استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حق الفيتو خلال التصويت على خمسة مشروعات قوانين هذا العام؛ أربعة منها كانت تتعلّق بدعم أمريكا لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ودورهما في الحرب الوحشية الدائرة منذ أربع سنوات والوضع الإنساني المروّع في اليمن.
وقبل نحو أسبوعين، فشل مجلس الشيوخ في إبطال استخدام ترامب المتكرر للفيتو في التصويت على قرارات متتالية تُعارض عمليات بيع الأسلحة التي يصفها ترامب بـ"الطارئة" لتلك الدولتين. وعلى الرغم من هذا الفشل، فلا يمثل الفيتو الكلمة الأخيرة.
لقد سئموا من ترامب
تقول الصحفية الأمريكية المختصة بشؤون البيت الأبيض إريكا فين، بمقالة نشرتها في موقع Lobelog الأمريكي، إن أغلبية الحزبين -الديمقراطي والجمهوري- في الكونغرس سئموا من إذعان ترامب للسعودية والإمارات، مما سمح بدوره لتلك الدول بالتصرف دون عقاب تحت إشراف إدارة ترامب.
وتضيف فين، أنه يجب أن نتوقع من الكونغرس أن يواصل محاولة التصدّي لنهج ترامب وتوفير الرقابة اللازمة لما ينجم عن السياسة الأمريكية تجاه هذين البلدين من إضرار بالمصالح الأمريكية الأمنية على المدى الطويل، وتقويض حقوق الإنسان وإدامة المعاناة والدمار في اليمن وإمكانية خوض حرب أمام إيران.
مجلس الشيوخ الأميركي فشل في إبطال الفيتو.. فماذا بعد؟
ستأتي الخطوة التالية للكونغرس في سبتمبر/أيلول 2019، عندما يناقش مجلس النواب ومجلس الشيوخ نسختيهما من قانون إقرار الدفاع الوطني (NDAA) للسنة المالية 2020. وتشتمل نسخة مجلس النواب على صيغة تعلّق عمليات نقل أو بيع أو ترخيص "الذخيرة الموجهة بدقة" إلى السعودية والإمارات لمدة عام، وتحظر جميع أشكال المساعدات العسكرية الأمريكية في الحرب التي يخوضها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
وحظي البند الأول، الذي يرعاه النائب الجديد عن مقاطعة نيوجيرسي توم مالينوفسكي، الذي كرّس حياته المهنية في الدفاع عن حقوق الإنسان، بالدعم من الفصيل الديمقراطي بأكمله، فضلاً عن دعم ستّة من الجمهوريين والمستقلين. أمّا البند الثاني، برعاية زعيم السياسة الخارجية التقدمية وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا النائب رو خانا، فقد نال المزيد من الدعم بين صفوف الجمهوريين والمستقلّين، ونال دعم 13 نائباً في المُجمل، بينما رفضه خمسة نواب من الحزب الديمقراطي.
والأمر الأهم من ذلك هو أن صعوبة استخدام أي رئيس لحق الفيتو ضد قانون إقرار الدفاع الوطني أكبر منها في حالة التشريعات المستقلّة. والسؤال المطروح هو ما إذا كان أي من هذين البندين يمكن أن ينجو من مفاوضات ستشهد معارضة ثلاثية من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ورئيس لجنة القوات المسلحة جيم إينهوف، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية جيم ريش- إلى جانب إدارة ترامب الوخيمة.
ولطالما كانت الضربات الجوية التي شنّها التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، باستخدام ذخائر دقيقة التوجيه من صنع الولايات المتحدة، سبباً رئيسياً لوفيات المدنيين في اليمن، إذ تسببت هذه الضربات في مقتل أكثر من 8 آلاف شخص من إجمالي 11700 قتيل تقريباً وُثِقت حالاتهم كوقائع استهداف مباشر للمدنيين في اليمن. وقد سعى مجلس الشيوخ ومجلس النواب، مستندين إلى تلك الحقائق، لاستخدام النفوذ الكبير للولايات المتحدة لتغيير سلوك التحالف ودفعه إلى إنهاء الحرب.
فلننظر على سبيل المثال إلى التشريع الذي طرحه الحزبين بقيادة العضو البارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ والنائب عن مقاطعة نيو جيرسي بوب مينديز، والسيناتور الجمهوري عن ولاية إنديانا تود يونغ، ولم يشارك في دعمه سوى السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندساي غراهام بشأن مساءلة السعودية وقضية اليمن. وقد صدر هذا القرار مؤخراً عن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بأغلبية 13 صوتاً مقابل 9 أصوات.
في بعض جوانبه، استخدم لهجة صارمة تتجاوز نظيرتها التي استخدمها مجلس النواب في طرح قانون إقرار الدفاع الوطني، حيث أنه يعلق مبيعات الأسلحة للمملكة العربية السعودية لمدة عامين بدلاً من عام واحد، ولكنه لا ينطوي على فرض حظر على الإمارات. ومع ذلك، فإنه بالنظر إلى هذا الدعم القوي من جانب الحزبين وفصائل متنوّعة أيديولوجياً، لا ينبغي أن يكون من العسير أن يجري التمسّك بلهجة مجلس النواب في قانون إقرار الدفاع الوطني.
وبالمثل، ونظراً لأن مجلسي النواب والشيوخ قد مررا مراراً وتكراراً مشروعات قوانين تقضي بإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية، الذي يأتي في شكل تزويد الطائرات بالوقود جواً، فلن يكون من الصعب تخيل تبنّي تلك اللهجة في الصيغة النهائية لقانون إقرار الدفاع الوطني.
لا تتوقّع خلو قانون إقرار الدفاع المدني من شأن اليمن
إذن، ماذا سيحدث إذا لم يبق هذان البندان على حالهما؟ على الرغم من أنها ستكون بلا شك خسارة، إلا أن هناك عناصر أخرى يجب أن نتوقع بقاءها؛ فعلى سبيل المثال، يحظر تعديل قانون إقرار الدفاع الوطني -الذي تقدّمت به النائبة الديمقراطية عن ولاية هاواي تولسي غابارد، والنائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا تيد ليو- تقديم مساعدات عسكرية بعينها للسعودية والإمارات في حال استخدامها للحرب في اليمن.
في الواقع، أقر مجلس النواب الأمريكي العديد من التعديلات ذات الصلة باليمن والتي لسنا بصدد ذكرها جميعاً هنا. وكي لا نتجاهل الأمر، يتضمّن مشروع قانون اعتمادات الدفاع الذي أقرّه مجلس النواب، اللهجة الواردة في قرار SJRes.7 (المعني بتنحية القوات المسلحة الأمريكية عن الأعمال العدائية التي لم يوافق الكونغرس على المشاركة فيها باليمن)، ومشروع قانون صلاحيات الحرب الذي أقره الكونغرس واعترض عليه ترامب، أي أنه سيكون من الصعب ولكن ليس من المستحيل الاحتفاظ بتلك اللهجة في الصيغة الأخيرة.
مساءلة السعودية والإمارات
حتى في عالم لا تستطيع فيه معظم هذه البنود التغلب على مجلس شيوخ جمهوري صعب المراس، ولا على تهديد استخدام ترامب لحق الفيتو، فإننا أيضاً في عالم لن يستسلم فيه الكونغرس؛ إذ سيُبذل المزيد من الجهد لإنهاء التواطؤ الأمريكي في اليمن حتى مع استمرار الكونغرس في اتخاذ تدابير المساءلة الأخرى.
فعلى سبيل المثال، هناك مجموعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في مجلسي الشيوخ والنواب تستمر في طرح مشروعات قوانين تتعلق بتقليص المساعدات الأمريكية غير المقيدة لبرنامج سعودي للطاقة النووية لأغراض مدنية (والذي يمكن أن يصبح يوماً ما برنامجاً للأسلحة)، وتُجري لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي بمجلس النواب تحقيقاتها الخاصة في التأثير السعودي والإماراتي المفرط على إدارة ترامب.
هل الكونغرس ذو أهمية؟
تقول فين، مع تمادي ترامب في نهجه، وتزايد عدد القتلى وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، يتعين على المرء أن يسأل ما إذا كان كل هذا العمل في الكونغرس حقاً ذا جدوى. والجواب هو أنه طالما استمرت الولايات المتحدة بقيادة ترامب في التلاعب بما يحدث في المنطقة لصالحها، فإن جهود الكونغرس المبذولة لضبط الموازين ستظلّ بالغة الأهميّة بالنظر إلى واجبات الكونغرس الدستورية في مسائل الحرب والسلام والإشراف على القوانين والسياسات الأمريكية.
وعلى الرغم من استمرار الحرب في اليمن، ساعد بالفعل نفوذ الكونغرس على التوصل إلى اتفاق انتقالي هش بين الفصائل المتحاربة في ديسمبر/كانون الأوّل. ويمكن أيضاً أن يُعزى فضل قرار الإمارات بتخفيض عدد القوات إلى مجموعة من جهود التدقيق المستمر من جانب الكونغرس (فضلاً عن التدقيق الدولي وغير الحكومي)، وذلك بالإضافة إلى قلق مشروع للغاية من إمكانية تعرضه لانتقادات في حال اندلاع حرب يبادر بها ترامب ضد إيران.
إن الشعب اليمني وغيره من سكان المنطقة الذين يعانون من انتهاكات حقوق الإنسان على أيدي الحكومتين السعودية والإماراتية يستحقون أفضل بكثير مما يحصلون عليه من حكومة الولايات المتحدة بقيادة ترامب. وكثيرون في الكونغرس يتفهّمون قدرة الولايات المتحدة الفريدة على المساءلة عن هذه الانتهاكات ويريدون فعل ما في وسعهم لتمهيد الطريق الذي نسير فيه. وقانون إقرار الدفاع الوطني يتيح تلك الفرصة.