هل سرقت روسيا تكنولوجيا الأسلحة الأسرع من الصوت (هايبر سونيك) الخاصة بها؟ هذه هي الادعاءات التي قدمها مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون لإذاعة Voice of America، وجاء تعليق بولتون رداً على سؤالٍ حول حادثٍ روسي وقع مؤخراً، يتعلق بصاروخٍ يعمل بالطاقة النووية.
استدرك بولتون: "لكن هذا مثالٌ على محاولة روسيا إحراز تقدُّم تكنولوجي في قدرتها على إطلاق أسلحة نووية. ومن الواضح أنَّ خطأً فادحاً قد حدث هنا، لكنه يوضح أنَّه على الرغم من أنَّ حجم الاقتصاد الروسي يكاد يكون في حجم هولندا، فإنَّها ما تزال تنفق ما يكفي على الدفاع، وليس فقط لتحديث ترسانتها النووية، ولكن لبناء أنواع جديدة من مركبات الإطلاق، والمركبات الانزلاقية الأسرع من الصوت، والصواريخ الجوَّالة الأسرع من الصوت، والتي سُرقت إلى حدٍ كبير من التكنولوجيا الأمريكية".
روسيا تردُّ على الاتهامات الأمريكية
ولم يتأخر الرد الروسي على هذا التصريح، إذ ادَّعت وكالة الأنباء الحكومية الروسية TASS أنَّ الأبحاث الروسية في مجال السرعات التي تفوق سرعة الصوت تعود إلى عقودٍ مضت. وقال خبير الدفاع والعقيد المتقاعد فيكتور موراخوفسكي، لوكالة TASS: "تعتمد تقنيات الهايبر سونيك المحلية على الإمكانات العلمية والتقنية الهائلة التي نشأت في الاتحاد السوفييتي. وعلناً، لم يُشِر الرئيس الروسي إلى هذه التطويرات إلَّا مؤخراً، لكنها بدأت في السبعينيات. وقد جرى تنفيذ هذا العمل للأغراض العسكرية واستكشاف الفضاء الخارجي".
وأشار موراخوفسكي إلى عديد من مشاريع الحرب الباردة، والتي كانت ستشمل بالضرورة سرعات تفوق سرعة الصوت، أو السرعات الأكبر من 5 ماخ (6.125.22 كم/ساعة). ويشمل ذلك الرؤوس الحربية في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومكوك الفضاء Buran، وصاروخ Yu-71 -وهو رأسٌ حربي للصواريخ الباليستية العابرة للقارات أُنتِج في التسعينيات، والذي وصفه موراخوفسكي بأنه مركبةٌ انزلاقية أسرع من الصوت تُحاكي صاروخ أفانجارد الروسي المعاصر، وهو عبارةٌ عن رأسٍ نووي انزلاقي مثبَّت على قمة صاروخٍ باليستي عابر للقارات.
قال موراخوفسكي: "لقد كانت هذه مركبةٌ انزلاقية بالضبط. وفي الواقع، فإن أفانجارد مشتقٌ من كل هذه المشاريع".
من يسرق من؟
ورفض موراخوفسكي ادعاء بولتون، وقال: "بالنسبة لمن سرق من، فهذا سؤالٌ كبير. والقاعدة العامة تقول إنَّ اللص هو الذي يصرخ عادةً أعلى من الجميع قائلاً (اقبضوا على اللص!). وذلك على الرغم من أنَّني أعتقد أنَّ هناك تطوراً متوازياً قد حدث: إذ كان الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على قدم المساواة على المستوى العلمي والتكنولوجي، وكانا يركزان على التعامل مع المهام المتماثلة في الفضاء الخارجي وفي المجال العسكري، فمن ثم اتَّبع كلاهما مسارات متشابهة".
وفي الواقع، أشارت وكالة Sputnik News الروسية إلى أن أمريكا تسرق من روسيا، وقالت: "مع تقارير البنتاغون الواردة مؤخراً بشأن المخاوف من التخلف عن روسيا والصين في سباق تطوير الأسلحة الأسرع من الصوت، وتقارير القوات الجوية والبحرية الأمريكية التي تفيد بأنهما لا يتوقعان الحصول على مثل هذه الأسلحة إلَّا بحلول عامي 2021 و2025، على الترتيب؛ يبدو أنَّ الجانب الأمريكي قد يكون مهتماً أكثر بالحصول على نتاج التقدم الذي أحرزته روسيا في هذا المجال، وليس العكس".
منافسة شرسة نحو التفوق العسكري
فهل سرقت روسيا تكنولوجيا الهايبر سونيك من أمريكا؟ يقول موقع National Interest الأمريكي، إن مما لا شك فيه أنَّ الاتحاد السوفييتي حاول بشكلٍ مكثف، سرقة أسرار ومنتجات الدفاع والتكنولوجيا الأمريكية، مثل رقائق الكمبيوتر. واليوم، ما تزال وكالات الاستخبارات الروسية مكلَّفة المهمة نفسها.
لكن الأمر يشبه إلى حدٍ كبير، المفهوم الملتبس للاستحواذ الثقافي، فمن الصعب أن تنسب الملكية إلى أصحابها. سواءً أكان ذلك طعاماً أم أسلحة، فالأفكار تنتشر عبر الحدود والثقافات. ومن أحد جوانب الموضوع، يمكن رؤية كلٍّ من أمريكا وروسيا في صورة اللصوص: إذ نهبتا كثيراً من تقنياتهما، خاصة في مجال الصواريخ، من النازيين بعد الحرب العالمية الثانية.
وكما يشير موراخوفسكي، "هناك أوقاتٌ يصل فيها الجميع إلى الحل نفسه بشكلٍ طبيعي. إنَّ الرحلات الأسرع من الصوت ليست سحراً؛ إذ تنطوي على جوانب معينة من الفيزياء، وكذلك التكنولوجيا. ولا شك في أنَّ قوةً عسكرية متقدمة مثل روسيا، تتمتع بخبرةٍ طويلة في تطوير الصواريخ والطائرات النفاثة، يجب أن تكون قادرةً على اكتشافها بمفردها. وما نزال في انتظار أن نرى ما إذا كانت النتائج التي وصلت روسيا إليها ستثبت تفوقها على التكنولوجيا الأمريكية، وهو أمر لا يحدث في كثيرٍ من الأحيان".