بعدما انتهكت القانون الدولي بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا.
ومنذ ذلك الحين، لم تفعل روسيا شيئاً للتكفير عن انتهاكاتها، بل صعَّدت سياستها العدوانية. فبالإضافة إلى الاستمرار في التعدي على أوكرانيا، تدخلَّت الحكومة الروسية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، وكانت وراء محاولة اغتيال جاسوس روسي سابق في المملكة المتحدة.
وكذلك تعد روسيا حليفاً رئيسياً للرئيس السوري بشار الأسد في الوقت الذي يذبح فيه شعبه في حربٍ أهلية وحشية، وبدأت في الأشهر الأخيرة التودُّد إلى أنظمةٍ مارقة أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية. ويحذر بعض المسؤولين الأمريكيين أيضاً من أنَّ الروس يُكثِّفون أنشطتهم السيبرانية ضد الولايات المتحدة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العام المقبل 2020، وأنهم حاولوا مهاجمة شبكات الكهرباء الأمريكية مراراً.
لذا تفاجأ أعضاء مجموعة السبع حين دعم ترامب روسيا في القمة، وحاول الضغط بقوة من أجل إعادة ضمِّها إلى المجموعة.
حلفاء واشنطن يرفضون دفاع ترامب عن بوتين
وقال ترامب يوم الإثنين 26 أغسطس/آب: "أعتقد أنَّ وجود روسيا داخل المجموعة سيكون أفضل من وجودها خارجها". وأضاف أنَّ روسيا كانت "عضوة جيدة في مجموعة الثماني"، وأنَّ وضع العالم سيكون أفضل بوجود روسيا "داخل المجموعة وليس في الخارج".
وقال الرئيس الأمريكي كذلك إنَّ الجهود المبذولة لإعادة ضمِّ روسيا إلى المجموعة "قيد التقدم لكنَّها لم تكتمل بعد"، وأضاف: "لدينا عدد من الأشخاص يرغبون في رؤية روسيا في المجموعة مرة أخرى"، لكنَّه رفض الإفصاح عن هوية مؤيدي هذه الفكرة.
ولكن في الواقع، ذكرت تقارير إعلامية متعددة أنَّ ترامب واجه ردة فعل حادة من أعضاء المجموعة الآخرين حين طرح الفكرة في مأدبة عشاء خاصة أقيمت مساء يوم السبت الماضي 24 أغسطس/آب.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أنَّ المأدبة بدأت في أجواء ودية، إذ شهدت مناقشة حرائق الغابات في الأمازون، ثم انتقلت إلى مواجهة التهديد النووي الإيراني. لكنَّ ترامب تدخَّل فجأة، قفز وانتقد القادة الآخرين بشدة لعدم ضم روسيا، حسبما ذكرت التقارير.
وقال مسؤولٌ أوروبي أطلَعه أحد الحاضرين على ما حدث في المأدبة للصحيفة الأمريكية إنَّ حديث ترامب كان يدور في الأساس عن "أنه من غير المنطقي أن تدور هذه المناقشة بدون وجود بوتين على الطاولة".
لكنَّ جميع القادة الآخرين تقريباً انتقدوا اقتراح ترامب فوراً، قائلين إنَّ روسيا لم تفعل شيئاً لتفسير تصرفاتها، وإنَّها لا تستحق إعادة ضمها.
ولم تمر تصريحات ترامب دون لفت انتباه الروس.
إذ أشار أحد الخبراء الروس إلى أنَّ بعض وسائل الإعلام الروسية الحكومية تعاملت مع ما قاله ترامب في قمة مجموعة السبع بالاستهزاء والسخرية. وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنَّ أحد البرامج على قناة Rossiya-1 شغَّل موسيقى تصويرية احتفالية في خلفية عرض ستة مقاطع فيديو لترامب وهو يطالب بمنح بوتين مقعداً على الطاولة.
فيما أبدى المسؤولون الروس رداً أكثر اتزاناً، إذ قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين لوكالة أنباء Interfax الروسية الحكومية: "روسيا لا ترفض أي شكلٍ من أشكال الاتصال، لكنَّها لن تفرض مشاركتها على أي شخص".
ومن جانبه، قال أحد المشرعين الأمريكيين الجمهوريين، طالباً عدم الكشف عن هويته للحديث عن تصرفات ترامب بصراحة، لصحيفة بيزنس إنسايدر الأمريكية، إنَّ أداء ترامب في قمة هذا العام كان "صفعة على وجه" الولايات المتحدة وحلفائها.
وأضاف أنَّه "بدا مثل دميةٍ في يد بوتين". وأشار إلى أن تصريحات ترامب مقلقةٌ للغاية لأنَّ روسيا لم تطلب من أمريكا أن تمارس ضغطاً من أجلها، ولم تعرض أي شيء في المقابل.
وقال: "لقد خرج بوتين من القمة حاملاً القوة كلها بين يديه. وهذا محرج".
كالعادة.. ترامب يلوم أوباما
وحين سُئِل ترامب في نهاية القمة عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، لجأ إلى إلقاء اللوم على سلفه كالعادة.
إذ قال ترامب: "الرئيس أوباما كان ساذجاً وأقل حيلةً ودهاءً. لقد ضموا شبه جزيرة القرم في ولايته. وهذا لم يكن جيداً. وكان يمكن إيقاف حدوثه، كان يمكن إيقافه بالأسلوب المناسب، أيَّاً كان. لكنَّ الرئيس أوباما لم يتمكن من ذلك، وهذا شيء سيئ أيضاً".
وأضاف أنَّ أوباما أراد طرد روسيا من مجموعة السبع، لأنَّ ضم شبه جزيرة القرم "أحرجه بشدة". وفي الواقع، تحدث ترامب مراراً عن كيفية "الاستيلاء على" شبه جزيرة القرم، لكنَّه لم يذكر إطلاقاً مَن الذي "استولى عليها" في المقام الأول.
وكذلك قال ترامب إنَّه "سيدعو" بوتين "بالتأكيد" إلى حضور قمة مجموعة السبع في العام المقبل بصفته ضيفاً له. لكنَّه قال إنَّ بوتين قد لا يرغب "نفسياً" في الحضور بعد طرد روسيا من المجموعة.
ومن جانبه، قال نِد برايس، المدير السابق لمجلس الأمن القومي في عهد أوباما، لموقع بيزنس إنسايدر، إنَّ القصور النسبي الذي اتسم به "السلوك التافه والأداء الدرامي وسط المواقف المهمة" من ترامب في قمة هذا العام "أظهر بشكلٍ أوضح مدى العزلة والضعف اللذين أصابا أمريكا على المسرح العالمي تحت قيادة ترامب".
وقال: "في قضية تلو الأخرى، يكون ترامب هو الغريب الذي لا يستطيع التوصُّل إلى أرضية مشتركة مع الدول التي من المفترض أنَّها من بين أقرب حلفائنا وأكثرها اتفاقاً معنا من الناحية الأيديولوجية. سواءٌ أكانت القضية هي تغير المناخ… أو إيران أو الصين أو التعريفات الجمركية أو روسيا، تظهر أمريكا في مظهر البلهاء وسط الجميع".