مصر تعتبر دائماً دولة مهمة جداً في حفظ التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط، وكانت تعتبر واحدةً من القوى الإقليمية التقليدية، لكنَّ الدور المصري تراجَعَ بشدة لصالح آخرين، ومؤخراً يبدو أن مكافحة الإرهاب والتوترات المشتعلة في دول المنطقة قد تعيد مصر للواجهة لولا عقبة أساسية ليس من السهل التغاضي عنها، فما هي؟
موقع المونيتور الأمريكي رصد الأسباب التي ربما تعيد مصر للواجهة إقليمياً، إضافة لعقبة سجل النظام الحالي الكارثي في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يجعل من الصعوبة اكتمال ذلك الدور، وذلك في تقرير بعنوان: "لماذا مصر مهمة… ربما أكثر من أي وقت مضى" .
قتلت قوات الأمن المصرية هذا الأسبوع 17 متشدداً، زعمت أنهم كانوا من المشاركين في التفجير الإرهابي الذي هزَّ أركان القاهرة يوم 4 أغسطس/آب الماضي، مسفراً عن مقتل 20 شخصاً وإصابة 48.
يأتي هذا الردّ في خضمّ تعزيز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علاقته مع مصر، بصفتها شريكاً في الحرب ضد الإرهاب، وكذلك في العمل في صمتٍ وخفاءٍ لدعم مباحثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ويلفت الاهتمام الأمريكي المتزايد بحرب مصر ضد الإرهاب أيضاً مزيداً من الانتباه إلى تاريخ مصر في حقوق الإنسان، الذي سيظلُّ أمراً مزعجاً -على الأقل- في العلاقات الثنائية.
هل سبق أن لم تكن لمصر أهمية؟
في وقتٍ سابقٍ من الصيف الجاري، كتب ستيفن كوك، المؤلف والخبير في الشؤون المصرية في منظمة مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، مقالاً نُشر في مجلة Foreign Policy يتساءل فيه إن كانت أهمية مصر ما زال لها وجودٌ في المنطقة، وختم مقاله بأن القيادة الرجعية والتركيز الداخلي منع القاهرة من المشاركة في سياسات الشرق الأوسط.
حين عقد الرئيس الأسبق أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، كان ذلك حينها بمنزلة تراجعٍ عن الصفوف الأمامية، غيَّر توازن القوى في المنطقة بأكملها، بنيَّة التركيز على تنمية مصر الاقتصادية. ورغم اغتيال السادات في عام 1981، والحروب التي نشبت في العراق، والانتفاضتين الفلسطينيَّتين، والربيع العربي، لم تَشُب السلام البارد بين إسرائيل ومصر شائبةٌ.
وطوال هذه الفترة، ظلّت أهمية مصر قائمةً على الدوام. ولم يكن الحفاظ على الهدوء على الحدود الإسرائيلية المصرية بالأمر السهل، ربما نستهين به هذه الأيام نتيجةً لآثار معاهدة 1979 في توازن المنطقة، وكل هذا خير. ويبدو أن استقرار مصر محل اهتمامٍ مشتركٍ بين جميع القوى الإقليمية المتحالفة مع الولايات المتحدة: إسرائيل والأردن ودول الخليج العربي. اختر ما شئت، فلا يبدو أن هناك قضية متَّفقاً عليها في المنطقة إلا التهديد الإيراني.
والآن، في إشارة إلى أن دور مصر قد يعود من جديد، تعتمد إدارة ترامب على مصر من أجل تحقيق خطتها للسلام الإقليمي، بينما تمدُّ لها يد العون في حملة مكافحة الإرهاب، وبالأخص في سيناء.
الولايات المتحدة تقدم المساعدة في عمليات مكافحة الإرهاب
خلال زيارته للبنتاغون، الشهر الماضي، كشف وزير الدفاع المصري محمد زكي عن رؤيةٍ شاملةٍ للتعاون بين الولايات المتحدة ومصر لمكافحة الإرهاب. بينما عرض وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر تكثيف المساعدات، ولكنه نصح زكي بالالتزام بما وصفها بالتكتيكات "المرتكزة على السكان" في سيناء "حتى إن استغرق هذا وقتاً أطول حتى النجاح"، في ظل دعواتٍ من الكونغرس الأمريكي بربط جزءٍ كبيرٍ من المساعدات العسكرية لمصر بالحقوق وتعزيز الديمقراطية، حسبما كتب جاك ديتش في مقالٍ لموقع AL-Monitor الأمريكي.
وبقوله "مرتكزة على السكان"، يشير إسبر إلى عناصر الاستراتيجية الكلاسيكية ضد التمرد، التي تسعى إلى حماية المدنيين، وتقوية المؤسسات الحكومية، وتهميش الإرهابيين أثناء مواصلة حملةٍ عسكريةٍ. وغالباً ما يقترن هذا النهج بالاستراتيجية التي طبَّقها الجنرال ديفيد بتريوس في العراق.
من المؤكَّد أن الجهود المصرية في سيناء ستستفيد من المساعدة الأمريكية. فقد نشرت الخلايا المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الإرهاب بين السكَّان، بما في ذلك عمليات اختطافٍ وقتلٍ وتفجيرٍ وحتى إعدامٍ بقطع الرؤوس، وفقاً لمراسلٍ مجهول الهوية هناك. والولايات المتحدة متخوِّفةٌ من أن يوسع داعش والجماعات السلفية المشابهة قواعدها وعملياتها في سيناء، ولاسيما بعد إخفاقات داعش في العراق وسوريا.
ويضيف ديتش: "رغم مجهودات البنتاغون لتحسين العلاقة، منعت مصر منذ 2016 الجيش الأمريكي في أغلب الأحيان من دخول سيناء، للتحقُّق من عدم استخدام الأسلحة الأمريكية لارتكاب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، بموجب ما يقتضيه قانون المساعدات الأمريكي". ويستشهد ديتش بتقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الصادرة في مايو/أيار السابق، التي تشير إلى إدانة القوات المصرية في حوادث قتلٍ واختفاءاتٍ غير قانونية.
وكتب مراسلٌ آخر أنه في أثناء ذلك "تعرَّض سكان العريش، (عاصمة محافظة شمال سيناء)، لمحاولاتٍ مستمرةٍ من السلطات المصرية لترحيلهم من مناطقهم، حيث وقعت صداماتٌ وصراعاتٌ مسلَّحةٌ بين الجيش المصري وداعش"، نتيجةً لمرسومٍ حكوميٍّ يقضي بنقل ملكية ميناء العريش وجميع المباني المحيطة به إلى القوات المسلحة.
أثنى صندوق النقد الدولي حتى الآن على مصر بفضل برنامجها الإنشائي للإصلاح الاقتصادي، وقد سعى الرئيس عبدالفتاح السيسي أيضاً إلى تحقيق التنمية في سيناء ضمن برنامجه "رؤية 2030". ومثَّل ذلك عاملاً اقتصادياً قوياً للحملة العسكرية هناك. وذكر ديتش أنه في أثناء زيارةٍ إلى سيناء في ديسمبر/كانون الأول 2018، لاحظ نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي مايكل مولروي وجود مشاريع للتنمية الاقتصادية، بما في ذلك محطة تحلية مياه، لأجل توفير فرصٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ. ومن جانبها، كتبت الصحفية ريهام مقبل في مقالٍ لموقع AL-Monitor أن شبه جزيرة شمال سيناء تخضع "لمشاريع تنميةٍ غير مسبوقةٍ" تشمل خططاً لبناء مساكن جديدةٍ ومنطقةٍ صناعيةٍ.
دور مصر في صفقة القرن
تعتمد إدارة ترامب كذلك على مصر في الحفاظ على دورها الصامت عمداً، في إبقاء مبادرة "السلام من أجل الرخاء"، التي يتزعمها جاريد كوشنر، على قيد الحياة.
وفي الشهر الماضي، وصف هذا المقال كيف أن السيسي "أمر دبلوماسييه بتكثيف جهودهم للمصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، ومن ثمَّ تخفيف الحمل عن مواطني غزة الذين يعانون تحت الحصار"، ولمنع أي تصعيدٍ آخر بين حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل.
ويوضِّح أحمد يونس وجود تعتيمٍ إعلاميٍّ في مصر على خطة السلام الأمريكية، إلا فيما يتعلق بالتزام مصر بالمشاركة الفعالة (دون دعمها أو الموافقة عليها بالضرورة) والتزامها بالمصالحة بين فتح وحماس.
وقد نشر أحد مراسلي موقع AL-Monitor تقريراً بأن مصر تدرس إمكانية التعاون في مجال الطاقة، وكتب أن "مصدراً حكومياً مطلعاً من الوفد المصري الذي حضر الاجتماع أخبر AL-Monitor، بشرط عدم ذكر اسمه، بأن التنسيق بين مصر وإسرائيل وفلسطين في [منتدى غاز شرق المتوسط في القاهرة الشهر الماضي] على صلةٍ وثيقةٍ بالمبادرة الاقتصادية لـ "صفقة القرن" .
حقوق الإنسان.. مربط الفرس
توجد عقبة بالرغم من ذلك. فما زال تقرير حقوق الإنسان الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية يرسم صورةً كالحةً عن الوضع، بينما تصف منظمة مراسلون بلا حدود الدولة بأنها "من الدول الأكثر اعتقالاً للصحفيين في العالم". وذكر سودرسان رغفان في تقريرٍ لصحيفة The Washington Post هذا الأسبوع، أن السلطات نفَّذت حملة اعتقالاتٍ لمنتقدي الحكومة المصرية على الإنترنت، ومنهم مواطنون أمريكيون. ويفسد هذا السجلُّ السيئ في حقوق الإنسان مزاعم مصر للزعامة الإقليمية، وسيظل يعرقل القاهرة أمام نقَّاد الكونغرس ومنظمات حقوق الإنسان ما لم يُعالَج في الحال.
لن يأتي التغيير إلا حين تجعل إدارة ترامب حقوق الإنسان جزءاً من أجندة العلاقات الأمريكية المصرية. وليست هذه مهمةً سهلةً، إذ توجد مشكلات لا يمكن التغاضي عنها جملةَ، بل إننا لم نتعرض لدور مصر في شمال إفريقيا والسودان. ويبدو أن المعركة ضد الإرهاب تتصاعد، مع أنه ليس أمراً جديداً. فضلاً عن أن روسيا والصين، صاحبتي السجل السيئ أيضاً في حقوق الإنسان، تقفان على استعدادٍ لاستغلال أية فرصٍ تسنح لإضعاف العلاقات الأمريكية المصرية. يكمن مفتاح اللغز في أن الشراكة الأمريكية المصرية ضروريةٌ من أجل أجندة إقليمية مشتركة. لذا، فإن قضية حقوق الإنسان، مثلها مثل الأمن الإقليمي، يجب معالجتها بوصفها شرطاً أساسياً لتلك الشراكة.