يبدو أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق كما يؤكد رئيس الوزراء بوريس جونسون ستكون له آثار كارثية على المملكة المتحدة، فهل يمثل السيناريو الأسوأ الذي تم الكشف عنه دافعاً أقوى لمعارضي البريكسيت كي يتحدوا لإسقاط مخطط جونسون أم أن كرة الثلج قد اكتسبت قوة دفع هائلة يستحيل إيقافها؟ وإذا ما حدث ذلك فماذا ينتظر مواطني بريطانيا يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟
سيناريو مقلق
أظهرت وثائق حكومية مسربة نشرتها صحيفة "صنداي تايمز" أن بريطانيا ستواجه نقصاً في الوقود والغذاء والدواء إذا خرجت من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، الصحيفة قالت إن التوقعات التي جمعها مجلس الوزراء حددت الآثار المرجحة أكثر من غيرها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وليس أسوأ السيناريوهات.
هذا الكلام يعني أن هناك سيناريوهات أسوأ بكثير مما تم تسريبه، فماذا يمكن أن يكون السيناريو الأسوأ؟
الوزير المسؤول عن التخطيط للخروج مايكل جوف قال إن الملف الذي نشرته الصحيفة "قديم" وإن التخطيط للبريكسيت أو المغادرة دون اتفاق أصبح أسرع وتيرة منذ تولي جونسون رئاسة الوزراء، لكنه اعترف بأنه ستكون هناك "عثرات في الطريق"، بحسب البي بي سي.
ماذا تعني عثرات؟
عندما يستخدم الوزير جوف لفظ "عثرات" و "إزعاج"، لابد من التدقيق في نوعية تلك العثرات ومن سيدفع ثمنها بشكل مباشر.
الملف المسرب أشار إلى أن ما يصل إلى 85% من الشاحنات التي تستخدم معابر القناة الرئيسية، "قد لا تكون جاهزة" للتعامل مع الجمارك الفرنسية، مما يعني أن التعطل في الموانئ قد يستمر لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر قبل تحسن تدفق حركة المرور.
أي أن بريطانيا ستعاني من نقص الغذاء والدواء لمدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، في مجتمع أوروبي غير معتاد على مثل تلك الأزمات وما يتبعها بالضرورة من مشاكل اجتماعية في وسط مجتمع منقسم بالأساس حول مسألة مغادرة الاتحاد الأوروبي وهو ما أظهرته نتائج استفتاء 2016 التي جاءت متقاربة للغاية بين الموافق والرافض.
وحتى بعد أن تبدأ الأمور في التحسن من حيث وصول البضائع، سترتفع الأسعار بلا شك مع دفع الرسوم والجمارك على تلك البضائع وهو ما لا يحدث الآن، وهذه الزيادة بالطبع سيتحملها المستهلك.
حالياً 30% من البضائع في أسواق المملكة المتحدة تأتي من دول الاتحاد الأوروبي، وبحسب محافظ البنك المركزي في إنجلترا من المتوقع ارتفاع فاتورة الشراء للمواطن بنسبة 10% في حالة الخروج من دون اتفاق.
أزمات في مجال الصحة
المواطن البريطاني الذي يعيش أو يعمل أو يزور دول الاتحاد الأوروبي سيواجه صعوبات في منظومة التأمين الصحي في تلك الدول، وسيتوقف الأمر على القرار الذي ستتخذه كل دولة منفردة في هذا الشأن، وتقول حكومة جونسون إنها تضع هذا الأمر في قائمة أولويات معالجة آثار الخروج، بحسب تقرير للبي بي سي يرصد الآثار السلبية المتوقعة للبريكست دون اتفاق.
في مجال الصحة أيضاً، ولكن داخل بريطانيا نفسها، من المتوقع حدوث أزمة نقص في الأدوية والمؤكد ارتفاع الأسعار أيضاً، رغم تأكيدات الحكومة أنها تسعى لضمان حدوث ذلك في أضيق الحدود، باختصار الحكومة تدرك أنه ستكون هناك آثار لكنها تعد بالحد منها.
الخطورة هنا تكمن في أن حوالي ثلاثة أرباع الأدوية ومعظم المنتجات الصحية التي يستخدمها البريطانيون تأتي من دول الاتحاد الأوروبي.
أسعار المنازل والإيجارات
من المتوقع حدوث انخفاض كبير قد يصل لـ30% في أسعار العقارات في بريطانيا حال الخروج دون اتفاق، ويعود ذلك بالأساس إلى فقدان الثقة لدى المشترين والخوف من الآثار الاقتصادية التي يبدو أن هناك إجماعاً على وقوعها وإن تفاوتت التقديرات بين أزمة اقتصادية بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ وبين حدوث تراجع مؤقت في الاقتصاد.
التأثيرات من المتوقع أن تطال كل شيء تقريباً في حياة المواطن البريطاني وصولاً إلى قيمة المكالمات الهاتفية واستخدام الإنترنت عند تشغيل خاصية التجوال في أي من دول من الاتحاد الأوروبي.
حدود وتأشيرات
النقطة الأخرى تتعلق بوجود حدود "صلبة" بين مقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية أيرلندا التي ستظل تابعة للاتحاد الأوروبي، وهذه النقطة ستفتح جراحاً عميقة وتعيد تاريخاً دموياً يتعلق بتوحيد أيرلندا، وهو تاريخ لا يرغب أحد حتى في تذكره.
مسألة تنقل مواطني المملكة المتحدة في أوروبا لن تكون كما هي الآن سلسة ولا تحتاج لتأشيرات دخول، بل ستصبح خاضعة للعلاقات بين بريطانيا وكل دولة أوروبية على حدة وأيضا سيدفع المواطنون ثمن كل ذلك مادياً واجتماعياً.
بعض الموانئ والطرق السريعة في المملكة المتحدة ربما تشهد ازدحاماً غير معتاد نتيجة لتطبيق إجراءات التفتيش والرسوم من جانب دول الجوار التي ستتعامل مع بريطانيا كدولة غريبة.
نحو مليون ونصف المليون مواطن
السيناريو الأسوأ لن يضرب فقط المواطنين داخل بريطانيا، بل إن هناك نحو مليون ونصف المليون مواطن بريطاني يعيشون في دول الاتحاد الأوروبي سيجدون أنفسهم في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل يواجهون سيناريو المجهول.
إضافة لذلك هناك أكثر من 16 ألف طالب بريطاني يدرسون في دول الاتحاد الأوروبي ويتعاملون الآن على أنهم مواطنون لدى تلك الدول ويتمتعون بحقوق المواطنة بشكل كامل، سيجدون أنفسهم فجأة طلاباً أجانب مطالبين بدفع رسوم تعليم باهظة ومواجهة أعباء المعيشة كأجانب.
تطمينات حكومة جونسون لا تقدم حلولاً بقدر ما تركز على فكرة تحرر بريطانيا من قيود وجودها في الاتحاد الأوروبي وامتلاك لندن لقرارها وهو خطاب يميني شعبوي يقوم على ما يمثله جونسون وهو ما وصفته صحيفة الغارديان في تقرير لها جاءت فيه فقرة هامة: "فكيف سيرُد اليسار التقدُّمي الليبرالي على تهديد الشعبوية اليمينية مُنعدمة الضمير والأخلاق، والمُتمثِّلة في حكومتي ترامب وجونسون؟ وكيف يُمكن تحييد هذا السُّمِّ الذي يسري في عروق مُجتمعاتنا؟" .
تلك السياسات الشعبوية "العشوائية" هي أكثر ما يثير قلق معارضي بريكسيت من الأساس، حيث إن فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي بالصورة التي يريدها جونسون تحمل كثيراً من النقاط العمياء التي لا يمكن لأحد التكهن بما قد تؤول إليه في النهاية، وهذا بالتحديد ما دفع أكثر من 100 نائب في مجلس العموم لإرسال خطاب مفتوح إلى جونسون يدعونه فيه إلى قطع إجازة البرلمان ودعوته للانعقاد فوراً وبشكل مستمر حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول، وعدم انتظار الثالث من سبتمبر/أيلول موعد الدورة البرلمانية الجديدة.