هل ستتخلى أمريكا عن سياستها التي تتجنب اغتيال قادة الدول وتلجأ إلى هذا القرار بعد أكثر من 40 عاماً على تطبيقها وتكسر هذه القاعدة من أجل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؟ هذا السؤال ناقشته مجلة National Interest الأمريكية والتي اعتبرت أن هذا القرار قد يعقد الأمور أكثر من حلها في حال لجأ ترامب إليه.
المجلة الأمريكية أعادت كواليس ما دار في الأمن القومي الأمريكي لحظة إقدام ترامب على قصف مقرات تابعة لنظام بشار الأسد في سوريا عقب استهداف الأسد لمناطق تابعة للمعارضة بغازات سامة، القرار المعروف بالخيار غير التقليدي الذي قد تستخدمه واشنطن ضد الزعيم الكوري.
الأفكار الخارجة عن المألوف!
وقالت المجلة الأمريكية عندما بُثت اللقطات الأولى لهجوم غاز في غرفة البيت الأبيض، أصدر الرئيس دونالد ترامب أوامره لمجلس الأمن الوطني بالعودة إليه في اليوم التالي مع بعض الخيارات الملموسة. وهذا ما فعله وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت مكماستر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد؛ وبعد جولات من الاجتماعات حول مبادئ الأمن القومي، أصدر الرئيس ترامب أوامره للبحرية الأمريكية بإطلاق 59 صاروخ كروز على القاعدة الجوية لنظام الأسد التي انطلق منها هجوم الغاز.
وفي الوقت نفسه، كان مجلس الأمن القومي يضع الرتوش الأخيرة على مشروع مراجعة سياسة كوريا الشمالية الجاري منذ شهور. وعلى عكس مشاورات الإدارة بشأن الهجوم على الأسلحة الكيماوية السورية، منح ترامب لمستشاري الأمن القومي المزيد من الوقت ودرجة أكبر من المرونة. وقبل أن تبدأ مراجعة السياسة، ذكرت صحيفة Wall Street Journal في شهر مارس/آذار أن نائبة مستشار الأمن القومي كاي تي مكفارلاند أصدرت توجيهات بتضمين أفكار وصفها بعض المسؤولين بـ "الخارجة عن المألوف" .
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن بعض هذه الخيارات "غير التقليدية" تضمنت كل شيء من إعادة إدخال الأسلحة النووية إلى كوريا الجنوبية إلى اغتيال كيم جونغ أون وكبار قادته. وقال مسؤول كبير في المخابرات شارك في المراجعة إلى شبكة NBC News الإخبارية: "لدينا 20 عاماً من العمل الدبلوماسي والعقوبات فشلت في إيقاف برنامج كوريا الشمالية" . عند قراءة ما بين السطور نلاحظ وضوح رسالة إدارة ترامب في تلك المسألة؛ ظلت كوريا الشمالية تمثّل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة لفترة طويلة جداً، وحان الوقت لزعزعة حالة الجمود والبحث عن بدائل جديدة.
سياسة اغتيال الزعماء
في وقت من الأوقات، كانت عملية اغتيال زعيم أجنبي جزءاً لا يتجزأ من مجموعة أدوات الأمن القومي الأمريكي. في وقت الحرب الباردة، كان القادة الذين لم يدعموا الأهداف السياسية الأمريكية بالشكل الكافي أو الموالين للسوفييت أهدافاً للاغتيال. ضمن قائمة اغتيال المخابرات الأمريكية في وقت من الأوقات الرئيس الكوبي فيدل كاسترو، والزعيم الكونغولي باتريس مولومبا ورئيس جمهورية الدومينيكان رافائيل تروخيو، ورئيس غواتيمالا جاكوبو أربينز، بينما كان الزعيم الليبي معمر القذافي هدفاً متكرراً بسبب مواقفه التي لم تعجب واشنطن. وفي عام 1986، صرّح الرئيس دونالد ريغان بشن غارة جوية على مجمع القذافي على أمل أن يكون في المبنى. وبعد ثلاثة أشهر من المقابلات حول بيروقراطية الأمن القومي، توصلت مجلة New York Times Magazine إلى أن "اغتيال القذافي كان هو الهدف الأساسي للقصف الليبي" عام 1986، بحسب المجلة الأمريكية.
ولكن الحرب الباردة انتهت منذ أربعة وعشرين عاماً. وخيار قتل المسؤولين السياسيين الأجانب، الذي كان مطروحاً في وقتها، أصبح منبوذاً وغير محبّذ. في الحقيقة، التزمت السياسة الأمريكية منذ رئاسة جيرالد فورد بالبقاء بعيداً عن أي شيء قد يوحي بمشاركة أو تورط أو تواطؤ الولايات المتحدة بأي طريقة في محاولة اغتيال. كان الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس فورد واضحاً تماماً: "لا يجوز لأي موظف في الحكومة الأمريكية تنفيذ، أو التآمر لتنفيذ، عملية اغتيال سياسي" . وأكّد الرئيس ريغان على تلك التقييدات، مع بعض التوسعات، في الأمر التنفيذي رقم 12333 ، الذي ينص على: "لا يجوز لأي (شخص) يعمل أو يتصرف نيابة عن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تنفيذ، أو التآمر لتنفيذ، عملية اغتيال سياسي" .
ماذا يحدث لو أقدمت أمريكا على قتل كيم؟
اتباع سياسة من شأنها اغتيال كيم جونغ أون وقطع رأس القيادة الكورية الشمالية سيعد بمثابة انتكاسة كبيرة للسياسة الأمريكية التي استمرت لواحد وأربعين عاماً. من الممكن، بكل تأكيد، أن تتغير السياسات، كما يمكن تعديل أو استنساخ التوجيهات الرئاسية والأوامر التنفيذية. ولا يوجد تقييد تشريعي يمنع رئيس الولايات المتحدة من إصدار أوامر باغتيال زعيم أجنبي. إلا أنه من الممكن استغلال المادة 18 من القانون الأمريكي، القسم 1116 لمقاضاة شخص أمريكي جراء محاولة قتل زعيم أجنبي، ولكن لا ينطبق هذا القانون إلا في حالة ارتكاب الجريمة في الولايات المتحدة أو استهداف الزعيم في بلد غير بلده الأصلي. إذا كان الرئيس ترامب مستعداً لتعديل الأوامر التنفيذية الحالية، من المفترض أن تستهدف إدارته كيم جونغ أون بدون أي عقوبات بموجب القانون الجنائي.
والسؤال الذي لا يقل أهمية هو إذا كان اغتيال كيم، أو الجنرالات المسؤولين عن البرامج النووي لكوريا الشمالية وبرامج الصواريخ الباليستية، أو المسؤولين العسكريين والخدمات الاستخبارية، سياسة جيدة حقاً.
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الاعتقاد باقتلاع رؤوس الشر في النظام سيدبّ الخوف في قلوب بقية الأشرار، ويغيرون سلوكياتهم وتتحول بلادهم فجأة إلى معاقل لحقوق الإنسان والديمقراطية. كانت لدينا تجربة سابقة مع هذا الاعتقاد؛ قبل أيام من العمليات العسكرية الكبرى في العراق، قصفت واشنطن صدام والقيادة السياسية العراقية بصواريخ كروز اعتقاداً منها بإمكانية تجنب اندلاع حرب أخرى. لكن مدى نجاح تلك الفرضية غير معروف، لأن صدام نجا من تلك الهجمات، بالرغم من افتراض استسلام القيادة البعثية لقوات التحالف في اليوم التالي، ولكن ظل احتمال اندلاع الحرب قائماً.
الفرق بين موقف كوريا والعراق
وموقف كوريا الشمالية مختلف تماماً عن موقف العراق في 2003. يتمتع كيم جونغ أون بسلطة مطلقة، إذا كان يقتل أو يهمّش أي شخص يمثل أي تهديد، ولو بسيط، لسلطته (بما في ذلك عمه وأخيه غير الشقيق). على عكس العراق التي تدهور حال جيشها خلال حرب الخليج 1991 وبسبب العقوبات التي فرضت على النظام خلال العقد التالي للحرب، فإن كوريا الشمالية تمتلك أسلحة نووية بصواريخ باليستية قادرة على ضرب سيول بسرعة واستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة. قتل كيم والاعتماد على فكرة إن النظام سوف يُغير طريقة عمله بعد سبع عقود سيكون ثمنه باهظاً إذا ثبُت إن تلك النظرية، غير المختبرة، خاطئة. لأن كوريا الشمالية بمثابة الثقب الأسود للذكاء البشري، ولا يمكن للمخابرات الأمريكية تقييم شخصية من سوف يحل مكان كيم (أخته، على سبيل المثال) أو التنبؤ بإن كانت على نفس القدر من الفساد والوحشية. اغتيال رأس الدولة تعريف واضح لحالة الحرب، ولا يمكن لأي شخص أن يتوقع بدقة إن كانت بيونغيانغ ستستمتع لآراء العاقلين هناك أم لمن يتوقون إلى إظهار قوتهم من خلال الانتقام والثأر.
وبحسب المجلة الأمريكية فإن اغتيال كيم سيكون خياراً واحداً فقط بين مجموعة من الخيارات سيضعها مجلس الأمن القومي أمام الرئيس ترامب للنظر فيها. قد يكون كذلك خياراً سياسياً بعيد تماماً عن المألوف وسوف يستبعده معاونو ترامب لاحقاً من قائمة الخيارات التي يتعين عليه دراستها. سيكون رد فعل بكين سريعاً وقوياً، وبقدر ما ترغب حكومتا كوريا الجنوبي واليابان في أن تتصرف كوريا الشمالية بطريقة أكثر قابلية للتنبؤ، من غير المؤكد أن سيول وطوكيو تعتقدان أن اغتيال كبار المسؤولين قد يحقق هذا الهدف.
يأمل المرء في أن تكون كل هذه المداولات مجرد ألاعيب سياسية لإقناع الصين بالتعاون مع الولايات المتحدة، وليس أكثر من ذلك.