قد تؤدِّي الحرب التجارية المحتدَّة بين الولايات المتحدة والصين إلى صدمةٍ مزدوجةٍ في سوق النفط المتزعزعة. فقد أسفر بالفعل التبادل في فرض التعريفات الجمركية عن انخفاضٍ حادٍّ في أسعار النفط الخام، بسبب مخاوف من حدوث ركود اقتصادي عالمي شديد أو حتى كسادٍ في الولايات المتحدة قد يضرُّ بالطلب الضعيف فعلياً على النفط.
الصين قد تردّ بشراء النفط الإيراني
وبحسب موقع CNN Business الأمريكي، قد تكون هناك كذلك صدمة قادمة في المعروض من النفط. فقد حذَّرت شركة Merrill Lynch التابعة لـ Bank of America من أن الصين قد تردُّ على التعريفات المفروضة من الحكومة الأمريكية بشراء كمياتٍ ضخمةٍ من النفط من إيران، اعتراضاً على عقوبات واشنطن المفروضة على الدولة المنضمَّة لمنظمة OPEC الدولية.
وقد كتب Bank of America في مذكِّرةٍ يوم الجمعة الماضي 2 أغسطس/آب، أنَّه من شأن تلك الضربة المزدوجة أن تتسبَّب في انخفاض سعر خام برنت من 60 دولاراً للبرميل إلى 40 دولاراً.
وكذلك كتب فريق استراتيجيِّي السلع في Bank of America، برئاسة فرانشيسكو بلانش، في مذكرةٍ إلى العملاء: "قد ينتج عن قرار الصين باستئناف شراء الخام من إيران انهيارٌ في أسعار النفط" .
يُذكَر أنَّ أسعار النفط الأمريكي قد تراجعت بنسبة 7% منذ 31 يوليو/تموز الماضي، قبل يومٍ من تعهُّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفةٍ جمركيةٍ بنسبة 10% على وارداتٍ أمريكيةٍ بقيمة 300 مليار دولار من الصين، تصل في 1 سبتمبر/أيلول المقبل. فضلاً عن انخفاض المعيار العالمي "خام برنت" بنسبة 8%.
الإقبال العالمي على النفط يتراجع
وعلى حدِّ قول Bank of America، يمكن لآخر دفعةٍ من التعريفات الأمريكية على الصين أن تقضي على ما يتراوح بين 250 ألف برميل و500 ألف برميل في اليوم من الطلب العالمي على النفط. وقد تراجع بالفعل الإقبال العالمي على النفط بسبب الركود الاقتصادي. ومن ناحيتها، توعَّدت الصين بالردّ، مما يزيد الشكوك حول المشهد الاقتصادي العالمي.
جديرٌ بالذكر أيضاً أن بكين سمحت، الإثنين 5 أغسطس/آب، بانخفاض عملتها انخفاضاً كبيراً لتصل إلى أقل من المستوى الأدنى المطلوب لحماية الأسعار. وألقى البنك المركزي الصيني اللوم جزئياً على التعريفات الأمريكية المنتظرة.
وتكيل الصين ضربةً أخرى إلى الفلاحين الأمريكيين، بإعلان توقُّف الشركات الصينية عن شراء السلع الزراعية الأمريكية. ومن المحتمل أن يكون النفط هدفهم التالي. فمع أن بكين فرضت تعريفةً بنسبة 10% على الغاز الطبيعي المُسال من الولايات المتحدة، فقد تجنَّب النفط التعريفات حتى الآن.
انهيار صادرات النفط الإيرانية
قد يصدر من الصين رد فعلٍ غير مباشرٍ عن طريق السعي إلى تقويض سياسة ترامب الخارجية. إذ تهدف عقوبات ترامب على إيران إلى حرمان طهران من السيولة النقدية، وخلق صداعٍ اقتصاديٍّ يرغم الدولة على التخلي عن تطلُّعاتها النووية.
وقد نجحت العقوبات فعلاً في تخويف معظم مُشتَري النفط الإيراني والضغط على اقتصاد الدولة. ومن المتوقع زيادة نسبة البطالة في إيران إلى أكثر من 16% بحلول عام 2020، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
إلى جانب ذلك، هبطت صادرات النفط الإيرانية في يونيو/حزيران المنصرم إلى 530 ألف برميلٍ في اليوم، حسب وكالة الطاقة الدولية. وذلك بعد أن كان المعدَّل 2.6 مليون برميل يومياً، في شهر مايو/أيار من عام 2018.
بوجيز العبارة، قضت العقوبات على مليونَي برميلٍ من المعروض اليومي من النفط، مما ساعد على تخفيف آثار الزيادة الهائلة في الناتج الأمريكي من النفط.
وكان Bank of America يتوقع تقلُّص صادرات النفط الإيرانية إلى ما يقرب من الصفر خلال عام 2020. وكتبت المؤسسة: "إذا تجاهلت الصين العقوبات الأمريكية، فقد يُغرِق النفط الإيراني السوق".
الصين قد تسعى إلى تجنُّب "الاستفزاز العلني"
بالرغم من هذا، لم تتوقف الصين تماماً عن شراء النفط من إيران. فقد استوردت الصين متوسط 400 ألف برميلٍ يومياً من إيران، خلال النصف الأول من عام 2019، وفقاً لمات سميث، مدير أبحاث السلع في شركة ClipperData لتحليلات بيانات سوق الطاقة.
إذ صرَّح سميث قائلاً: "قد تمثِّل إيران سبيلاً لانتقام الصين من الولايات المتحدة، لكنهم يفعلون ذلك بالفعل إلى حدٍّ ما". وتابع سميث بأنه من الصعب الجزم بعدد البراميل المشتراة في يوليو/تموز الماضي، لأنَّ إيران قد نفَّذت "خديعةً عامةً لمحاولة إخفاء آثار هذه التدفقات". واستشهد بغلق إيران لإشارات تتبُّع السفن، وقيامها بنقل البضائع من سفينةٍ إلى أخرى.
ويؤمن البعض بأنَّ الصين ستتحاشى تصعيد الحرب التجارية تصعيداً درامياً، عن طريق تقويض إجراءات ترامب المشدَّدة على إيران تقويضاً قوياً.
ومن جانبه، صرَّح مايكل هيرسون، مدير الممارسات في شركة Eurasia Group في الصين وشمال شرق آسيا، قائلاً: "لن تتخلى الصين عن وارداتها من إيران إطلاقاً. لكنَّهم سيمتنعون عن أي فعلٍ يُعتَبر استفزازاً علنياً لإدارة ترامب" .
وأشار هيرسون إلى أنّ الصين لديها "الكثير لتخسره" إذا استجابت الولايات المتحدة لشرائها كمياتٍ ضخمةً من النفط الإيراني، بفرض عقوباتٍ على إحدى الشركات أو المؤسسات المالية الصينية الكبرى. واستطرد قائلاً: "سيتجاوز ذلك فائدة استيراد مزيدٍ من النفط من إيران، وعدم احترام بكين لواشنطن" .