بعد أن سيطر مقاتلو المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن المدعومون من الإمارات على عدن بشكل كامل بعد قتال استمر أياماً، وتعرضت قوات حكومة الرئيس منصور عبدربه هادي المدعومة من السعودية "للذبح من الوريد"، بنص تعبير وزير داخلية هادي نفسه، وصل ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى السعودية، وقابل الملك وولي العهد، ثم أعلن أن "الحوار بين اليمنيين" هو السبيل الوحيد لتسوية الأزمة، فما هي القصة؟
ما هو سبب الزيارة؟
التقى ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مكة أمس الإثنين 12 أغسطس/آب، ضمن مسعى على ما يبدو لوقف الضرر الذي يلحق بالتحالف ويدعم الحوثيين، عدوهما المشترك وكذلك إيران.
ونقلت وكالة أنباء الإمارات عن ولي عهد أبوظبي قوله، عقب اجتماعه بالعاهل السعودي وولي عهده، إن الإمارات والسعودية تطالبان "الأطراف اليمنية المتنازعة بتغليب لغة الحوار والعقل ومصلحة اليمن" .
كان بن زايد قد هون من شأن الخلاف مع السعودية بخصوص اليمن، وقال إن العلاقات بين الدولتين الخليجيتين ما زالت قوية، وإنهما "تقفان معاً بقوة وإصرار في خندق واحد في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة" .
المهمة أُنجزت ولا مجال للتراجع
لكن اللافت أن الإمارات لم تطالب المقاتلين الجنوبيين بالتخلي عن سيطرتهم على المدينة الساحلية اليمنية مثلما تريد السعودية لصالح حكومة هادي.
وفي الوقت نفسه، وافق زعيم الانفصاليين ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي على قمة طارئة مقترحة في السعودية لبحث أزمة عدن، بحسب رويترز، تم الاتفاق عليها بين ولي عهد أبوظبي وقيادة السعودية.
الزبيدي أضاف أن مقاتليه ما زالوا يدعمون التحالف في مواجهة الحوثيين الذين أخرجوا هادي من صنعاء أواخر عام 2014، لكنه لم يتعهد بسحب قواته من المباني الحكومية التي سيطرت عليها بعد اشتباكات أدت لمقتل 40 شخصا بينهم مدنيون.
ماذا يعني ذلك؟
مهمة الإمارات الرئيسية من الاشتراك مع السعودية في محاربة الحوثيين في اليمن، كما أصبح واضحاً الآن، هي تأمين وجود قوي وثابت لها في جنوب اليمن وتحديداَ في عدن والجزر المطلة مباشرة على مضيق باب المندب، وقد سعت لذلك منذ اللحظة الأولى لدخولها في حرب اليمن قبل أكثر من أربع سنوات.
منذ مارس/آذار 2015 دخلت القوات الإماراتية جنوب اليمن وتركزت هناك وبدأت تدريب وتسليح فصائل يمنية من الجنوب والهدف كان واضحاً ومعلناً وهو ضمان تواجد إماراتي ثابت ودائم في تلك المنطقة لضمان السيطرة على باب المندب.
هذا الهدف استراتيجي وجاد تماماً، وسعت أبوظبي لتحقيقه ليس فقط من خلال الاشتراك في التحالف السعودي في اليمن، ولكن أيضاً من خلال التنسيق مع مصر والحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، وإنشاء قواعد لوجستية وعسكرية في الصومال وإريتريا، لضمان التواجد على جانبي مضيق باب المندب الذي لا يقل أهمية عن مضيق هرمز.
الدعوة للحوار لتكريس المكاسب
دعوة بن زايد للحوار بين اليمنيين الآن وإقامة لقاء قمة بين الزبيدي وهادي تصب تماماً في سياق خدمة الاستراتيجية الإماراتية، حيث أصبح للمجلس الجنوبي الانتقالي الذي تدعمه أبوظبي نفس الثقل الذي تحظى به حكومة هادي المدعومة سعودياَ، مع تميز نسبي لرجال الإمارات الذين يسيطرون على عدن بشكل فعلي.
ففي هذا السياق، إذا ما تبلورت لدى الأطراف فكرة إجراء محادثات سياسية أوسع نطاقاً، بهدف تشكيل كيان حاكم مؤقت، فسيكون عليها ضمّ المزيد من الفصائل اليمنية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي سيكون شريكاً أساسياً في أي تسوية، وهذا ما يريده بن زايد منذ البداية.
وهذا الموقف يؤكد مرة أخرى أن الإمارات تتصرف – في علاقتها مع السعودية – وكأنها "الشخص المسؤول" بين الطرفين في خياراتها التكتيكية، وذلك منذ ظهور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الصورة، حيث يتسم بالتهور والاندفاع، بينما يتسم محمد بن زايد بالهدوء ووضوح الأهداف الاستراتيجية.