جماعة أنصار الله اليمنية، أو الحوثيون كما يشار إليهم إعلامياً، مدعومون من إيران بالقطع، لكن هناك اختلاف أساسي بينهم وبين حزب الله اللبناني الذي يعد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، فما هي تلك الاختلافات بين الجماعتين الشيعيتين؟ ولماذا لا يعتبر الحوثيون وكيلاً إيرانياً في المنطقة؟
أندرياس كريغ، أستاذ مساعد في كلية الأمن ومعهد دراسات الشرق الأوسط في كلية كينغز في لندن، وجورجيو كافييرو، المدير التنفيذي ومؤسس شركة Gulf State Analytics، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر الجيوسياسية ومقرها واشنطن العاصمة، تناولا القصة في تقرير نشره موقع لوب لوغ الأمريكي بعنوان: "رابطة الحوثيين وحزب الله بالوكالة".
التطور العسكري اللافت
ظهرت تطورات كبيرة في قدرات الطائرات المسيرة والصواريخ التي تملكها جماعة الحوثي الزيدية المهيمنة في اليمن – وهي حركة أنصار الله، التي يُشار إليها في كثير من التقارير حول الأزمة اليمنية باسم "الحوثيين". وأظهرت هجمات أنصار الله الأخيرة على التحالف الذي تقوده السعودية والأهداف الاستراتيجية داخل المملكة التطور المتزايد لعملياتها العسكرية.
وفي السنوات الأخيرة، تطورت جماعة أنصار الله لتصبح واحداً من أقوى وكلاء إيران، الذين يتلقون التدريب والدعم المادي والمعلوماتي من طهران وأقدم وكلاء حرسها الثوري، حزب الله. ومع ذلك، فإن الخطابات التي تصف أنصار الله بأنها "حزب الله اليمني" شديدة السطحية. ورغم الخطابات الأيديولوجية والعمليات المعلوماتية المشابهة، فالميليشيا اليمنية بعيدة كل البعد عن أن تكون وكيلاً إيرانياً.
السعودية تصفهم بحزب الله اليمني
تؤكد الحكومة السعودية أن إيران تسلح حركة أنصار الله بهدف تحويل جماعة الحوثي الزيدية المتمردة إلى نسخة من حزب الله بهدف إضعاف السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وحلفائها الغربيين. وزعم المسؤولون في الرياض أن طهران ترسل مدربين عسكريين من حزب الله إلى اليمن، وذكرت بعض المصادر أن أعضاء من الحزب الشيعي اللبناني قاتلوا إلى جانب مقاتلي أنصار الله في معارك على الحدود اليمنية السعودية.
في عام 2016، اتهمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، حزب الله بالتدخل في الحرب الأهلية الدائرة في الدولة العربية. ولم تؤدِّ صور لقاء قيادة أنصار الله مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في لبنان إلا إلى إعادة تأكيد الشكوك حول دور الميليشيا اللبنانية في اليمن. وساهمت أيضاً في خطاب سعودي شهير مفاده أن أنصار الله في الأساس نسخة من حزب الله وأن المتمردين الحوثيين لا يمثلون سوى إحدى أذرع شبكة وكلاء إيران.
منظمة يمنية خالصة
في الواقع، برزت جماعة الحوثي طوال التسعينيات باعتبارها منظمة يمنية خالصة تدعم الفئات المهمشة من الشيعة الزيدية في سعيها لتأسيس الإمامة الزيدية، وعلى الرغم من البعد الطائفي لخطاب أنصار الله، ليس للحركة أي صلات طبيعية بـ "الثورة الإسلامية" الإيرانية ولم تتلق مساعدة من طهران وحزب الله اللبناني إلا بعد عام 2014. وحينها فقط أدركت طهران الإمكانات القوية لميليشيا الحوثي باعتبارها وسيلة لمهاجمة السعودية في "نقطة ضعفها"، بتكلفة منخفضة وإنكار يمكن تصديقه.
منذ بدأت الرياض تدخلها العسكري المباشر في اليمن في مارس/آذار عام 2015، كان الخطاب الاستراتيجي للتحالف الذي تقوده السعودية، والموجه تحديداً للجمهور الغربي، هو أن المملكة تقاتل لمنع قيام "دولة إرهابية" حوثية شبيهة بحزب الله على طول الحدود الجنوبية للسعودية، وروجت السعودية لهذه الفكرة في واشنطن على نطاق واسع في محاولة منها لكسب المزيد من التعاطف من إدارتيّ أوباما وترامب، بالإضافة إلى المشرعين من الحزبين، مع حملتها المناهضة للحوثيين.
وآتت هذه الجهود ثمارها مع الإدارة الحالية. ففي ديسمبر/كانون الأول عام 2017، أي قبل ستة أشهر من سحب ترامب لواشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، ألقت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك نيكي هالي كلمة قدمت فيها أدلة تزعم استخدام الحوثيين للأسلحة الإيرانية ضد السعودية، في سعي من الإدارة الأمريكية لاستقطاب دعم عالمي لأجندتها المعادية لإيران.
تعهدت السعودية، التي تقود تحالفاً عسكرياً عربياً متعثراً في اليمن ضد أنصار الله، بعدم السماح لهذه الميليشيا المتحالفة مع إيران بالظهور لتتحول إلى نسخة يمنية من حزب الله. وفي الواقع، حين اتهم خالد بن سلمان، سفير السعودية السابق في واشنطن، الجمهورية الإسلامية بإرسال مدربين عسكريين من حزب الله إلى اليمن للمساعدة في تقوية الحوثيين، نشر سلسلة من التغريدات التي تزعم أن التحالف العربي "كشف خبيئة من الأدلة تدين الحوثيين، كشفت عن التدريب العملي الذي يقدمه حزب الله، وتقديمه المشورة لهم حول الحرب غير المتكافئة، وعرض حاسب تملكه الميليشيا ظهرت في خلفيته صورة "المرشد الأعلى" الإيراني". واتهم السفير السعودي الحكومة الإيرانية بأنها "تعاقدت من الباطن" مع حزب الله لتولي شأن الحوثيين، وهو ما يزعم أنه علامة على أن "وكلاء طهران يعملون جنباً إلى جنب لتقويض الاستقرار الإقليمي وإطالة معاناة البلدان الحاضرين فيها".
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، اتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لبنان دون مواربة بإعلان الحرب على السعودية بعد فترة وجيزة من إطلاق صاروخ باليستي من اليمن على مطار الرياض الدولي قبل أن تسقطه منظومة صواريخ باتريوت الدفاعية الخاصة بالمملكة. وأكد الجبير أن "هذا صاروخ إيراني… أطلقه حزب الله".
مصادر مشكوك في مصداقيتها
من المشروع التشكيك في صحة هذه المزاعم، إذ إن مصداقية المصادر التي تؤكد أن حزب الله له تأثير كبير في اليمن غالباً ما تكون محل شك أو تدفع بأجندة سياسية لديها الكثير لتربحه من إقناع رجال الدولة الغربيين بأن قتال السعودية مع المتمردين الحوثيين يماثل صراع إسرائيل مع حزب الله. ولكن الحط من دور حزب الله بالكامل في اليمن واعتباره مجرد دعاية من البيت الأبيض أو الرياض أو أبوظبي سيصبح ضرباً من الخداع.
وكيل مباشر وآخر غير مباشر
في اليمن – مثلما هو الحال في العراق، وسوريا والبحرين، وفقاً لبعض المزاعم- كان حزب الله بمثابة وكيل إيران الأعلى مرتبة، إذ كان بمثابة العمود الفقري لـ "محور المقاومة" الإقليمي للجمهورية الإسلامية. وسواء من حيث القوة المادية أو الناعمة، ارتفعت مكانة حزب الله من مجرد وكيل لقوات الحرس الثوري الإيراني في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي إلى وكيل استراتيجي مكتفٍ ذاتياً يتمتع باستقلالية كبيرة عن قيادة وسيطرة راعيه. لقد تطور حزب الله ليصبح فرعاً مهماً في شبكة طهران الواسعة من الوكلاء، إذ أصبح يوفر وكلاء مباشرين مثل كتائب حزب الله، بالإضافة إلى وكلاء غير مباشرين مثل الحوثيين، ويزودهم بالدعم العملي.
وبغض النظر عن الروابط الأيديولوجية بين أنصار الله وحزب الله، يبدو أن جوهر العلاقة بينهما يتعلق بالحرب ويضرب بجذوره في البراغماتية. إذ سعى الحوثيون، بهدف إضعاف التحالف العربي في اليمن، للحصول على المساعدة التدريبية والدعم التكنولوجي والتوجيه العملي من حزب الله لتحقيق أهدافهم في الميدان. وبالنسبة لحزب الله، كانت الحرب الأهلية اليمنية تمثل فرصة لإذلال السعوديين في وقت يصارع فيه الحزب اللبناني أيضاً وكلاء الرياض داخل لبنان.
ورغم خطأ تضخيم دور حزب الله في الحرب الأهلية اليمنية، من نافلة القول إن هذه القوة اللبنانية، التي مولتها طهران لعقود من الزمن، ساهمت في نجاحات جماعة الحوثي في ميدان المعركة مع التحالف الذي تقوده السعودية. والتطورات في قدرات صواريخ جماعة الحوثي وطائراتها المسيرة تبرز جميعها مدى تأثير حزب الله في الصراع، الذي شهد نجاح أنصار الله في تولي السيطرة الفعلية على شمال اليمن. ومع ذلك، فإن أنصار الله أكثر من مجرد وكيل إيراني، فعلى عكس حزب الله، ستواصل حركة أنصار الله -باعتبارها حركة محلية- القتال، وإن كان سيقل تأثيره، حتى لو انفك ارتباطها بطهران.