سيعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطته لأمن الخليج خلال الشهر المقبل. وليس من الواضح كيف ستستجيب دول الخليج لمبادرته، وما إذا كان لدى إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي متّسعٌ لتلك الخطّة. وطموح هذه الخطّة المقترحة "صارخٌ" بحسب وصف موقع Al-Monitor الأمريكي، ويبدو أن هذه المرحلة صفقة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، بالنسبة للكثيرين من أصحاب المصلحة، خاصة الولايات المتحدة.
وفي محاولة الدفع بخطّته، قد يضع بوتين السياسة الأمريكية نصب عينيه على أمل أن يرحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمسار دبلوماسي -حتى وإن كانت فرصته في النجاح ضئيلة- ليكون من شأنه المساعدة على إبقاء الخليج هادئاً خلال حملته لإعادة انتخابه عام 2020.
لافروف: المبادرة الروسية "شيء مبشر للغاية"
في خِضم النزاع المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران، نشر ترامب تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر يوم 24 يونيو/حزيران، وقال فيها: "نحن لسنا بحاجة إلى أن نكون في الخليج، لأن الولايات المتحدة لم تعد تعتمد على نفط الخليج، فلماذا نحمي خطوط الشحن الخاصة بالدول الأخرى على مدى سنوات عديدة دون أن نحصل على أي شيء في المقابل.. يجب أن تحمي كل هذه الدول سفنها في رحلة طالما اتسمت بالخطورة".
وأصاب هذا التصريح شركاء الولايات المتحدة في الخليج بالذهول، بما فيهم المملكة السعودية والإمارات والبحرين، الذين يعتمدون على علاقاتهم الأمنية مع الولايات المتحدة ويدعمون حملة الضغط القصوى التي تمارسها الإدارة الأمريكية على إيران.
بعد أربعة أيام من تغريدة ترامب، التقى الرئيس الأمريكي بنظيره بوتين لمدة 80 دقيقة في قمة مجموعة العشرين في أوساكا، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد ذلك إن الرئيسين اتفقا على الحاجة إلى "مخرج دبلوماسي" للأزمة مع إيران. ثم أشار لافروف إلى مبادرة روسية من شأنها تعزيز الثقة بين إيران ودول الخليج العربي بمساعدة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وقال لافروف: "هذا شيء واعد للغاية، وبدأ الجميع ينظرون إليه على أنه فرصة لإقامة حوار ومنع المزيد من تصعيد التوتر، ناهيك عن اتخاذ مسار القوة في تطور الأحداث".
هذا كثير في ضوء ضعف بوتين في الخليج
بعد شهر واحد، قدم وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف رسمياً "مفهوم روسيا الأمني لمنطقة الخليج"، وهو عبارة عن مجموعة شاملة من المقترحات الطويلة المدى لبناء الثقة والأمن الخليجي، بما يشمل التعاون في مكافحة الإرهاب وحل النزاعات في اليمن وسوريا، وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية والكيميائية، وحتى الدعوة إلى "شرق أوسط ديمقراطي ومزدهر يحثُ على السلام والتعايش بين الأديان".
"الهدف المركزي طويل الأجل"، وفقاً للوثيقة، هو "إنشاء منظمة أمن وتعاون في الخليج العربي تضم -إلى جانب دول الخليج- روسيا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والهند وأصحاب المصلحة الآخرين كمراقبين أو أعضاء مشاركين".
ويوضح مكسيم سوشكوف، الخبير الدبلوماسي، الأمر قائلاً: "لقد ظلت روسيا على مستوى منخفض فيما يتعلق بأمن الخليج"، معتبرةً أن المنطقة دون الإقليمية هي ساحة النفوذ الأمريكي في المقام الأول، ومع ذلك، فقد كوّنت على نحو حثيث شبكة علاقاتها الإقليمية مع التركيز على وضع نفسها في المركز. والآن تصعّد اللعبة بمجموعة من الأفكار التي تعكس كل من مظالم روسيا الخاصة مع الولايات المتحدة والسياسات الأمريكية التي أثبتت أنها كارثية على الشرق الأوسط على مدار العقود الأخيرة".
روحاني: جميع محاور القوة بحاجة إلى التعاون
تتبع المبادرة الروسية عن كثب اقتراح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بشأن "منتدى الحوار الإقليمي في الخليج"، الذي وَرد وصفه في مقال نشرته صحيفة Financial Times البريطانية العام الماضي.
قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 14 أغسطس/آب، إن إيران "مستعدة لحماية أمن المنطقة التاريخية إلى جانب أراضيها الساحلية، مثلما فعلت على مدار التاريخ. ومن أجل حل مشكلة إقليمية ودولية ما، يجب أن تتضافر جميع محاور القوة"، وأشار روحاني أيضاً إلى" الوحدة بين جميع الهيئات لإنهاء الحرب بين إيران والعراق"، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 598، بشأن دور "الأمين العام للأمم المتحدة" في تقديم خطة للأمن الإقليمي.
وهناك دلائل على أنه قد يكون هناك إحياء جديد للدبلوماسية الإقليمية مع إيران. ففي شهر مايو/أيّار، كتب حسين موسويان، وهو من المخضرمين في السياسة الخارجية، من إيران، وعبدالعزيز صقر من المملكة العربية السعودية في افتتاحية صحيفة New York Times الأمريكية عن الحاجة والإمكانات لإجراء حوار إيراني سعودي.
تحدث روحاني مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن الأمن الإقليمي ومسائل أخرى في 11 أغسطس/آب، وقد ظهر ظريف في الدوحة في اليوم التالي لتفقد الشأن مع الأمير، وتحدث بوتين عبر الهاتف مع آل ثاني بعد ثلاثة أيام، في 15 أغسطس/آب، أيضاً عن الأمن الإقليمي.
ونفت سلطنة عمان، التي كان لها دور أساسي في التواصل الدبلوماسي غير المعلن الذي أدّى إلى الاتفاق النووي الإيراني، لعب دور "الوساطة"، ولكن كان هناك تحذيرٌ؛ حيث قال وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبدالله عقب اجتماعه مع المسؤولين الإيرانيين في طهران الشهر الماضي: "نحن لا نتوسط، لكن ما يهمنا أكثر، في هذه الحالة، هو ضمان استقرار الملاحة في مضيق هرمز، لذلك فإننا على تواصل مع جميع الأطراف".
وقد أُجريت الكثير من اللقاءات في طهران بين مسؤولي خفر السواحل الإيرانيين ومسؤولين إماراتيين هذا الشهر، وامتنعت الإمارات عن إلقاء اللوم على إيران في إبحار سفن التعدين في الخليج في يونيو/حزيران، بحسب ما ذكرت صحيفة Washington Post الأمريكية.
وبينما تستمر أبو ظبي في إعطاء الأولوية لشراكتها مع واشنطن، من المفهوم أيضاً أن تحتاط الإمارات العربية المتحدة، وربما تختبر اتجاهاً دبلوماسياً إقليمياً ناشئاً ربما يحمل في طيّاته عواقب على مصالحها وأمنها. وجميع دول المنطقة تعرف أنه لا يوجد وضع قائم يستمر إلى الأبد. ويمكن أن تحلّ التغييرات بسرعة، ونتيجة لذلك، على سبيل المثال، كان تقليص تواجد الإمارات العربية المتحدة في اليمن قائماً منذ فترة، وانسحبت لأن موقف أبوظبي يتمركز حول تأمين مصالحها الحيوية وتأثيرها في البلاد، بحسب المونيتور.
بومبيو: "واثق جداً" من مؤتمر الأمن البحري الأمريكي
يركز نهج إدارة ترامب تجاه المنطقة على مؤتمر الأمن البحري الدولي (IMSC)، المعني برفع مستويات "المراقبة والأمن في المجاري المائية الرئيسية في الشرق الأوسط"، وفقاً لبيان نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي مايكل مولروي.
حتى الآن، أكدت المملكة المتحدة حضور ممثليها في IMSC، وبدت إسرائيل اهتمامها (مما أثار الانتقادات الإيرانية). وتكافح مبادرة أوروبية مماثلة -لم تنضم حتى الآن بشكل مباشر إلى الجهود الأمريكية- لتكتسب زخماً، بحسب ما يقول جاك ديتش.
ويقول البيان إنه "على الرغم من أننا تلقينا بعض الدعم لجهود حرية الملاحة، إلا أن المناقشات جارية مع شركاء إضافيين وحلفاء بشأن المساهمات التي يمكنهم تقديمها لتعزيز قدر أكبر من السلام والأمن"، وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي سيلقي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي بشأن إيران في 20 أغسطس/آب، إنه "واثق جداً" من أن الولايات المتحدة ستنال الدعم لمبادرة IMSC.
محاولات بوتين قد تتراجع
من المتوقع أن يطرح بوتين خطته الأمنية الخليجية في 20 سبتمبر/أيلول تقريباً، في نادي فالداي الدولي المنعقد في مدينة سوتشي الروسية. ويعتمد بوتين على إيران؛ فعلى الرغم من أن طهران لم تتبنّ المبادرة رسمياً، فإنها تناقشها.
قد يكون لدى روحاني تساؤلات حول نهاية لعبة بوتين، وخاصة ما إذا كان بوتين يمكنه التواصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن ودول الخليج العربي. لكن روحاني يحتاج أيضاً إلى بوتين، فإنه تقريباً أهم حلفائه في ضوء سياسة الضغط القصوى التي تفرضها الولايات المتحدة، وخاصة إذا كانت الأحداث تتحول بشكل عام نحو الأسوأ.
يتتبع النهج الروسي كذلك الاقتراح السابق الذي قدمه ظريف، ونظراً للدبلوماسية الإقليمية المكثفة، من الصعب ألا يُنظر إلى طهران كشريك في نهاية المطاف -أو على الأقل كرفيق سياسي- في محاولة بوتين، على افتراض أنها تمضي قدماً.
من الصعب تصور أن سيناريو تعرض فيه الولايات المتحدة على بوتين مقعداً على رأس طاولة مؤتمرات تتناول أمن الخليج أو تسمح له بهذا المقعد، خاصة بالنظر إلى النهج الحالي للولايات المتحدة تجاه المنطقة. وقد شكك مسؤول أمريكي، في حديث غير مسجّل، في الاقتراح، قائلاً: "روسيا لم تكن مفيدة قطّ" في هذه الأنواع من المبادرات، ومن المرجح أن يكون رد فعل الاتحاد الأوروبي حذراً في أحسن الأحوال. وكما نشر موقع Al-Monitor في يونيو/حزيران، من المحتمل أن تحذو دولة الإمارات والمملكة السعودية حذو واشنطن.
الأمر يعتمد على العلاقة بين بوتين وترامب
قد ينظر بوتين في مسألة بذل محاولة شخصية مع ترامب، على غرار اجتماعهم في أوساكا، حيث يقول إن رهانه هو أفضل رهان للعلاقات الدبلوماسية مع إيران (وهو ما دعا إليه ترامب)، وأن المسار الدبلوماسي قد يساعد أيضاً في الحفاظ على هدوء الخليج خلال الحملة الانتخابية المقرر انعقادها في 2020.
لكن إذا لم يستجب ترامب، وفي حالة رفض الولايات المتحدة الخطة الروسية، وبقاء الاتحاد الأوروبي في منأى عن الساحة، وفي غياب أي إجراء ذي مغزى في مجلس الأمن، فقد يكون تراجع بوتين قائماً. وقد يعتقد أن خطّته الدبلوماسية هي السبيل الوحيد ذو المغزى؛ وترتفع أسهمه، حتى لو كان ذلك بشكل تدريجي، وذلك ببساطة عن طريق اللعب على مناطق النفوذ الأمريكي التقليدية؛ ودول الخليج، وربما حتى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد يقتربون في النهاية لتجنب وقوع أزمة أو صراع غير مرغوب فيه.