كيف استفاد حزب الله من تراجع شعبية تيار الحريري وتحالَفَ مع السنة والمسيحيين أيضاً؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/13 الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/13 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
حزب الله يكسب أرضا جديدة بين السنة والمسيحيين - رويترز

حزب الله جماعة شيعية، هذه حقيقة ثابتة، لكن السياسة والمال لهما قواعد مختلفة، ونتيجة لذلك أصبح نسيج الحزب وهياكله التنظيمية السياسية، بل والعسكرية، ليست شيعية خالصة، بل هناك بين صفوفه أعداد متزايدة من السنة والمسيحيين والدروز، كيف ذلك وما هي القصة؟

الإجابة رصدتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير لها بعنوان: "حزب الله ولعبة التحالف متعدد الطوائف" .

السنة يتشيَّعون

لا يمكن اعتبار أبو هادي مقاتلاً نموذجياً لدى حزب الله. فبالرغم من كونه ينحدر من جنوب لبنان ذي الأغلبية الشيعية، إلَّا أنه ينتمي إلى عائلةٍ سنية. وبالعودة إلى عام 2011، انضمَّ أبو هادي إلى كتائب المقاومة التابعة لحزب الله، وهي وحدات مؤلَّفة من المقاتلين غير الشيعة بشكل أساسي. وبعد أن تحوَّل طوعاً من الإسلام السُّني إلى الإسلام الشيعي، انضم إلى قوة حزب الله المسلحة الرئيسية في عام 2014. وقد قال مؤخراً إنه لم يكن المتحول الوحيد للطائفة الشيعية، وأشار إلى أن الراتب الشهري للمقاتلين في حزب الله كان أكثر من ضعف المبلغ الذي يُمنح للمقاتلين في كتائب المقاومة. ومع ذلك، فقد تمسَّك بكلامه قائلاً إنه انضم إلى حزب الله لأسبابٍ أيديولوجية.

واليوم، يُعَدُّ أبو هادي أحد المحاربين المخضرمين لدى قوة حزب الله المسلحة، لكن قصته -وقصص المقاتلين من أمثاله- تُسلِّط الضوء على زيادة أعداد السنة وأبناء الجماعات الدينية الأخرى من جميع أنحاء لبنان داخل الجماعة الشيعية في السنوات الأخيرة. وبالنظر إلى أن حزب الله قد وضع نصب عينيه السلطة متعدّدة الطوائف على المستوى الوطني، بوصفه حزباً سياسياً إلى جانب كونه جماعةً مسلحة، فقد أصبح الدعم من المجتمعات غير الشيعية جزءاً مهماً في حساباته أكثر من أي وقت مضى. لقد كانت الجماعة قادرةً على الاستفادة من مشاعر السخط الشعبي بين جميع الطوائف اللبنانية، وهي تتمتع اليوم بنفوذٍ أكبر بين المسيحيين والسنة والدروز، أكثر من أي وقتٍ مضى.

منظمة شيعية أصولية ولكن

تأسَّس حزب الله بوصفه منظمةً أصولية شيعية في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وفي 2009 أصدر إعلاناً رسمياً بمبادئه المُعدَّلة، وخفَّف فيه من لهجة التشديد على الخلفية الإسلامية، وأكَّد على اهتمامه باستقرار لبنان ومحاربة إسرائيل. وبحلول هذا الوقت، كانت الجماعة تعمل بالفعل لتسهيل التعاون مع الطوائف الأخرى، إذ وقعت مذكرة تفاهم مع "التيار الوطني الحر" -حزب ذو أغلبية مسيحية- في عام 2006.

لكن حزب الله لم يتمكن من زيادة نفوذه بشكلٍ ملحوظ بين الطوائف غير الشيعية في البرلمان، حتى الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار 2018. ولم يقتصر الأمر على الانتخابات التي جرت في تلك السنة، والتي شهدت فوز تكتل حزب الله بعددٍ من المقاعد، بل إن "التيار الوطني الحر" -الذي ما يزال حليفاً له- أصبح أقوى حزب مسيحي لبناني. بالإضافة إلى ذلك، فازت مجموعةٌ من ستة نواب سنيين موالين لحزب الله بعضوية البرلمان. في حين فقد الحزب السُّني المناهض لحزب الله والمهيمن بشكل تقليدي، وهو "تيار المستقبل" الذي يتزعمه رئيس الوزراء سعد الحريري، ثلث مقاعده.

وقال لي أحد مسؤولي حزب الله في ضواحي بيروت الجنوبية: "نحن سعداء للغاية بالانتصارات التي حققها حلفاؤنا المنتمون للطائفة السنية. ولم يعد تكتل تيار المستقبل هو الوحيد من يمثل السنة" . وأقرَّت حنين غدار، الباحثة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، بأنَّ خيبة الأمل العميقة من "تيار المستقبل" تركت للسنة القليل من الخيارات السياسية.

إذ قالت حنين: "في الشارع، يمكنك القول إن السنة بلا قائد اليوم. وهم لا يشعرون أن لديهم شخصاً يمثلهم، لأن الحريري لم يعد مدعوماً من المملكة العربية السعودية، وأيضاً لأنه كان يقدم تنازلات كثيرة. وهو ما لا يترجمه الشارع بشكل جيد" .

الغضب من تيار المستقبل

وأكَّد وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية حسن مراد، وهو مرشح سني مؤيد لحزب الله عُيِّن في الحكومة اللبنانية عام 2019 بإصرارٍ من حزب الله، أنَّ الدعم الشعبي الذي يناله السنة المدعومون من حزب الله في أماكن مثل وادي البقاع، وهي المنطقة التي يمثلها، ينبع من الغضب من "تيار المستقبل". وقال إنَّ حزب الله يدعمه وغيره من السنة المناهضين للحريري من أجل الفوز بدعم الطائفة السنية، والمضي قدماً في استراتيجيتهم الوطنية.

الشيخ ماهر حمود هو إمام مسجد القدس في صيدا، ذات الأغلبية السنية، وقد يكون أكثر المؤيدين السُّنة لحزب الله نفوذاً. إذ يُمثِّل هو وأتباعه في المدينة "الثلث على الأقل" من التجمعات السنية الداعمة لحزب الله. وفي استطلاعين أجراهما مركز بيو للأبحاث، ارتفعت الآراء الإيجابية حول حزب الله بين السنة اللبنانيين من 6% عام 2013 إلى 9% عام 2014. لكن منذ ذلك الحين كانت البيانات حول هذا الموضوع ضئيلة، رغم أنَّ فوز السنة المتحالفين مع حزب الله بعضوية البرلمان في عام 2018 -والذين حلوا محل نواب "تيار المستقبل" في ثلاثة مقاعد رئيسية- يشير إلى أن هذه الأرقام قد ارتفعت على الأرجح. وقالت حنين إنَّه بينما ما يزال لدى السنة بشكلٍ عام مشاعر مختلطة حول حزب الله، إلَّا أن استراتيجية الجماعة الشيعية للتواصل في المجتمع تعمل بنجاح.

وربما ما يزال أمام حزب الله طريق يمشيه للوصول إلى لسنة، لكن حنين ترى أنَّ المسيحيين اللبنانيين احتضنوا حزب الله وقبلوه بدرجةٍ أكبر. ومع صعود مؤسس "التيار الوطني الحر"، ميشال عون، إلى منصب الرئاسة في عام 2016 والمكاسب الكبيرة للحزب في عام 2018، حقّق تواصل حزب الله مع التجمعات المسيحية عوائد سياسية حقيقية.

محاربة داعش

وقد عُزِّزَت شراكتهم بشكلٍ أكبر من خلال القضايا المشتركة، مثل تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، وعودة اللاجئين السوريين، وغيرها من الأزمات.

وتعيش العديد من الأقليات المسيحية على طول الحدود اللبنانية مع سوريا. فبعد أن استولى داعش على بلدة عرسال في عام 2014، وجد بلدة رأس بعلبك المجاورة -واحدة من عدة جيوب مسيحية في وادي البقاع الشمالي- نفسها على الخطوط الأمامية للنزاع. وقد شكَّل السكان المحليون دوريات أمنية لحماية أنفسهم من التهديد الجديد، بدعمٍ من حزب الله أحياناً، الذي يُعتبر القوة المهيمنة في المنطقة.

وأدَّى حزب الله دوراً في هزيمة داعش بوادي البقاع عام 2017. وعلى الرغم من الدور الأكثر أهمية للجيش اللبناني في الحملة على داعش، إلَّا أن حزب الله استغل مشاركته فيها ليضيفها إلى أوراق اعتماده بوصفه مدافعاً عن الأقليات اللبنانية، وهو الادعاء الذي يُردِّده حلفاء الجماعة من المسيحيين. وقال إيلي خوري، نائب رئيس قطاع الشباب والرياضة في "التيار الوطني الحر": "لم يدافع حزب الله عن الشيعة فقط حين كانوا يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية، بل دافعوا عن المسيحيين والسنة والشيعة والدروز وجميع اللبنانيين" .

اللاجئون السوريون

وشهدت الحدود أيضاً تدفقاً هائلاً للاجئين السنة من سوريا. فوفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، يستضيف وادي البقاع أكثر من 340 ألف لاجئ سوري مسجل اعتباراً من شهر يوليو/تموز من هذا العام، وهو العدد الأكبر من حصة اللاجئين من بين كل المناطق في لبنان. إن المسيحيين والشيعة على حدٍّ سواء يريدون رؤية هؤلاء المهاجرين يعودون إلى ديارهم. وبالإضافة إلى مزيج من المخاوف الديموغرافية والاهتمامات الاقتصادية، فلدى الأحزاب المهيمنة التي تمثل المجموعتين الدينيتين في البرلمان موقفٌ إيجابي تجاه النظام السوري، الذي حاول مؤخراً إغراء اللاجئين بالعودة إلى ديارهم.

حسن نصرالله الزعيم التاريخي للحزب – أرشيفية

وهناك أسبابٌ أخرى تُوحِّد بعض المسيحيين وحزب الله كذلك. إذ يعيش فادي سلوم، وهو مسيحي  يعمل كاتب عدل، في قرية يارون التي يُمثِّل المسيحيون ثلث سكانها مسيحية ويشغل الشيعة ثلثيها. وتقع يارون مباشرةً على الخط الأزرق الذي يفصل لبنان عن إسرائيل، وروى سلوم تجارب القرية خلال كل من الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان الذي استمر من 1982 إلى 2000، وخلال حرب 2006 اللاحقة مع إسرائيل. وحكى سلوم عن حرب 2006: "لقد دمر العدو الإسرائيلي الكنيسة، ودُمِّرت المقابر في المناطق المسيحية والمناطق الإسلامية". وقال سلوم إنه يساند حزب الله، وأكد أن جميع المسيحيين في المنطقة يفعلون ذلك أيضاً.

زواج الضرورة

بالطبع، ما يزال بعض المسيحيين لديهم شكوك. إذ قال منعم مهنا، عمدة رأس بعلبك، إنَّ القتال المشترك ضد داعش كان بمثابة الزواج الضروري. وقال الخوري إبراهيم نعمو، كاهن رعية كنيسة مار إيليان اليونانية الكاثوليكية في البلدة، إنَّه يشعر حالياً بأنَّ الأحزاب المسيحية في لبنان قد تناسوا الناس هنا في رأس بعلبك. وأضاف: "لقد تركوا جميعهم لعبة السياسة في المنطقة لحزب الله. نحن مع حزب الله بالتنسيق العام، لكن هذا لا يعني الخضوع". وأضاف نعمو أنَّ مسيحيي رأس بعلبك اليوم لا يسعون لتحدي وجود حزب الله.

وربما يشعر أعضاء طائفةٍ أخرى بمثل هذه الآلام المتنامية، وهم الدروز. فمنذ عام 2018، كان الحليف الدرزي الرئيسي لحزب الله "الحزب الديمقراطي اللبناني" بزعامة طلال أرسلان، يؤكد نفسه بثبات في المجتمع الدرزي الذي ما يزال "الحزب التقدمي الاشتراكي" يهيمن عليه سياسياً، وهو حزبٌ مناهض لحزب الله. وبعد وقتٍ قصير من انتخابات 2018، أدَّت المواجهة بين مؤيدي الحزبين إلى وفاة أحد مؤيدي الحزب التقدمي. وفي أوائل عام 2019، دخل أرسلان في تحالفٍ مع سياسي آخر معادٍ للحزب التقدمي، وهو وئام وهاب، الذي زُعم أنَّ أنصاره أطلقوا النيران على القصر الجبلي لزعيم "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليد جنبلاط، أواخر عام 2018.

وفي 30 يونيو/حزيران، أدَّى تبادل إطلاق النار، الذي تورَّط فيه بعض المنتمين إلى "الحزب التقدمي الاشتراكي" إلى مقتل حراس أحد الوزراء المنتمين إلى "الحزب الديمقراطي اللبناني". وكانت هذه الأحداث علامة على أنَّ أرسلان وحلفائه السياسيين قد هزوا الوضع الراهن أكثر من اللازم في الساحة السياسية الدرزية. وفي حين يحظى كلا المعسكرين الدرزيين بدعم الدروز، إلا أنَّ جنبلاط يواصل بسط هيمنته بقوة على شؤون الطائفة. ويمكن القول إنَّ الإنهاك الذي نال من حزبه/يهيمن عليه سياسياً، نتيجة الانشغال الدائم بتفوقه على أي حزبٍ درزي آخر، مهَّد لحزب الله وحلفائه طريقاً للوصول إلى مجتمع الدروز. لكن الدروز تجنبوا تاريخياً الوقوع في خلاف حول الشؤون الحزبية، وهو ما جعل مهمة حزب الله أكثر صعوبة.

هل يؤثر غياب التمويل؟

لكن التمويل يُمثِّل حجر عثرةٍ في طريق وصول حزب الله إلى جميع الطوائف اللبنانية. فمع تراكم العقوبات من الولايات المتحدة ودول أخرى على الجماعة، استُنزِفَت خزائن حزب الله. لكن أحد مسؤولي حزب الله قال إنَّ دعم الطوائف اللبنانية لهم سيستمر، سواء بالمساعدة المالية التي يقدمها حزب الله أو بدونها. ومع ذلك، شككت حنين في ذلك قائلة إنَّ الاستثمارات المالية لعبت دوراً رئيسياً في تعزيز نفوذ حزب الله وسط المجتمع السني على وجه الخصوص.

وبغض النظر عما يخبئه المستقبل، فمن الواضح أنَّ حزب الله يُعطي الأولوية للتوسع داخل الجماعات غير الشيعية. وقد ساعد نجاحه في القيام بذلك على تقليص خطابه الطائفي إلى أدنى حد، والتحدث حول مستقبل لبنان الشامل لكل الطوائف.

"كلنا نعرف أنّه سواء قبلنا ذلك أم لا، فإنَّ حزب الله هو المسيطر على البلاد"، هكذا أخبرني عادل أرسلان، ابن أخي طلال الذي يعارض أرسلان الأكبر سياسياً. وأضاف: "إنّهم لم يتسربوا إلينا فقط"، بل ملأوا الفجوات أيضاً. و "حين تملأ الفجوة، فهذا أمرٌ خطير. وهذا هو الوضع الحالي" .

تحميل المزيد