مضى أكثر من عام منذ سُمح للنساء بقيادة السيارات في السعودية، لكن الكثير من النشطاء الذين جلبوا هذا التغيير ما زالوا محبوسين في انتظار المحاكمة. والآن، تقول عائلة لجين الهذلول، وهي واحدة من هؤلاء النشطاء، إنَّ الحكومة السعودية عرضت إطلاق سراحها إذا وعدت بإنكار مزاعم تعرُّضها للتعذيب أثناء وجودها في السجن.
الكذب مقابل الحرية
لجأ أشقاء الهذلول إلى تويتر، الثلاثاء 20 أغسطس/آب 2019، لمشاركة ما كانوا يعرفونه حول الاقتراح الذي قدمته السلطات السعودية:
"لا أعرف ما الذي أخاطر به بكتابتي ذلك. ربما سوف يؤدي ذلك إلى إيذاء أختي أيضاً، لكن لا يمكنني الاحتفاظ بذلك لنفسي.
عُرضت صفقة على لجين مفادها أنها إذا أنكرت تعرضها للتعذيب فسوف يطلق سراحها. وأياً يكن ما سوف يحدث فإنني أؤكد ذلك مرة أخرى: تعرضت لجين لتعذيب وحشي وتحرش جنسي".
وعرض أخوها وليد المزيد من التفاصيل في سلسلة من التغريدات قال فيها إنَّ أخته قد طُلب منه الإدلاء بشهادة مصورة تنكر فيها تعرضها لسوء المعاملة في مقابل منحها الحرية. وكتب وليد أنَّ الأسرة كانت قد وافقت في البداية، منذ بضعة أسابيع، على أن توقع لجين بياناً يفيد ذلك، لكنَّ السلطات عادت وطلبت مقطع فيديو للبيان أيضاً.
وكتب وليد قائلاً إنَّ لجين رفضت العرض:
"عندما طلب منها أمن الدولة توقيع وثيقة نشر الفيديو، مزقت الوثيقة فوراً، وقالت لهم إنكم بطلبكم مني التوقيع على هذه الوثيقة فأنتم متورطون في التستر وأنتم ببساطة تدافعون عن سعود القحطاني الذي كان يشرف على التعذيب".
واحتجزت الهذلول منذ شهر مايو/أيار 2018، عندما اعتقلت السلطات السعودية النشطاء قبل وقت قصير من رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات. وقد وقعت هذه الاعتقالات لأنَّ السطات لم تكن تريد أن يحصل النشطاء على الفضل في هذا التغيير في السياسة.
وكانت الرواية الرسمية تقول إنَّ تغيّر السياسة يرجع إلى إحسان ولي العهد محمد بن سلمان (المعروف أيضاً بـ: MBS)، وهو صديق وحليف لإدارة ترامب.
صعق وجلد وشبْح
تقول مجلة National Interest الأمريكية، إن صمت الحكومة السعودية أولئك النشطاء بالخونة، وهاجمت شخصياتهم في وسائل الإعلام المملوكة للدولة. وبحلول شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت تقارير في الظهور تفيد تعرض أولئك النشطاء للتعذيب. وأصدرت منظمة العفو الدولية شهادات لسجناء قالوا إنهم تعرضوا للصعق بالكهرباء، والجلد، والتعليق في السقف.
وفي الوقت الذي انتشرت فيه هذه القصة، فإنَّ الرئيس ترامب، الذي رفض إلقاء اللوم على السعودية في مقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي، قد التزم الصمت بخصوص هذا الموضوع. وبدلاً من ذلك، فقد شكر السعودية على زيادة إنتاجها من النفط وخفض الأسعار.
وفي شهر أبريل/نيسان ألقت السعودية القبض على المزيد من النشطاء، بما في ذلك اثنان يحملان جنسيات مزدوجة أمريكية وسعودية. وكان أولئك النشطاء قد تحدثوا علناً دعماً لأولئك المعتقلين منذ شهر مايو/أيار 2018.
وفي أوائل الشهر الجاري، أعلنت السعودية أنها سوف تسمح للنساء بالسفر من دون إذن الولي، وهو ما يعني أنَّ النساء بعمر الـ21 عاماً أو أكبر من ذلك يستطعن الحصول على جواز سفر والسفر من دون توقيع أحد الأقرباء الذكور.
وتحكم قوانين الولاية في السعودية جميع جوانب حياة المرأة تقريباً، الشخصية منها والقانونية، فيحتجن إلى إذن من أحد الأقرباء الذكور للزواج أو العيش بمفردهن.
ويعد نظام الولاية القمعي هذا إلى حد كبير سبب العدد المتزايد من النساء اللاتي يحاولن الهرب من المملكة، سعياً إلى الحصول على حق اللجوء في بلدان مثل أستراليا والمملكة المتحدة.
لماذا تتعرض لجين ورفيقاتها لكل هذا القمع؟
كانت لجين الهذلول ناشطة بارزة في مجال حقوق المرأة في السعودية، ولم تكن تناضل من أجل حق المرأة في القيادة فحسب، وإنما ضد قوانين الولاية أيضاً.
وتعرضت الهذلول للاعتقال مرات عديدة من قبل، وكانت أبرز هذه الاعتقالات عندما أوقفت بينما كانت تقود السيارة في الإمارات العربية المتحدة (حيث كانت مسجلة في برنامج الماجستير بفرع جامعة السوربون في أبوظبي)، وسحبت خارج سيارتها، وأخذت إلى العاصمة الرياض، وألقيت في السجن.
أطلق سراحها بعد ذلك، ومنعت من مغادرة البلاد، ثم اعتقلت مرة أخرى بعد ذلك بشهرين.
ومنذ ذلك الحين، شهد والداها تدهور صحتها في الاحتجاز. وكتبت أختها علياء في شهر يناير/كانون الثاني مقالاً في صحيفة the New York Times قالت فيه إنَّ لجين حاولت في البداية إخفاء ألمها عن والديها، وألقت باللائمة على صعوبة الجلوس والحركة في التكييف. لكن في شهر ديسمبر/كانون الأول، كانت الأمور سيئة، وانهارت لجين وأخبرت والديها بما اضطرت إلى تحمله.
وقالت إنها كانت محتجزة في الحبس الانفرادي، وتعرضت للضرب والإيهام بالغرق، وتعرضت لصدمات كهربائية، والتحرش الجنسي وهددت بالاغتصاب والقتل، ورأي والديّ حينها أنَّ فخذيها قد سودتهما الكدمات.
سعود القحطاني يشرف شخصياً على تعذيبها
وقالت لجين لوالديها إنَّ سعود القحطاني، كبير المستشارين بالديوان الملكي لمحمد بن سلمان، كان حاضراً في العديد من الجلسات التي تعرضت فيها للتعذيب. وأشرف القحطاني أيضاً، عبر سكايب (Skype) على قتل خاشقجي وتقطيع أوصاله. ووفقاً لموقع Bellingcat، فإنَّ للقحطاني تاريخاً من الظهور في منتديات القرصنة الإلكترونية والنشر وهو في حالة سكر (باعترافه).
وأقيل القحطاني بناءً على طلب من إدارة ترامب، التي أدرجته على قائمة السعوديين الممنوعين من دخول الولايات المتحدة. ولا يزال القحطاني في الدائرة الداخلية لمحمد بن سلمان، وإن كان على نحو أقل رسمية.
ومع ذلك، فإنَّ وجوده في جلسات تعذيب الهذلول يدل على الصفة الرسمية التي تتخذها إساءة المعاملة، أي أنَّ تعرضها للضرب لم يكن من قبيل العمليات السرية المارقة.
وفي حين التزام الرئيس ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو الصمت إلى حد كبير بخصوص قضية الهذلول وآخرين غيرها، فإنَّ تقرير وزير الخارجية حول حقوق الإنسان، الصادر في شهر مارس/آذار، يذكرها ويذكر آخرين غيرها.
ومع ذلك، فإنَّ التقرير يستخدم أيضاً لغة تثير الشكوك حول انتهاكات حقوق الإنسان التي يذكرها، إذ يقول: "كان من المحال تحديد الأساس القانوني للحبس، وما إذا كان الاحتجاز متوافقاً مع القواعد والمعايير الدولية".
ولم يمنع أي مما ورد في التقرير-بدءاً من انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية إلى دورها في موت عشرات آلاف المدنيين اليمنيين في الحرب هناك- إدارة ترامب من تعزيز علاقاتها مع السعودية. ويشمل ذلك صفقة أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار والموافقة على نقل تكنولوجيا نووية إلى السعودية.