فتحت حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي النيران على دور الإمارات العربية المتحدة في دعم انفصال الجنوب، مما يطرح سؤالاً هاماً حول وجود ضوء أخضر سعودي لإحراج شريكها في التحالف، هل يعني ذلك عدم توصل الرياض وأبوظبي لصيغة تفاهم مشتركة حول التعامل مع الموقف الذي تحوَّل لمستنقع بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ؟
ماذا حدث؟
حمَّلت حكومة هادي الإمارات مسؤوليةَ ما وصفته بـ "تمرد عدن"، تزامناً مع وصول وفد المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، بقيادة رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، إلى جدة، مساء أمس الثلاثاء 20 أغسطس/آب، للمشاركة في الحوار الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية.
وفي بيان لها، دعت الحكومة اليمنية إلى "مواجهة التمرد المسلح بكل الوسائل التي يخوِّلها الدستور والقانون، وبما يحقق إنهاء التمرد وتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ نيوز" .
وحمَّلت حكومةُ هادي دولةَ الإمارات "المسؤوليةَ الكاملة عن التمرد المسلح لميليشيا ما يسمى بالمجلس الانتقالي وما ترتب عليه"، وطالبت بـ "إيقاف كافة أشكال الدعم والتمويل لهذه الميليشيات"، بحسب البيان. وقالت الحكومة اليمنية إنها "تثمِّن جهود المملكة العربية السعودية وتدعوها إلى مواصلة جهودها ودعم خطط الحكومة لإنهاء التمرد" .
ودعت الحكومة اليمنية "كلَّ القوى السياسية والاجتماعية إلى الالتفاف حول الشرعية، بقيادة الرئيس هادي، في مواجهة التمرد المسلح في عدن، والقضاء على انقلاب ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران في صنعاء" . كما دعت الحكومة "المجتمع الدولي ومؤسساته للقيام بمسؤولياتهم في دعم الحكومة اليمنية واستقرار وسيادة ووحدة الجمهورية اليمنية" .
اتهامات أممية
الهجوم على الإمارات بدا منسقاً وعلى كافة الأصعدة، حيث وجَّه مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة الاتهامات نفسها للإمارات، وذلك في جلسةٍ لمجلس الأمن لبحث الأوضاع في اليمن، واللافت أن الهجوم على الإمارات لدعم التمرد الذي يهدد سيادة اليمن ووحدته، تزامَن في نفس البيان مع الإشادة بدور السعودية في مساندة اليمن ودعمه.
الرسالة نفسها أو بمعنى أدق البيان نفسه تم التمهيد له في تصريحات لوزير الدولة اليمني لشؤون مجلسي النواب والشورى، محمد مقبل الحميري، قال فيها إن مجلس الوزراء سيصدر بياناً عاجلاً يُحمل فيه الإمارات التبعات والمسؤولية عن "التمرد" في عدن.
وعبر صفحته في "فيسبوك" قال الحميري: "مجلس الوزراء سيصدر بياناً عاجلاً، ولأول مرة يضع النقاط على الحروف، ويُحمل دولة الإمارات العربية المتحدة كافة التبعات والمسؤولية وما يترتب عليه من جرائم ومآسٍ، وتشجيع للإرهاب والمنظمات الإرهابية، باعتبارها الداعم والممول والمشرف على هذا التمرد" .
وأضاف: "هذا التمرد هيَّأت له ميليشيات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة ودرَّبتها وسلَّحتها بمختلف أنواع الأسلحة" .
وأضاف الحميري: "المجلس منعقد منذ الساعة الواحدة ظهراً، وأنهى اجتماعه الآن، وسيبقى في حالة انعقاد دائم" .
وقال مستشار وزير الإعلام اليمني، مختار الرحبي، عبر حسابه في "تويتر"، إن "اجتماع مجلس الوزراء اليمني بكامل أعضائه في مقر السفارة اليمنية بالرياض".
ماذا يعني ذلك؟
هذا الهجوم الشرس على الدور الإماراتي في اليمن من داخل الأراضي السعودية يطرح تساؤلات كثيرة عن مدى التدهور الذي وصلت إليه علاقات الحليفين، ومن غير المتصور أن تُقدِم الحكومة اليمنية على توجيه تلك الاتهامات دون ضوء أخضر سعودي صريح ومباشر.
من المهم هنا التوقف عند تسلسل الأحداث زمنياً، فبعد أن سيطر مقاتلو المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن المدعومون من الإمارات على عدن بشكل كامل بعد قتال استمر أياماً، وصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى السعودية، وقابل الملك وولي العهد، ثم أعلن أن "الحوار بين اليمنيين" هو السبيل الوحيد لتسوية الأزمة.
طوال هذه الأحداث، كانت الاتهامات للإمارات تأتي من أشخاص لا يحملون صفة رسمية في حكومة هادي، وكانت السعودية تؤكد على عمق التحالف الاستراتيجي مع أبوظبي وتوحُّد الأهداف في اليمن، فما الذي أوصل هادي وحكومته إلى الهجوم على الإمارات تزامناً مع وصول وفد المجلس الانتقالي إلى الرياض لبدء الحوار؟
ربما يكون السبب هو محاولة هادي قتل فكرة انفصال الجنوب، لكن هذا الاحتمال مردود عليه بعدم جدوى الهجوم العلني على الإمارات، ولو حتى في هذا السياق، خصوصاً أن الميليشيات التي درَّبتها وسلَّحتها الإمارات تسيطر فعلياً على عدن وأبين، ومن المستبعد أن تنسحب أو أن ترفع أبوظبي يدَيها عن تلك القوات، فالأمر مرتبط بمصالح استراتيجية من الأساس دفعت بن زايد للدخول في التحالف مع بن سلمان.
ومن المستحيل عملياً أن يُقدم هادي على إصدار بيان تصعيدي بهذا الشكل يستهدف الإمارات دون وجود ضوء أخضر سعودي مباشر، فالبيان صادر من الرياض حتى وإن كان من داخل سفارة اليمن هناك، فماذا تريد السعودية -أو بمعنى أدق- ماذا يريد ولي العهد من هذه الخطوة؟
الإجابة على هذا السؤال ربما تكون أبسط كثيراً مما يتخيله البعض، فولي العهد السعودي معروف عنه التهور والاندفاع في قراراته، ومن الواضح أنه فشل في إقناع ولي عهد أبوظبي، أثناء زيارة الأخير للرياض الأسبوع الماضي، بتغيير موقف الإمارات في اليمن، وبالتالي قرر اتخاذ موقف عدائي، فهل تشهد الأيام القادمة شرخاً أعمق في تحالف الرياض وأبوظبي؟