ملف تحت الطلب.. ترامب يستطيع الضغط على السيسي بـ«حقوق الإنسان» لكنه يحتضنه بدلاً من ذلك.. لماذا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/27 الساعة 15:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/27 الساعة 15:27 بتوقيت غرينتش
ترامب خلال لقائه السيسي على هامش قمة السبع في فرنسا/ رويترز

إليكم اختباراً في السياسة الخارجية لأولئك الذين تابعوا لقاء قادة مجموعة الدول السبع في فرنسا: ما هي الدولة الشرق أوسطية التي تسجن أكثر عدد من المواطنين الأمريكيين؟ هل هي مصر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، والتي عقد رئيسها لقاءً ودياً مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الإثنين 26 أغسطس/آب، أم إيران، البلد الخاضع لعقوبات اقتصادية مشدَّدة وتجنَّب المسؤولون الأمريكيون وزير خارجيته في فرنسا؟

الإجابة: هي أنَّ مصر تحتجز عدداً أكبر من المواطنين الأمريكيين، كجزءٍ من حملة واسعة النطاق من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسي على كل أشكال المعارضة.

14 أمريكياً في سجون السيسي

ففي حين ترفض وزارة الخارجية الأمريكية إعلان أي أرقام رسمية، يُعتَقَد أنَّ إيران تحتجز ستة مواطنين أمريكيين، معظمهم مواطنون أمريكيون-إيرانيون مزدوجو الجنسية، ومتهمون بارتكاب أنشطة تخريبية. وفي نفس الوقت، يُعتَقَد أنَّ مصر تحتجز 14 أمريكياً في سجونها، وذلك بحسب ما قاله محمد سلطان، الناشط الحقوقي ومؤسس مجموعة "مبادرة الحرية" الحقوقية، لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية. 

وهناك سبب يجعل سلطان على معرفة بهذا الرقم، فهو مواطنٌ مصري-أمريكي كان هو نفسه سجيناً سياسياً محتجزاً في مصر لمدة 22 شهراً، يقول إنَّه تعرَّض خلالها للتعذيب، ودخل في إضراب عن الطعام، قبل أن تتسبَّب حالة الغضب الدولية في إطلاق سراحه.

نحو 60 ألف معتقل سياسي داخل السجون في مصر، توفي المئات منهم منذ عام 2013 داخل السجون بحسب المنظمات الحقوقية
نحو 60 ألف معتقل سياسي داخل السجون في مصر، توفي المئات منهم منذ عام 2013 داخل السجون بحسب المنظمات الحقوقية

ومن بين المواطنين الأمريكيين المحتجزين هناك ريم الدسوقي، وهي مُعلِّمة مصرية-أمريكية، وأم من ولاية بنسلفانيا، لم يُلقَ القبض عليها إلا الشهر الماضي حين كانت في زيارة إلى القاهرة، على ما يبدو، بسبب تردُّدها على صفحات مُنتقِدة للأوضاع في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأحد المحتجزين الآخرين هو خالد حسن، وهو مواطن مزدوج الجنسية من نيويورك، أُلقي القبض عليه في الإسكندرية مطلع عام 2018، أثناء زيارته لعائلته هناك، ويقول إنَّه احتُجِز سراً وتعرَّض للتعذيب طوال أشهر عديدة، قبل أن يمثُل رسمياً أمام نظام المحاكم العسكرية. وهو الآن موجود بأحد السجون في القاهرة، بسبب اتهامات غامضة بشأن انتمائه لمجموعة إرهابية تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" .

وعبَّر مسؤولٌ بوزارة الخارجية الأمريكية عن قلقه بشأن احتجازه. وقال المسؤول: "إنَّنا نشعر بالقلق من مزاعم التعذيب، ونواصل في حثِّ الحكومة المصرية بقوة على توفير معاملة إنسانية للسيد حسن وكافة السجناء. ونظل على تواصل مستمر مع السلطات المصرية بشأن قضية السيد حسن، وسنستمر في متابعة هذه القضية عن كثب، لأنَّه ليس لدينا أولوية أعلى من أمن وسلامة المواطنين الأمريكيين بالخارج" .

ولم تردّ السفارة المصرية على المكالمات الهاتفية أو رسائل البريد الإلكتروني من أجل التعليق، لكنَّ الحكومة المصرية نفت سابقاً تعرُّض حسن للتعذيب أو الاحتجاز سراً من جانب أجهزة الأمن.

خالد حسن، مصري-أمريكي أخفته المصرية ومارست ضده انتهاكات خطيرة/ هيومن رايتس ووتش
خالد حسن، مصري-أمريكي أخفته المصرية ومارست ضده انتهاكات خطيرة/ هيومن رايتس ووتش

ترامب: "السيسي أنجز مهمة رائعة في مصر"

ويُعَد احتجاز الأمريكين جزءاً يسيراً فقط من حملة أوسع بكثير، ويبدو أنَّها آخذة في الاتّساع من جانب حكومة السيسي، الجنرال السابق الذي استولى على السلطة في انقلابٍ عسكري عام 2013، تسبَّب في الإطاحة بالرئيس المُنتَخَب الإسلامي محمد مرسي، الذي توفي هو نفسه مؤخراً داخل السجن.

وأشارت الخارجية الأمريكية في آخر تقاريرها عن حالة حقوق الإنسان في مصر إلى "عمليات القتل التعسفي من جانب الحكومة أو وكلائها والمجموعات الإرهابية، والإخفاءات القسرية، والتعذيب، والاحتجاز التعسفي، وأوضاع السجون القاسية والمُهدِّدة للحياة، والسجناء السياسيين، والتدخُّل التعسفي أو غير القانوني في الخصوصية" .

مع ذلك، لقي السيسي، الذي صمَّم تعديلاتٍ دستورية تتيح له البقاء في السلطة لعقدٍ آخر من الزمن، استقبالاً حافلاً من الرئيس ترامب أثناء زيارته لقمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى في فرنسا الإثنين. فقال ترامب متحدثاً عن الرئيس المصري: "أقول لكم إنَّه رجل قوي جداً، لكنَّه أيضاً رجلٌ صالح وأنجز مهمة رائعة في مصر" .

ردَّ السيسي المجاملة، فقال متحدثاً عن ترامب: "نستمتع دائماً بهذا التفاهم العميق والمشترك" . ولم تكن هناك إشارات علنية إلى وجود قضية حقوق الإنسان على جدول أعمال اللقاء.

إدارة ترامب تستطيع الضغط على السيسي إذا أرادت ذلك

لكنَّ إدارة ترامب أظهرت أنَّ لديها بعض القدرة لإخضاع نظام السيسي؛ إذ حثَّ ترامب نفسه، في وقتٍ سابق من ولايته الرئاسية، السيسي على الإفراج عن آية حجازي، وهي مواطنة مصرية-أمريكية، وزوجها، كانا مُحتجزين بتهم زائفة تتعلَّق بإقدام جمعيتهما الخيرية التي تأسست لرعاية أطفال الشوارع على إساءة استغلال الأطفال. وقد بُرِّئت وأُطلِق سراحها بعد فترة وجيزة من إثارة ترامب لقضيتها.

آية حجازي التقت ترامب بعيد إطلاق سراحها من السجون المصرية، رويترز
آية حجازي التقت ترامب بعيد إطلاق سراحها من السجون المصرية، رويترز

وعلى نحوٍ مماثل، أثار نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، أثناء زيارة لمصر مطلع 2018، قضية المواطن الأمريكي أحمد عطوي، الذي احتُجِز خمس سنوات تقريباً بعد إلقاء القبض عليه في الاعتقالات الجماعية خلال الاحتجاجات التي رافقت الانقلاب، وأُطلِق سراح عطوي لاحقاً بعد فترة وجيزة.

لكن يبدو أنَّ عمليات إطلاق السراح هذه كانت محدودة الأثر. على سبيل المثال، أُلقي القبض على حسن في نفس الفترة تقريباً التي أُطلِق فيها سراح عطوي.

ويبدو السيسي، الذي وصل إلى السلطة عبر إزاحة مرسي الذي يُعَد أحد قياديي جماعة الإخوان المسلمين وانتُخِب في أعقاب الربيع العربي، الآن عازماً على عدم تكرار ذلك النوع من الاحتجاجات الشعبية، التي زلزلت حكومتي السودان والجزائر القريبتين في الأشهر الأخيرة، من مصر.

تقول آية حجازي: "إنَّه يعرف أنَّ الزخم لم يمت بعد، ويعرف أنَّه إذا لم يبسط قبضته بنسبة 100%، وإذا ترك منافذ، فإنَّه سيُهاجَم" . وفي الوقت نفسه، يصعب على أولئك الذين عاشوا منا في مصر في أوقاتٍ أكثر هدوءاً استيعاب هذه الصورة الحالية. 

تحميل المزيد