تُعَد الشراكة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي الأوثق في أي مكان بالشرق الأوسط. وتعود تلك الشراكة إلى عقود، وشكَّلتها الكراهية تجاه إيران ودعم القضايا السُنّيّة في أرجاء العالم الإسلامي، وفي نفس الوقت العداء لحركات الإسلام السياسي، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
حين أطلق محمد بن سلمان، حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن قبل أربع سنوات، لم يكن مفاجئاً انضمام الإمارات للحملة. وقادت الدولتان كذلك حصاراً ضد قطر، وكانتا من الداعمين الأعلى صوتاً للعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران.
ودعمتا كلتاهما، مادياً ومعنوياً، عبد الفتاح السيسي في مصر. وهنالك علاقة شخصية وثيقة بين محمد بن سلمان والقائد الفعلي للإمارات، ولي العهد محمد بن زايد.
بدأ الخلاف
لكنَّ تصدعاتٍ بدأت تظهر في أهم تحالفات المنطقة، بعدما بدأت حملة اليمن تتهادى باتجاه الجمود وتباينت التكتيكات بشأن مواجهة سلوك إيران في الخليج. وقد يصبح هذا صداعاً لإدارة ترامب، المُحبَطة بالفعل من الخلاف السعودي-الإماراتي مع قطر.
كان الهدف الأساسي لهجوم اليمن هو تقليم نفوذ إيران الذي تتمتَّع به هناك من خلال المتمردين الحوثيين. لكن تبيَّن أنَّ "عملية عاصفة الحزم" بعيدة كل البعد عن الحزم. لقد أصبحت مستنقعاً، وكارثة علاقات عامة بسبب المعاناة الإنسانية الضخمة.
ويبدو أنَّ الإمارات استنتجت أنَّ الحرب لا يمكن الفوز بها ومُكلِّفة بدرجة أكبر مما يسمح باستمرارها، وبدأت تُقلِّص قواتها الموجودة في اليمن في يوليو/تموز الماضي، ولو أنَّها تظل ملتزمة بضربات مكافحة الإرهاب ضد الأفرع اليمنية لكلٍ من تنظيمي الدولة الإسلامية "داعش" والقاعدة.
وفي حين أنَّ الحضور الإماراتي العسكري في اليمن كان متواضعاً، فإنَّها اضطلعت بدورٍ أكبر من حجمها؛ فمارست نفوذاً كبيراً على الفصائل في الجنوب، فيما عَمِل السعوديون بالأساس مع الحكومة المُعتَرَف بها دولياً، والتي تتخذ في الواقع من الرياض مقراً لها.
أمضى مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بعض الوقت مع القوات الإماراتية في اليمن، ويقول: "الإمارات وحدها لديها القدرة العسكرية والقوات المحلية الحليفة لتهديد الحوثيين بصورة حقيقية أو هزيمتهم".
أزمة عدن تسببت فيها الإمارات
أطلق تقليص الوجود الإماراتي في ميناء عدن العنان لوقوع المواجهة بين الانفصاليين الجنوبيين المدعومين ومُسلَّحين من الإمارات من جهة، وبقايا الحكومة المدعومة سعودياً في المدينة من جهةٍ أخرى. هاجم حلفاء الإمارات المنشآت الحكومية وسيطروا على معظم المدينة، بما في ذلك الميناء. وحمَّل الوزراء اليمنيون صراحةً الإمارات مسؤولية نجاح الانفصاليين.
وكان مسؤولٌ إماراتي بارز قد وصف الشهر الماضي عملية تقليص الوجود الإماراتي باعتبارها "انتشاراً استراتيجياً"، وقال إنَّ الإمارات درَّبت قوات تبلغ نحو 90 ألفاً في اليمن.
وصرَّح المسؤول لشبكة CNN الأمريكية قائلاً: "لا يزال التزامنا باليمن قائماً. نحن جزءٌ من التحالف. ونقاشنا بشأن إعادة الانتشار الحالي مستمر منذ أكثر من سنة".
لكنَّ المحللين ينظرون إلى خطوة الإمارات باعتبارها إشارة لولي العهد السعودي: حان الوقت لإنهاء هذه الحرب. فيقول أيهم كمال من مجموعة أوراسيا للاستشارات إنَّ الإمارات ربما "تحاول تحفيز السعوديين على التفكير بجدية أكبر في وقف الاشتباك" في ظل عدم وجود نصرٍ عسكري يلوح في الأفق.
وتتفق كريستين ديوان، الباحثة بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، مع أنَّ السعودية الآن أكثر عزلة في اليمن و"تحتاج إلى تسوية مع الحوثيين لتأمين حدودها في الشمال. وقد يؤدي تقليص الوجود الإماراتي إلى جعل هذه المسألة أكثر إلحاحاً، لكنَّه لا يُقوِّي الموقف السعودي في المفاوضات".
السيطرة مازالت حوثية
وفي حين حرم التحالف السعودي-الإماراتي الحوثيين من بعض المكاسب التي حققوها، لا يزال المتمردون يسيطرون على العاصمة ومعظم الشمال. ولديهم القدرة على شن هجمات صاروخية وبطائرات دون طيار أسبوعياً ضد أهداف سعودية، بدءاً من المطارات وحتى أنابيب النفط والغاز. واستهدف آخر الهجمات محطة غاز الشيبة نهاية الأسبوع الماضي.
توجد قوات سعودية كبيرة على الأرض داخل اليمن، تبلغ نحو 10 آلاف جندي وفقاً لمصادر مطلعة على الانتشار السعودي باليمن. لكنَّ معظم الحملة السعودية على الحوثيين كانت عبر الجو، وحقَّقت نتائج مختلطة وتكلفة إنسانية ضخمة. في المقابل، أدَّى ذلك لإثارة المعارضة في الكونغرس الأمريكي لتزويد التحالف بإمدادات الأسلحة والمساعدة. واستخدم الرئيس ترامب الشهر الماضي حق النقض (الفيتو) ضد تشريعٍ يمنع مبيعات أسلحة للمملكة بقيمة 8.1 مليار دولار.
ومن شأن شن هجومٍ بري أن يفاقم حتماً الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم بالفعل. لكنَّ الاستثمار في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة سيتضمن حتماً تقديم تنازلات للحوثيين، وهو ما سيُمثِّل إذعاناً مذلاً لولي العهد السعودي بعد 4 سنوات من الصراع.
في الوقت الراهن، يحاول السعوديون والإماراتيون دفع الأطراف المختلفة المناهضة للحوثيين لتسوية خلافاتهم. فالتقى محمد بن زايد الأسبوع الماضي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده في جدة، وقال إنَّ كلتا الحكومتين تدعوان "الأطراف اليمنية المتنازعة لوقف إطلاق النار وتغليب لغة الحوار والعقل".
وفي حين كانت المباحثات مليئة بالتضامن الأخوي، تظل الحقيقة هي أنَّ الحرب في اليمن باتت أكثر صعوبة منذ تقليص الوجود الإماراتي. وعلى الأرجح سيكون المستفيدون هم الحوثيون، الذين يمثلون الدليل الأبرز ضمن دعوى إدارة ترامب بشأن التوسع الإيراني الإقليمي.
يقول نايتس: "لا ينبغي لأحد في واشنطن أو الأمم المتحدة أن يفترض أنَّ خطوط المعركة الحالية ثابتة. فيمكن أن تتحرك بسهولة لصالح الحوثيين، بما يترك آثاراً كارثية على عملية سلام الأمم المتحدة".
تحالفٌ استراتيجي
على الرغم من تباين المقاربات في اليمن، لا يزال التحالف السعودي-الإماراتي في اليمن على حاله. فأعلن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش الأسبوع الماضي أنَّ العلاقات "ستظل قوية لأنَّها تستند إلى أسس قوية وقيم مشتركة".
فحل التحالف محل مجلس التعاون الخليجي، الذي أُضعِف من جرَّاء الخلاف المستمر بين السعوديين والإماراتيين والبحرينيين من ناحية، وقطر من الناحية الأخرى.
وتظل السعودية والإمارات متحدتين في معارضة النزعة التوسعية الإيرانية: فكلاهما تدعمان العقوبات الأمريكية الكاسحة على إيران، وجيشاهما يُنسِّقان عن كثب.
لكنَّ الإمارات ربما تتبنَّى تكتيكاتٍ مختلفة.
يقول أيهم كمال إنَّ تركيز الإمارات هو تجنُّب التصعيد في الخليج. ففي بداية الشهر الجاري، أغسطس/آب، ذهب وفدٌ إماراتي إلى طهران لبحث مسألة الأمن البحري. ووقَّع الجانبان ما يقول الإيرانيون إنَّها "مذكرة تفاهم" لتعزيز التعاون في البحر.
وبعد تخريب أربع ناقلات قبالة شواطئ الفجيرة في مايو/أيار الماضي، حرصت الإمارات على عدم تحميل إيران المسؤولية عن الهجوم بصورة مباشرة. وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أكثر صراحةً، وقال في مقابلة: "نجد أن النظام الإيراني ووكلاءه الذين قاموا بأعمال تخريبية لأربع ناقلات بالقرب من ميناء الفجيرة".
ورصد بعض المراقبين كذلك قلقاً متزايداً من إدارة ترامب بين الإماراتيين.
وقد تلاشت منذ فترة طويلة نشوة مايو/أيار 2017، حين زار الرئيس الأمريكي الرياض في أولى زياراته الخارجية ودعم علناً الضغط السعودي-الإماراتي على قطر.
فكتب حسين إبيش، الباحث لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، في منشورات "ديوان" التابعة لمركز كارنيغي للشرق الأوسط أنَّه "مع أنَّ المسؤولين الإماراتيين رحَّبوا بحملة أقصى درجات الضغط التي شنَّتها إدارة ترامب ضد إيران، نوَّهوا بهدوء طيلة عام تقريباً إلى ضرورة بلورة مسار سياسي كي يؤدي الضغط المُمارَس على طهران إلى تحسين سلوكها".
قلق دبي من توترات الخليج
وقد يتضرَّر الاقتصاد الإماراتي –وخصوصاً اقتصاد دبي- بشدة من جرَّاء أي صراع في الخليج. وفي حين يمكن للسعودية تصدير النفط والغاز عبر ساحلها المُطِل على البحر الأحمر، فإنَّ اقتصاد الإمارات المتنوع أكثر عرضة للصدمات الخارجية.
ويعتقد جو معكرون، الزميل بالمركز العربي في واشنطن، أنَّ انفتاح الإمارات على إيران "خطوة تكتيكية أكثر منها استراتيجية، كما أنَّها في الدرجة الأولى رسالة إلى إدارة ترامب في وقتٍ تدهورت العلاقات بينهما على خلفية قضايا عدة، من بينها التقارب بين الولايات المتحدة وقطر".
ويؤكد كمال، من مجموعة أوراسيا للاستشارات، أنَّ إشارات إدارة ترامب المتضاربة بشأن مواجهة الأعمال الإيرانية في الخليج "تركت حلفاءها في الخليج وحدهم لمواجهة وطأة مساعي إيران الانتقامية" في مواجهة فرض العقوبات الأمريكية.
ويقول كمال إنَّ هذا قاد إلى بعض إعادة التقييم. فتتوقع دول الخليج على المدى الطويل أن تصبح الولايات المتحدة شريكاً أقل موثوقية وتنسحب تدريجياً من الشرق الأوسط. ويُرجّح أن يؤدي هذا على المدى الطويل إلى تعزيز المحور السعودي-الإماراتي باعتباره قوةً موازنة لإيران. لكن في الوقت الراهن، ووفق تعبير دبلوماسي غربي مطلع على شؤون المنطقة، "إنَّه زواج به مشكلات".