المرزوقي أفضل من مورو، لم يصدر هذا الرأي من قبل تيارات علمانية أو يسارية، بل جاء على لسان قيادات في الحركة الإسلامية أو معارضين مقرَّبين لها، رأوا أنَّ ترشيح المرزوقي لرئاسة تونس أفضل من عبدالفتاح مورو، القيادي في حركة النهضة، وإن كانت مبرّارتهم مختلفة.
وحتى قبل إعلان المرزوقي ترشُّحه للانتخابات الرئاسية التونسية، فقد انتقد كثيرٌ من الإسلاميين من خارج تونس قرارَ النهضة ترشيح عبدالفتاح مورو.
الخوف من مصير مرسي
فقد حذَّر المفكر الإسلامي الكويتي، الدكتور عبدالله النفيسي حركة "النهضة" الإسلامية في تونس، من تكرار تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر، بعد قرارها بخوض السباق الرئاسي، المقرَّر في سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك بعد قرارِها ترشيحَ عبدالفتاح مورو للانتخابات الرئاسية، وذلك باقتراح من رئيس الحركة راشد الغنوشي.
النفيسي حذَّر عبر حسابه على موقع "تويتر" من تكرار تجربة "الإخوان" في مصر، بعد الإطاحة بالجماعة من السلطة إثر وصول مرشَّحها محمد مرسي للرئاسة، في أول انتخابات أُجريت بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وكتب: "أنصح حركة النهضة في تونس بالابتعاد عن الانتخابات الرئاسية، وألَّا تقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه الإخوان في مصر، عندما رشَّحوا -المرحوم بإذن الله- محمد مرسي، واكتشفوا أن (الدولة العميقة) ضدَّهم. حتى لو فازت النهضة فإن (الدولة العميقة) في تونس ستُسقطها" .
وأثار قرارُ ترشيح مورو جدلاً أيضاً داخل حركة النهضة، إذ كتب القيادي بالحزب رفيق عبدالسلام، عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يقول إن "اختيار مرشح داخل النهضة خيار خاطئ، ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة" . وأضاف أن "الوحدة على الخطأ هي وحدة مغشوشة ومزيفة" .
ولكن اللافت أنَّ كثيراً من المعترضين على قرار النهضة رأوا أنَّهم كان يجب عليهم دعم المرزوقي، حليفهم السابق، الذي أسهموا في توصيله للرئاسة في انتخابات غير مباشرة عبر المجلس التأسيسي، عام 2011.
رمز للربيع العربي
ويُنظر للمرزوقي على نطاق واسع بأنه أحدَ أبرز رموز الربيع العربي، والرافض للانقسام التقليدي بين الإسلاميين والعلمانيين، وكذلك مناهض لإسرائيل وللطغاة العرب، وعلى رأسهم بشار الأسد.
وعقب تردُّد أنباء عن ترشُّح عبدالفتاح مورو، القيادي بحركة النهضة والنائب الأول لرئيس مجلس النواب التونسي، في الانتخابات الرئاسية التونسية، بادرت المعارضة المصرية بالخارج إلى استنكار هذا الخبر، مؤكدة أن الأليق برئاسة تونس هو الرئيس الأسبق "المنصف المرزقي" .
وكتب الدكتور محمد الصغير، البرلماني السابق على حسابه في تويتر: "أنباء عن ترشح د. عبدالفتاح مورو لرئاسة تونس عن حركة النهضة.. لو كنت تونسياً لأعطيتُ صوتي للدكتور المنصف المرزوقي.
كما علَّق المرشح الرئاسي السابق أيمن نور بالقول: "وأنا أيضاً لو كنت تونسياً لشرفت أن يكون الدكتور المصنف المرزوقي هو رئيسي" .
وغرَّد حساب ريحانة: "وأنا أيضاً لو كنت تونسية، صوتي للحرِّ حبيب الأحرار المنصف المرزوقي" .
مورو ليس إسلامياً كما ينبغي
ولكن اللافت أنَّ بعض مَن يفضلون المرزوقي على مورو لا ينتج موقفهم فقط من خوفهم من تصدُّر الإسلاميين للمشهد وتكرار مصير مرسي في مصر.
فالبعض يفضل المرزوقي عن مورو، لأنهم يرون الأخير معتدلاً ومفرِّطاً أكثر مما ينبغي في ثوابت الحركة الإسلامية.
وكتب الدكتور محمد الصغير مقالاً بعنوان المنصف وعبدالفتاح مورو لا يستويان.
أبدى تأييده لترشيح المرزوقي أكثر من مورو قائلاً "الفارق بين المنصف المرزوقي وعبدالفتاح مورو أنَّ الأول له مرجعية يسارية، وحكم فترة رئاسية، كان متسقاً فيها مع مبادئه، وظهر فيها معدنه الطيب، وحسن التنشئة التي شبَّ عليها، فعمل على ترسيخ قضايا الحقوق والحريات، والنزاهة والشفافية، وظلَّ وفياً للربيع العربي، ومجاهراً بخصومة الثورة المضادة وكفلائها.
أما الثاني فالتزم سياسة الإمساك بالعصا من المنتصف، فلا هو أظهر تمسكه بالمشروع الإسلامي، ولا انتقل بالكلية إلى معسكر العلمانية!"
سر اختلاف المرزوقي عن أغلبية العلمانيين.. التحالف مع الاستبداد
يعتبر المنصف المرزوقي من العلمانيين القلائل في تونس الذين تربطهم علاقات جيدة مع الإسلاميين منذ بداية الألفية الثانية حين كان منفياً في العاصمة الفرنسية باريس.
ويقول المرزوقي إنه يعدُّ "العلماني الوحيد الذي يستطيع الجمع بين هذين الطرفين" .
وفي وقت سابق، قال المرزوقي للأناضول: "أنا من شباب السبعينيات، كنا حينها جميعاً قوميين أو يساريين، لأنه لم يكن هناك ديمقراطيون أو إسلاميون، وأنا كنت الاثنين.. كان عندي طرح قومي وطرح يساري" .
ومضى قائلاً: "لكن في الثمانينيات غادرت القوميين واليساريين؛ لأنني اكتشفت أن جزءاً أصبح مهووساً بالعداء للإسلاميين، والقضية الطبقية والاجتماعية والفقر والتهميش أصبحت ثانوية بالنسبة إليه، وهو ما أدّى في نهاية المطاف إلى التحالف مع الدكتاتورية في التسعينيات، وأنا أعتبر ذلك كان انزلاقاً، فيساريّتي تعني الوفاء للفقراء وللطبقات المسحوقة" .
ويَعتبر المرزوقي، الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، صديقاً شخصياً له، وانهار باكياً أمام كاميرات التلفزيون وهو يرثيه بعد وفاته في سجون النظام المصري.
ولكن هذا الإعجاب من قبل الإسلاميين وحلفائهم في الدول العربية بالمرزوقي، والاحتفاء بمواقفه النبيلة يتجاهل بعضَ الحقائق على الأرض.
ما مدى شعبية الرجل فعلاً في تونس، وهل لديه فرصة أفضل للفوز؟
يمثل المرزوقي حالة التصالح في العالم العربي وتونس بين الإسلاميين والعلمانيين.
في المقابل فإنه يتخذ موقفاً شديد الاستقطاب تجاه الدولة العميقة في تونس، مما قد يُشعل صراعاً غير متكافئ بين هذه الدولة وبين قوى ثورية ضعيفة وغير موحدة.
كما أن نبل المرزوقي الذي لا خلاف عليه وثوريته ونضاله أمور تجعله بلا شك رمزاً من رموز الربيع العربي، ونموذجاً للسياسي العربي المؤيد للحق والديمقراطية، ولكن هل تكفي هذه المُثل لإدارة دولة.
تونس ليست مصر
الافتراض بأن مورو سيلقى مصير مرسي لا يمكن استبعاده، ولكن يجب مراعاة اختلاف الوضع في تونس عن مصر.
فرغم تشابه الخلفيات الإسلامية بين النهضة والإخوان، فالحركة التونسية وعت بضرورة خلق توافقات لأجل إنجاح تجربة تونس ما بعد "الربيع العربي"، وهو ما ظهر في دعمها لتيارات وشخصيات علمانية. ويوجد اختلاف آخر يكمن في طبيعة النظامين المصري والتونسي، فالأول رئاسي والثاني برلماني، واختلاف ثالث يظهر في تردّي الواقع الحزبي في تونس، وهو ما أدى إلى بزوغ نجم مرشّحين مستقلين مقابل استمرار ابتعاد الجيش عن العملية السياسية.
كما أنَّ الظروف قد تكون أجبرت النهضة على التقدم بمرشح للرئاسة.
فقد أدَّت وفاة الباجي قايد السبسي إلى إقرار انتخابات رئاسية مبكرة في منتصف سبتمبر/أيلول المقبل، سابقة على الانتخابات التشريعية، رغم أن العكس هو ما كان مبرمجاً قبل رحيل السبسي.
هذه الواقعة أربكت خطط العديد من الأحزاب التونسية في طريقة تدبيرها للعمليتين الانتخابيتين، خاصة حركة النهضة التي كانت تنتظر نتائج التشريعيات، وهل ستستمر في الحفاظ على أغلبيتها داخل البرلمان، لأجل اتخاذ قرار يخصُّ رئاسة الدولة، لكن في النهاية قرَّرت النهضة السير في الاتجاهين معاً، ويمكن لها نظرياً الآن، في حال الفوز في العمليتين الانتخابيتين، أن تتوفر على رئيس للدولة ممثلاً في مورو، ورئيس للبرلمان أو الحكومة ممثلاً في الغنوشي.
ويبدو أن النهضة في سعيها للوصول للرئاسة لا تخشى العلمانيين أو الدولة العميقة، بقدر ما تخشى تصاعُد ظاهرة أخرى في تونس هي القوى الشعوبية، المدعومة بالمال المريب والإعلام، الذي يوصف بالأصفر.