لا يمكن لأي فرع آخر من فروع الجيش الإيراني أن يضاهي السمعة السيئة التي حازها الحرس الثوري الإسلامي لنفسه على مرِّ العقود القليلة الماضية بسبب تدخلاته الكثيرة في دول الجوار لصالح زعماء الثورة الإيرانية، وآخر هذه الأزمات في سوريا التي ما زالت المعارضة فيها مستمرة.
ففي وقتٍ سابق من العام الجاري، اتخذ البيت الأبيض خطوة غير مسبوقة تمثَّلت في إدراج الحرس الثوري الإيراني ضِمن المنظمات التي "تشارك بنشاط في الإرهاب وتمويله والترويج له واستخدامه باعتباره إحدى أدوات القدرة السياسية على إدارة الدولة". وكادت الولايات المتحدة وإيران أن تشتبكا في صراعٍ عسكري مفتوح في يونيو/حزيران الماضي بسبب هجومٍ غير مبرر شنَّته قوات الحرس الثوري على ناقلتي نفط في خليج عُمان، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ما زال الحرس الثوري الإيراني يُشكِّل جزءاً كبيراً من الجيش الإيراني، لكنَّ نفوذه -داخل إيران وفي أنحاء منطقة الشرق الأوسط- يتجاوز القدرات القتالية الأولية بكثير. ولفهم المدى الكامل لدور الحرس الثوري الإيراني الحالي داخل الجيش الإيراني، يجب أن نعود إلى بداية نشأة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
بداية الحرس الثوري
تأسس الحرس الثوري الإيراني في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979. إذ كان آية الخميني، الذي كان المرشد الأعلى آنذاك، يشك في نيِّات الحكومة الموروثة من العهد البائد ويخشى حدوث انقلاب مضاد، لذا أسَّسه ليكون ثقلاً موازناً لجهاز الأمن الإيراني الذي كان قائماً آنذاك.
وبينما أقسم الجيش الإيراني على الدفاع عن الحكومة الإيرانية، كان يُنظر إلى الحرس الثوري الإيراني على أنه "جيش الشعب" الذي يهدف إلى حماية مُثُل الثورة من المعارضة الداخلية. وهي المعارضة التي سرعان ما سحقها الخميني وحلفاؤه، الذين نجحوا في ترسيخ السلطة بحلول أوائل الثمانينيات. وبعد تحقيق غرضه الأصلي، انتهز الحرس الثوري الإيراني الحرب بين إيران والعراق لتغيير صورته والتحوُّل إلى طرفٍ فاعل إقليمي رئيسي. وكما قال مهرزاد بوروجردي، الأستاذ بجامعة سيراكيوز: "قبل الحرب، كان أفراد الحرس الثوري الإيراني مجرد حراس شخصيين لرجال الدين. لكنَّ أداءهم في الحرب منحهم مقعداً على طاولة السلطة التقليدية. ثم تضخمَّت صفوف الحرس الثوري بضمِّ مجندين جدد، ووصلت إلى 125 ألف جندي في السنوات التالية حتى دُمِج رسمياً في الجيش الإيراني. وقد أصبح الآن منظمةً شبه مستقلة تعمل داخل الجيش الإيراني، وتوسَّعت عملياته لتشمل مهام بحرية وجوية وشبه عسكرية، وأدواراً من اختصاص القوات الخاصة، ومهام متعلقة بالحرب السيبرانية.
مَن يسيطر على ماذا؟
وبحسب الصحيفة الأمريكية بيد أنَّ التفويض الواسع للحرس الثوري الإيراني يُخفي بين طياته تقسيماً مُحدَّداً للأدوار بينه وبين والجيش الإيراني التقليدي. فعلى سبيل المثال، يدير سلاح الجو الإيراني جميع الطائرات الإيرانية النفاثة، بينما يسيطر الحرس الثوري على معظم الصواريخ الباليستية. هذا ويضم الحرس الثوري الإيراني فيلق القدس، الذي يمُكن القول إنَّه أشد الأسلحة تدميراً في القوة الإيرانية، وهو وحدة حربية خاصة غير تقليدية تقود العمليات العسكرية والاستخبارية الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولطالما مثَّل فيلق القدس شوكةً ثابتة في حَلق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، إذ كان يُقدِّم مساعداتٍ عسكرية ودعماً مباشراً للمقاتلين الذين يحاربون الولايات المتحدة في بعض بؤر القتال مثل العراق وأفغانستان. ولم يكن فيلق القدس أقل نشاطاً في دعم العمليات العسكرية ضد حلفاء الولايات المتحدة، إذ كان يُسلِّح حركة طالبان ضد حكومة كرزاي التي كانت موالية للولايات المتحدة في أفغانستان، ويُزعَم أنَّه حاول اغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، نُشِر مقاتلون تابعون لفيلق القدس في سوريا لشنِّ هجمات برية ضد قوات المعارضة المناهضة للرئيس السوري بشار الأسد بينما كانت القوات الجوية الروسية تشن غاراتٍ على المواقع الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
وصحيحٌ أنَّ الجيش الإيراني لا يعتمد على قوةٍ عسكرية بدائية، بل يتباهى باحتلال المركز الرابع عشر بين أقوى جيوش العالم وفقاً لتصنيف موقع GlobalFirepower، لكنَّه ما زال بعيداً عن مضاهاة جيوش هامة في العالم.
لكنَّ الحرس الثوري الإيراني، في ظل استعداده لخوض حرب غير متكافئة وغير تقليدية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، انبثق من فوضى ثورة 1979 ليتحدي الولايات المتحدة بطُرُقٍ لم يتمكن الجيش الإيراني التقليدي منها قط.